عادات رمضانية سعودية: ما الذي يميزها عن غيرها؟

هل تساءلت من قبل ما الذي يجعل رمضان في المملكة العربية السعوديَّة مميزًا حقًا؟ فإلى جانب كونه شهرًا للصيام والصلاة والعبادة، فهو أيضًا شهرٌ مليء بالعادات والتقاليد الجميلة، والتجمعات العائليَّة الدافئة، وروح الكرم التي تُقرب الجميع من بعضهم البعض وتجعل المُجتمع نسيجًا واحدًا.
فمع رؤية الهلال، تتغيّر المملكة بأكملها فجأة! تنبض الشوارع بالحياة وتتزيّن بزينة رمضان الجميلة، وتمتلئ الأسواق المُزدحمة ببضائع جديدة لم تكن موجودة طوال العام. لكنَّ ما يميز رمضان في المملكة العربية السعودية حقًا هو العادات المتوارثة عبر الأجيال، والتي تحمل في طيّاتها بصمةً فريدة تُميز المجتمع السعودي عن غيره.
وفي هذا المقال، سنأخذك في رحلة عبر 10 تقاليد رمضانية من أكثر تقاليد رمضان شيوعًا وجمالًا في المملكة العربية السعوديَّة، من احتفالات آخر يوم شعبان المُبهجة إلى مشهد خيام الإفطار الذي يُجسد روح الكرم في جميع أنحاء البلاد.
1. الشعبنة

يتم الاحتفال بقدوم شهر رمضان في المملكة العربية السعودية مُقدَّمًا من خلال تقليد يُعرف باسم "الشعبنة"، حيث يحدث هذا التقليد في اليوم الأخير من شهر شعبان قبيل استطلاع هلال رمضان. في هذا التقليد الرائع، تتجمَّع العائلات والأقارب والأصدقاء للاحتفال بقدوم شهر رمضان والسهر معًا والاستمتاع بالأطباق السعوديَّة الشعبيَّة.
نشأ هذا التقليد في البداية في منطقة الحجاز، حيث يعود إلى قرون مضت وانتشر بعد ذلك في جميع أنحاء المملكة. وبفضل اللحظات الجميلة والدافئة لهذه العادة، يُمكن القول بأنّها أحد أجمل وأرقى العادات في المملكة العربيّة السعوديّة.
وبجانب تناول الطعام مع الأهل والأصدقاء، تُعد الزينة أحد أهم صور الشعبنة في السعوديّة، حيث يُزيِّن الناس المنازل والشوارع بلافتات الترحيب بالشهر الكريم، ويشترون فوانيس رمضان، ويُقبلون على الأسواق لشراء لوازم رمضان الأساسيَّة.
2. رؤية هلال رمضان

على الرغم من التطوُّر الكبير الذي حدث في علم الفلك وخصوصًا الحسابات الفلكيَّة التي يُمكن من خلالها تحديد موعد ظهور هلال رمضان ، إلا أنّ السعوديّة ما زالت مُتمسكة بالطريقة التقليديّة لرؤية الهلال. وتتمتّع هذه الرؤية بأهميّة كبيرة في المجتمع السعودي، حيث ينتظر الناس بفارغ الصبر الإعلان عن قدوم شهر رمضان بعد تأكيد الرؤية.
وبالتالي فإنّ هذا الترقب المُتعلق برؤية الهلال بدلًا من تحديد موعد ظهوره مُبكرًا باستخدام الوسائل الحديثة يُعد من أبرز التقاليد الرمضانيّة في السعوديّة.
وبمُجرَّد رؤية الهلال، تسود أجواء من البهجة في كل شوارع المملكة مُتمثلةً في الزينة التي تملأ الشوارع، والأسواق المُزدحمة المليئة بالناس لشراء لوازم رمضان. وكل هذه المظاهر بالطبع تضيف طابعًا خاصًا وشعورًا دافئًا لدى الجميع مقارنةً بباقي أيام العام!
ومن بين الاحتفالات الأكثر لفتًا للانتباه تقليد إشعال النيران في عسير، حيث يضيء السكان أسطح منازلهم احتفالًا بشهر رمضان، وهو بلا شك مشهد مذهل سترغب في رؤيته بالتأكيد!
اقرأ أيضًا: 9 نصائح للدراسة بكفاءة في رمضان
3. فك الريق

بمُجرَّد سماع أذان المغرب، تبدأ العائلات إفطارها باتِّباع سنة النبي من خلال كسر صيامهم بالتمر والماء. وفي هذه اللحظة، يقوم رب الأسرة بالدعاء ويؤمن باقي أفراد الأسرة من ورائه. وبعد كسر الصيام، يختار الناس إما الصلاة أولًا أو الاستمرار في الأكل قبل أداء صلاة المغرب.
4. الأطباق السعوديّة الشعبيّة

