كيف يصوم المسلمون في بلاد لا تغيب فيها الشمس؟
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخوليفطر المسلمون خلال شهر رمضان عند مغيب الشمس ويصومون قبل شروقها، ويعد هذا أمر طبيعي نعرفه جميعًا. لكن ما الذي يحدث في البلدان الشمالية حيث يمكن أن يعيش المسلمون 24 ساعة من النهار أو الليل حسب فصول السنة؟ وحيث يبلغ أقصر يوم في السنة حوالي 12 ساعة.
على سبيل المثال، يختلف الصيام في القطب الشمالي الكندي تمامًا عن الصيام في مناطق أخرى من العالم. يعود السبب في ذلك إلى أن هذا الموقع يشهد أيامًا لا تغيب فيها الشمس صيفًا. فكيف يمكن للمسلمين في القطب الشمالي، مثل كندا وغيرها، أن يصوموا ويفطروا إذا كانت الشمس لا تغيب على الإطلاق في الصيف؟ هذا ما سنعرفه فيما يلي:
ما هو وضع المسلمين في الدول التي لا تغيب عنها الشمس؟
يتقدم موعد بداية هذا شهر بمعدل يقارب الأسبوعين سنويًا وفقًا للتقويم القمري. في الدول القريبة من خط الاستواء، كالسعودية وإندونيسيا، لا يحدث هذا التقدم فارقًا كبيرًا في عدد ساعات النهار الثابتة بين الأعوام.
لكن المسلمين الذين يعيشون في معظم دول العالم الشمالي، بالقرب من الدائرة القطبية في الشمال، يواجهون تحديات فريدة أثناء الصيام في فصل الصيف. حيث تظل الشمس مشرقة لفترات طويلة في فصل الصيف في نصف الكرة الأرضية الشمالي، مما يتسبب في قضاء المسلمين فترات صيام طويلة صعبة بدون طعام.
يحدث ذلك مدن شمالية مثل إيكالويت في كندا، حيث يشهد المسلمون هناك غروب الشمس في الساعة 11 مساءً، تليها شروقها بعد منتصف الليل، الساعة 2 صباحًا تحديدًا. وفي سان بطرسبرغ، يدوم النهار لـ21 ساعة، بينما يصوم المسلمون في النرويج لمدة تصل إلى 20 ساعة تقريبًا. بينما في كندا، لا تغيب الشمس تمامًا في بعض المناطق، مما يجعل المسلمون يواجهون المزيد من التحديات خلال فترات الصيام.
اقرأ ايضا
وقد أطلق سكان تلك البلاد على هذه الظاهرة "Midnight Sun" أو شمس منتصف الليل، حيث لا تغيب الشمس طوال اليوم خلال فصل الصيف في شمال الدائرة القطبية الشمالية أو جنوب الدائرة القطبية الجنوبية، مما يعني صيامًا يمتد طوال اليوم تقريبًا، يواجه المسلمون خلاله مشقة غير مُحتملة من الجوع والعطش.
ووفقًا لأستاذ الدراسات الدينية في جامعة فيرجينيا، شانكر ناير: إن كيفية التعامل مع الصيام في تلك المناطق الّتي تشهد ساعات نهار طويلة تعد مسألة جديدة بالنسبة إلى رجال ومفكري الدين الإسلامي، فحتى القرن العشرين، كان عدد الذين يعيشون في مناطق شمال الكرة الأرضية من المسلمين صغير جدًا؛ لكن ازدياد عدد المهاجرين الذين استوطنوا دول شمال الكرة الأرضية، دفع العلماء إلى إصدار فتاوى تساعد المسلمين على الصيام في تلك الظروف الفريدة. إذ يقدر عدد المسلمين في البلدان الشمالية حاليًا بحوالي 600 ألف، مع تركيز كبير في كندا يصل إلى مليون نسمة. ووفقًا لإحصائيات عام 2019، يعيش في النرويج 200 ألف نسمة من المسلمين.
كيف يصوم المسلمون في البلاد التي لا تغيب عنها الشمس؟
بعد بحث العلماء عن حل يساعد المسلمين في البلاد التي لا تغيب عنها الشمس على الصيام في تلك الظروف الصعبة، أفتى علماء من جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، إلى جانب آخرين من مختلف مراكز البحث الإسلامية، بفتاوى متباينة تتعلق بكيفية الصيام خلال شهر رمضان في المناطق التي تشهد إشراق الشمس لساعات طويلة على مدار اليوم. ويواجه المسلمون في هذه المجتمعات الحيرة في اختيار الفتوى الأنسب لهم.
