الشخصية الاتكالية - فشل أمام النفس في اتخاذ قراراتها

إيمان الحياري
كاتبة محتوى تقني ومنوع
نشرت:
وقت القراءة: دقائق
الشخصية الاتكالية - فشل أمام النفس في اتخاذ قراراتها

في مواقف معينة من حياتنا نقف مكتوفي الأيدي نحتاج من يتخذ القرار لنا، ولكن الأمر ليس دائمًا، لكن مع الأسف أننا نصادف الكثير من الشخصيات الاعتمادية التي ترمي بأثقالها على الآخرين من اتخاذ قرارات نتيجة انعدام الثقة بالنفس والعجز عن حزم الأمور بشكلٍ صحيح، إلا أن الأمر خارج عن إرادتهم مهما حاولوا البت بالمواضيع؛ لكنهم يعاودون أدراجهم إلى الآخرين ليكونوا الملاذ الآمن باتخاذ القرار عنهم؛ باعتبارهم أكثر موثوقية.

الشخصية الاعتمادية dependent personality disorder

الشخصية الاتكالية - فشل أمام النفس في اتخاذ قراراتها

بحر عائم من مشاعر القلق والتوتر والتردد المطلق في اتخاذ القرار مهما كان بسيطًا؛ وصف دقيق لحالة اضطراب الشخصية الاعتمادية dependent personality disorder، فإن قابلت هذه الشخصية يومًا؛ قد تكون أيضًا في موضع صعب بتوسله إليك باتخاذك قرار يخصه؛ بالنسبة لي الأمر بمنتهى الصعوبة، إلا أنه لا يأبه لذلك إلا رغبته بالتخلص من الوقوع بالخطأ أو لوم ذاته ضعفًا بالشخصية واتكالية بطريقة مرضية بهذا الشأن؛ لذلك قد يكون من المنصف وضعه على الرف بجوار الشخصية القلقة.

الاعتمادي من الشخصيات المصنفة ضمن قائمة مرضى الاضطرابات الحدية، من هنا يتضح لك أن الأمر ليس اعتياديًا أو يمكن تجاهله أبدًا، إذ قد يتفاقم الأمر إلى حد حاجتهم للعلاج بأي أسلوب يحد من هذه المشكلة لديهم.

صفات الشخصية الاعتمادية

الشخصية الاتكالية - فشل أمام النفس في اتخاذ قراراتها

حتمًا إن الطفولة التي مررت بها قد غرست جذورها في أعماقك؛ وقد بدأت الثمار بالطرح في مرحلة البلوغ وتحديدًا عند بدء تكوين شخصيتك، لكن ليس بالضرورة أن تكون الثمار نخب أول؛ قد تكون للأسف غير صالحة نتيجة النمو ببيئة سيئة جدًا، وكذلك نحن تمامًا، إذ تظهر الآثار البيئية لما عاصرناه في طفولتنا في الوقت الحالي، ولذلك نرى فئة لا بأس بها من مصابي اضطراب الشخصية الاعتمادية في حياتنا؛ والذين عاشوا طفولة بائسة مليئة بالعنف الأسري والمشاكل، والآن لنقف سويًا على أعتاب صفات الشخصية الاعتمادية:

الطفولة المعنفة أو المؤذية

عزيزي القارئ؛ إن البيئة الأسرية بغض النظر كانت إيجابية أو سامة التي توفرها لطفلك سترى حصادها بعد سنوات ليست طويلة، فإن كان الطفل معنفًا سيعاني من مشاكل واضطرابات بالشخصية مع الأسف، فإن نسبة لا بأس بها من مصابي اضطراب الشخصية الاعتمادية قد عاشوا بحالةٍ من التنمر والضب المبرح، كما أن أطلال المشاكل الأسرية تتجلى في طفلك بعد نموه، اسعى دومًا لتوفير بيئة إيجابية قدر الإمكان لنتكاتف في بناء مجتمع سوي.

وتدرج هذه الحالات عادةً تحت ما يسمى صدمة الطفولة التي عاش خلالها كل ما هو مؤذي وإساءة في المعاملة واللفظ وغيرها من أساليب الحرب النفسية عليهم.