بعد فك الريق، يتم تقديم الأطعمة الخفيفة مثل الشوربة والسمبوسة والسلطات الطازجة، ويتم تناول الوجبة الرئيسيَّة عادةً بعد صلاة العشاء والتراويح، وتتضمَّن مجموعة مُتنوِّعة من الأطباق السعوديَّة التقليديَّة مثل:
- الكبسة والمظبي وهي عبارة عن أطباق أرز باللحم أو الدجاج
- البرياني والمدفون والمضغوط
- الهريس والمرق والكبة والجريش والفتة، وغيرها.
- خبز التميس، وهو من الأطعمة الأساسيَّة على مائدة الإفطار السعوديَّة
- المشروبات الرمضانيَّة الشهيرة بما في ذلك عصير الفيمتو والسوبيا والتمر الهندي، بالإضافة إلى عصير الليمون بالنعناع والبرتقال والجزر
وبعد الوجبة الرئيسيَّة، تستمتع العائلات والضيوف بالحلويَّات الرمضانيَّة مثل الكنافة واللقيمات والعصيدة والقشطة.
ومن عادات رمضان السعودية أيضًا ما يُعرف بالغبقة، وهي وجبة خفيفة يتم تناولها بعد صلاة التراويح، حيث يجتمَّع الأهل والأصدقاء مرة أخرى ويستمتعون بالوجبات الخفيفة والحلويَّات في وقت متأخر من الليل قبل السحور.
5. خيام الإفطار

تُعد خيام الإفطار من بين أفضل تقاليد رمضانية في المملكة العربية السعوديَّة وهي جزء أساسي من الثقافة السعودية، حيث تعكس قيم الكرم والضيافة لدى الشعب السعودي. تمامًا مثل موائد الإفطار الرمضانيَّة في الدول العربية الأخرى، فإنَّ خيام الإفطار منتشرة على نطاق واسع في جميع أنحاء المملكة، وخاصةً في المناطق القريبة من المساجد والمناطق الصناعيَّة.
تٌقدم هذه الخيام الطعام للعمال من الجاليات الأجنبيّة - والأسيويّة على وجه التحديد - كما تستضيف المسافرين أيضًا لتناول الإفطار قبل إكمال رحلتهم.
وبعيدًا عن الخيام، يشارك الشباب السعودي في تقليد رائع آخر يتمثَّل في توزيع التمر والماء على الصائمين في الشوارع وعند إشارات المرور. ومع اقتراب موعد المغرب، يُمكن رؤيتهم وهم يُقدِّمون وجبات صغيرة لسائقي السيارات والمشاة والعمَّال الذين ربما لم يتمكنوا من الوصول إلى منازلهم في الوقت المناسب لتناول الإفطار.
6. استخدام البخور في المساجد والمنازل

يعتبر وجود البخور سواءً في المنازل أو المساجد من السمات المميزة لشهر رمضان في المملكة العربية السعوديَّة. في المساجد، يتم استخدام البخور لتعطي رائحةً عطرة في بيوت الله حيث يتم تبخير كل أركان المسجد بأجود أنواع البخور السعودي المصنوع من العود والصندل. أما في المنازل، تشعل العديد من العائلات السعوديَّة البخور بعد الإفطار وقبل صلاة التراويح، فتملأ الهواء بروائح عطرة. وغالبًا ما تتولى النساء هذا الدور، حيث يتم عادةً تبخير البيت بينما يكون رجال الأسرة في الخارج لأداء الصلاة.
اقرأ أيضًا: كيف يصوم المسلمون في بلاد لا تغيب فيها الشمس؟
7. السحور السعودي

يُمكن اعتبار وجبة السحور هي الوجبة الرئيسيّة في المائدة السعوديّة، فعلى عكس بعض الثقافات العربيّة حيث يتكوَّن السحور من وجبات خفيفة، فإنَّه في المملكة العربية السعودية غالبًا ما يكون عبارة عن وجبة دسمة قائمة على الأطباق الأساسيّة بهدف الاستعداد لصيام اليوم التالي.
ومن أكثر الأطباق شيوعًا على السحور هي الكبسة، وهو عبارة عن طبق أرز بالدجاج أو اللحم. وهناك وجبة أخرى شائعة على مائدة السحور السعوديّة وهي الصياديَّة، التي تتكون من السمك والأرز، وهي مفضلة بشكل خاص في المناطق الساحليَّة.
وتشمل الأطباق التقليديَّة الأخرى على السحور المظبي - وهو دجاج مشوي أو لحم ضأن مطبوخ على أحجار ساخنة - والمضغوط - وهو طبق أرز لذيذ مطبوخ باللحوم والتوابل. بالإضافة إلى ذلك، يتم تقديم أطباق مثل البرياني والمدفون والمثلوثة، وغيرها من الأطعمة التي تميز كل منطقة في المملكة.
وإلى جانب الأطباق الرئيسيَّة، يتم تقديم المقبلات الخفيفة مثل الزبادي والتمر والمشروبات العشبيَّة للمساعدة في الهضم وتوفير الترطيب اللازم للجسم.
8. التجمعات العائليَّة