من جانبه، أكد مجلس كبار العلماء المسلمين بالمملكة العربية السعودية على ضرورة اعتماد التوقيت المحلي في الصيام ما دام بالإمكان التمييز بين الليل والنهار، حتى وإن استلزم ذلك الصوم لمدة تزيد عن 23 ساعة خلال فصل الصيف، ولساعات محدودة في الشتاء، معتبرين ذلك اختبارًا لتقوية الإيمان.
غير أن هذه الممارسة تحمل في طياتها صعوبات، إذ تُظهر الدراسات الطبية أن الصيام لمدد طويلة قد ينجم عنه أعراض كالصداع والإرهاق والجفاف الشديد. وخلال الليل، يتعين على المسلمين تناول الطعام والشراب خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الساعتين بعد يوم طويل وحار في بعض الأحيان.
في مدينة كيرونا بالسويد، حيث لا تغرب الشمس أبدًا، يعبر المسلمون عن صعوبة الصيام لساعات طويلة وتأثيره على قدرتهم على مواجهة متطلبات الحياة اليومية. فاطمة كنيز، إحدى سكان المدينة، تشارك تجربتها قائلة: "كنت أشعر بالإنهاك أحيانًا، وأضطر لاستقلال الحافلة من العمل إلى البيت بدلاً من المشي، وأجد نفسي أنظر إلى الساعة مرارًا وتكرارًا".
في المقابل، تصف يليزافيتا إسماعيلوفا من سان بطرسبرغ تجربة الصيام بأنها "عبء كبير للجسد البشري". وفي إيكالويت، لجأ السكان إلى أخذ قيلولة بعد العمل نظرًا لضيق الوقت المتاح للإفطار وتأخره حتى وقت متأخر من الليل.
بسبب هذا الإرهاق الذي تسببه ساعات صيام الطويلة، قدمت الهيئات الإسلامية ثلاث حلول بديلة وتبنتها المساجد لمساعدة المسلمين في البلدان التي لا تشهد غروب الشمس أو تغرب لفترات قصيرة جدًا. هذه الحلول تشمل الإفطار وفقًا لتوقيت غروب الشمس في أقرب دولة ترى الليل والنهار بوضوح، أو في دولة ذات أغلبية مسلمة، أو حسب توقيت غروب الشمس في المملكة العربية السعودية.
ومن بين البلدان التي تبنت تلك الحلول "نونوفت"، التي أصبح يواصل المسلمون أداء أعمالهم ومهامهم اليومية خلال رمضان، ملتزمين بالصيام والإفطار وفقًا لأوقات الصلاة في مكة. وفي أيسلندا حيث يجد بعض المهاجرين المسلمين صعوبة في الصيام لمدة 22 ساعة، فإنهم أصبحوا يفضلون اتباع توقيت الشمس في بلدانهم الأصلية ذات فترات الصيام الأقصر. بينما اختارت مساجد وهيئات أخرى الاعتماد على توقيتات دول أوروبية مثل فرنسا.
في ختام هذا المقال، أصبحنا ندرك تحديات صيام المسلمين في بلاد لا تغيب فيها الشمس، حيث يواجهون ساعات طويلة من النهار وصعوبات في تحديد أوقات الإفطار والصيام خلال شهر رمضان. إن هذه التحديات تتطلب تأقلمًا وحكمة من المسلمين المقيمين في تلك المناطق. ومن جهة أخرى تُظهر الحلول المتنوعة من قِبَل الهيئات الإسلامية والعلماء الحاجة الملحة للبحث عن توازن بين الالتزام بالشعائر الدينية وتسهيل حياة المسلمين في ظروف غير تقليدية. ويَظهر أيضًا الإصرار على الصوم في ظل هذه الظروف الفريدة، بالإضافة إلى الرغبة في الالتزام بأوقات الصلاة والعبادة.
المراجع
منة الله سيد
صحافيةصحافية مصرية، مهتمة بالصحة والعلوم والتكنولوجيا. أسعى لنشر المعرفة لأن المعرفة قوة.
تصفح صفحة الكاتب