العلاقات السامة

إن كان البعض يركز الآن أنظاره على الأطفال فحسب بهذا الشأن؛ فإن الخبر المؤسف أننا في مراحل عشرينية من عمرنا قد نكون ضحية لإحدى الشخصيات النرجسية في علاقةٍ ما؛ ما يجعل منا شخصيات ضعيفة لا يمكنها اتخاذ القرار؛ وتحديدًا السيدات اللواتي يتزوجن نرجسييّن، أعتقد أنها لن تتمكن من اتخاذ قرار الطبق الواجب تحضيره يوميًا؛ وذلك نتيجة الخوف والقلق من النرجسي، لذلك يتولد بهذه الحالة شخصًا اعتماديًا، كما لا أود الجزم بأن في كل بيئة تحتضن نرجسي حتمًا تحتضن اعتمادي أيضًا.

الوراثة

إن كنت شخصًا اعتماديًا فإن هناك فرصة أكبر لأن ينتقل الأمر للأجيال اللاحقة من خلفك، إذ يمكن أن يكون الأمر وراثيًا أحيانًا كما هو الحال في اضطرابات الشخصية الاجتماعية والرهاب الاجتماعي وغيرها؛ فإنه يتدفق عبر الجينات والعيش معه في بيئة واحدة أيضًا.

كيفية التعامل مع الشخص الاعتمادي

التعامل مع الشخص الاعتمادي من الأمور الحساسة إجمالًا، تتطلب حيطة وحذر حتى تتمكن من الأخذ بيده نحو النجاة والتخلص مما هو به الآن، لذلك تحتاج الشخصية الاعتمادية إلى الكثير من الحنان والاحتواء حتى تشعر بالأمان، بالتالي التمكن من استعادة ثقتها بنفسها، فإن العاطفة تمنح الإنسان شعورًا بالطمأنينة وتجعله أكثر انطلاقًا وحماسًا للحياة؛ ما يبدد المشاعر السلبية والتردد التي يواجهها، فإن الاحتواء والعاطفة متطلب أساسي حتى لدى الشخص الطبيعي في حياته اليومية، فإنه وسيلة فعالة في مواجهة ضغوطات الحياة التي تثير موجة عارمة من الاكتئاب في أعماقنا.

إلا أنه من الضروري ألا يتفاقم الأمر حتى يسيطر الشريك أو الآخر على الاعتمادي كليًا؛ فإن ذلك يصبح مشكلة أخرى تحتاج العلاج، بذلك فإن التوازن في العلاقة العاطفية مع الشخص الاعتمادي والدعم بمنحه الاستقلالية حتى يصبح قادرًا على اتخاذ القرار الصائب من تلقاء نفسه.

علامات الشخصية الاعتمادية

إذا أردت التعرف على الاعتمادي؛ فإنك حتمًا ستتمكن من تمييزه بملاحظتك للاضطراب والتوتر والحالة المزاجية السيئة الظاهرة عليه، ومن المؤسف أن عصبية الاعتمادي والتهيج الذي يعيش به يترك أثرًا في محيطه سلبيًا يجعله محط انتباه الجميع؛ لذلك لن تخطئ في ملاحظته تحديدًا مع ما يصيبه من قلق دائم.

في الحقيقة إن الاعتمادي يترك في أعماقك شعورًا بالشفقة تجاهه؛ فإنه شخص متشائم ويبث أفكارًا سلبية تهيمن عليه، ليس ذلك فحسب؛ فإنه بحالةٍ من فقدان التركيز وتلاحظ أنه لن يهدأ أبدًا وينتقل من شخص لآخر لطلب الدعم واتخاذ القرار عنه

إذ يمكن للأخصائي النفسي التدخّل عادةً للحيلولة دون تفاقم الأمور لدى الاعتمادي، إذ لديه العديد من الحلول والطرق الفعالة في منحه ثقة بالنفس أكثر، بالتالي القدرة على اتخاذ القرار والتحسن تدريجيًا.

طرق علاج اضطراب الشخصية الاعتمادية

لا يحتاج اضطراب الشخصية الاعتمادية إلى العلاج بالأدوية والعقاقير الطبية إجمالًا، إلا في بعض الحالات قد تستدعي اللجوء إلى وصف الطبيب لبعض العقاقير المضادة للاكتئاب والقلق، والأدوية المحسنة للمزاج، لكن إجمالًا فإنه بحاجة ماسة إلى الدعم النفسي والعاطفي للمصاب من العائلة والمجتمع إضافة إلى جلسات الدعم لديه لغايات العلاج السلوكي المعرفي.