تُعتبر التجمُّعات العائليّة هي جوهر شهر رمضان الفضيل في المملكة العربيّة السعوديّة. وعلى عكس باقي أيّام العام حيث يفصل العمل والروتين اليومي الناس عن بعضهم البعض، يُشجّع شهر رمضان العائلات على إعطاء الأولوية لقضاء الوقت معًا، وتعزيز الروابط فيما بينهم.
ومن أكثر العادات الرمضانيّة الرائعة بين الأسر السعوديَّة هي توزيع أيام الإفطار بالتناوب بين أفراد العائلة. فبدلاً من أن تُفطر كل عائلة بمفردها، يتناوب أفراد العائلة على إعداد وجبات الإفطار والسحور، مما يضمن حصول الجميع على فرصة استضافة وخدمة أقربائهم.
وفي وقتٍ لاحق من المساء وبعد أن يحضر الرجال صلاة التراويح في المساجد، يعودون جميعًا لقضاء الوقت معًا وتناول وجبة ما قبل الفجر أو وجبة "الغبقة" كما ذكرناها سابقًا.
اقرأ أيضًا: الأجواء الرمضانية في دولة الجزائر
9. الأسواق الرمضانيَّة السعوديَّة

خلال شهر رمضان المبارك، تنبض المملكة العربية السعودية بأسواق خاصَّة تظهر فقط في الشهر الفضيل وتختفي بمُجرَّد انتهائه. تمتلئ هذه الأسواق الرمضانيّة بالأطعمة السعوديّة التقليديَّة والديكورات والزينة التي تُجسِّد روح رمضان. ومن بين أشهر هذه الأسواق سوق الحِلة في البطحاء وسط الرياض، والذي يشتهر بأنَّه أكبر سوق لبيع الأطعمة الرمضانيَّة الشعبيَّة في المملكة.
يتميّز سوق الحِلة بكونه وجهة معروفة لعشاق الطعام، حيث يقيم الباعة أكشاكهم على طول الأرصفة والطرق، ويُقدِّمون مجموعة مُتنوِّعة من الأطباق اللذيذة والتقليديَّة. ومع اقتراب شهر رمضان، يصبح السوق مُكتظًا ومليئًا بالناس، حيث يتسابق الجميع لشراء الأطعمة لوجبات الإفطار والسحور.
ومن بين السلع الأكثر طلبًا في السوق السعودي في رمضان السمبوسة والقطايف واللقيمات واللحوم المشويَّة والأسماك والكبد والعسل والسمن والسوبيا والخضروات والفواكه الطازجة. ورغم ظهور مراكز التسوُّق الحديثة وانتشارها، فإنّ سوق الحلة يظل ثقافة سعودية أصيلة وجزءًا عزيزًا من تقاليد رمضان في الرياض.
10. البازارات الخيريّة
بعيدًا عن أسواق المواد الغذائية، تُشكِّل البازارات الخيريَّة الرمضانيَّة سمة أخرى مميزة لهذا الشهر الفضيل، حيث تُقام هذه البازارات في مختلف المدن وتعمل كمبادرات لجمع التبرعات. تُباع في البازارات أنواع مُختلفة من البضائع مثل العطور والملابس والأدوات المنزليَّة وغيرها، ثم تذهب عائدات هذه المبيعات مباشرةً لدعم الفقراء والمحتاجين في جميع أنحاء المملكة.
اقرأ أيضًا: طريقة ختم القرآن في رمضان
الخاتمة
ختامًا، إنّ رمضان في المملكة العربيَّة السعوديَّة ليس مُجرَّد شهر صيام، بل هو مزيج خاص من الإيمان والبهجة والعطاء والتآخي والتراحم والاحتفال! من احتفالات الشعبنة إلى دفء التجمعات العائليَّة، ومن كرم خيام الإفطار إلى حيويَّة أسواق رمضان، يحمل كل تقليد معنى خاصًا، مما يجعل رمضان في السعوديّة تجربة لا تُنسى!
لذا، إذا حضرت رمضان في السعوديّة، فتوقّع أن ترى الشباب المُتطوِّعين وهم يوزعون التمر والماء على الغرباء في الشوارع، وأن ترى الزينة في كل مكان تذهب إليه وأن تشم رائحة البخور في المسجد أثناء كل صلاة!
وأخيرًا، لا تنسَ الإعجاب بالمقال والاشتراك في موقعنا حتى لا يفوتك أي جديد من مقالاتنا على موقع نثري، ولا تتردد كذلك في الاطّلاع على مقالاتنا السابقة ومشاركتها لتعم الفائدة!
المصادر:twinkl، egypttelegraph، sakan، arabvoice
Mohamed Ahmed
مهندس ميكانيكا باور، أعمل على تصميم وتطوير أنظمة الطاقة، لكنَّ شغفي الحقيقي يكمُن في الكتابة، حيث أؤمن أنها وسيلة قويَّة لنقل الأفكار والتأثير في العالم من حولي. دائمًا ما أسعى لإلهام الآخرين وتشكيل رؤيتهم حول مواضيع متنوعة مثل التكنولوجيا، الثقافة، العلوم، والتطوير الذاتي. لذلك، اخترت ملاحقة شغفي من خلال عملي في كتابة المقالات.