في الواقع إن العلاج الواجب تقديمه للاعتمادي جرعة عالية جدًا من الاحتواء والعطف والحنان، فإنها أكثر نفعًا حتمًا من العقاقير الطبية، رغم تأكيد الطب على استدعاء الحاجة لابتلاع العقاقير المضادة للاكتئاب والقلق؛ لكن ما الفائدة إذا كانت عوامل الأذى ما زالت قائمة! فإن العلاج يحتاج دعمًا نفسيًا ومعنويًا إلى جانب هذه الحبوب.

على العائلة الوقوف مليًا مع المصاب والتكاتف لبناء درع حماية له ولنفسيته لمساعدته نحو الشفاء؛ لا مانع من التناوب على العطف والحنان، وإبعاد المشاكل ورمي سلاحها جانبًا حتى يتسنى له الاستقرار نفسيًا، وقد يكتمل التشافي بالذهاب بدافع الرغبة إلى جلسات العلاج السلوكي والمعرفي.

الوقاية من اضطراب الشخصية الاعتمادية

من الجدير بالذكر أن الوقاية من اضطراب الشخصية الاعتمادية أمر ليس باليد أبدًا، ولكن الوقاية خير من قنطار علاج دون شك؛ وإن تسللت التساؤلات إلى ذهنك حول كيفية ذلك باعتقادك أنه أمر يولد المرء به وينمو معه، إلا أن ذلك ليس صحيح أبدًا، وإنما يتولد نتيجة ظروف وعوامل محيطة تفاقم الأمر سوءًا.

تتمثل الوقاية من الاعتمادية بتوفير بيئة إيجابية للطفل منذ نعومة أظفاره؛ بحيث تخلو من العنف الأسري والتنمر وسوء المعاملة له ولمن حوله، فإن عيش الطفل ببيئة مريبة وسلبية تولد لديه الكثير من الاضطرابات النفسية مثل الشخصية السامة، الشخصية الانطوائية، الشخصية النرجسية، الشخصية الاعتمادية وغيرها الكثير التي نشأت نتيجة التربية في بيئة غير صالحة أبدًا.

كما تشير الدراسات النفسية إلى أن اقتصار علاقة الطفل وقوتها مع شخص واحد خلال طفولته مثل صديقه أو معلمه مثلًا؛ قد يكون سببًا في تحوله لشخص اعتمادي يصعب عليه اتخاذ القرار لوحده، وليس ذلك فحسب؛ بل قد يتخطى الأمر عدم قدرته على التحرك أو التواجد في مكان ما دون هذا الشخص، لذلك التوازن في العلاقات ومراقبتها أمر مطلوب للغاية.

ختامًا، فإن الشخصية الاعتمادية واحدة من الاضطرابات النفسية التي يمكننا كأسر حماية أطفالنا منها من خلال توفير بيئة صالحة للتنشئة؛ فإننا القاعدة الأساسية ونقطة الانطلاق في بناء المجتمعات حتى تكون إيجابية تخلو قدر الإمكان من المشاكل والاضطرابات، كلنا مسؤول عن رعيته حتى نصل في نهاية المطاف إلى صلاح عام في البيئة، الأطفال هم المرآة العاكسة لما قدمناه لهم وتتجلى الصورة وتتضح عامًا تلو الآخر حتى تتكون الشخصية الأساسية لهم وتتخذ الهيئة النهائية فيما إذا كانت متوازنة من عدمه.

المراجع

Dependent Personality Disorder

Dependent Personality Disorder (DPD)

Dependent Personality Disorder

إيمان الحياري

إيمان الحياري

كاتبة محتوى تقني ومنوع

كاتبة محتوى إبداعي واحترافي أشغف في إثراء المحتوى العربي، هدفي إفادة الشباب العربي بالمعلومات المستوحاة من مصادرها الموثوقة وتقديمها بأبسط ما يمكن لتكون متوفرة فور البحث عنه.

تصفح صفحة الكاتب

اقرأ ايضاّ