
مقدمة
في السنوات الأخيرة، بدأ العالم يشهد تحولات عميقة في ثقافة الإنسان وميوله حيث كان الاهتمام في الماضي ينصب بشكل رئيسي على المعرفة والقراءة، على اكتشاف "أمهات الكتب" والانغماس في عوالم الفكر والفلسفة والتاريخ، ومحاولة تطوير الذات بالاجتهاد والسهر والمثابرة ، في حين أصبح اليوم جزء كبير من اهتمامات الناس ينحصر حول الطعام وألوانه وفنون تحضيره ، سواء كان طعامًا يوميًا أو حلويات فاخرة.
تغير الأولويات في حياة الانسان اليومية
هذا التحول في الحقيقة يعكس تغيّر أولويات الإنسان في مواجهة ضغوط الحياة الحديثة وسرعة الإيقاع اليومي ، فبينما كان الإنسان قديماً يقضي ساعات طويلة في صقل العقل وتوسيع مداركه وآفاقه ، ومواجهة تساؤلاته ومحاولة التعمق في فلسفة الفكر و النظريات العلمية ، أصبح البحث عن متعة لحظية وتجربة حسية جديدة جزءًا أساسيًا من ثقافته اليومية ، فالاهتمام بالطبخ لم يعد مجرد وسيلة لتناول الطعام، بل أصبح فنًا وتجربة مليئة بالإبداع، يمنح الفرد شعورًا بالرضا الشخصي، والاستمتاع باللحظة، والتعبير عن الذات من خلال النكهات والألوان والتقديم.
التوجه نحو الطبخ وصناعة الحلويات
في الوقت الحالي، تزايد الاهتمام بالانخراط في دورات تعلم الطبخ وصناعة الحلويات و لم يعد الهدف مجرد إعداد وجبات منزلية، بل أصبح الناس يسعون لتعلم تقنيات متقدمة وفنون جديدة تضيف لهم شعورًا بالتميز و الإبداع ، وهناك توجه آخر عند البعض وهو التقاط الصور لأنواع وألوان الطعام الشهية وتتبع عادات الاخرين في الطعام وتجربتها مع الأصدقاء ، هذه الظاهرة تكشف عن جانب نفسي عميق وهو رغبة الإنسان في السيطرة على بيئته، وإضفاء لمسته الشخصية على الحياة اليومية، وتجربة شعور الإنجاز من خلال صناعة شيء ملموس وجميل.
بالإضافة إلى ذلك، يعكس هذا التوجه تحول الإنسان نحو النشاطات التي تمنحه متعة فورية وتحفيزًا حسّيًا فالطبخ وصنع الحلويات يشبع حواس الفرد من خلال الألوان، الروائح، والأشكال الجميلة، ويمنحه شعورًا بالإنجاز في وقت قصير نسبيًا، على عكس القراءة أو الدراسات التي تتطلب صبرًا وجهدًا طويلًا لتحقيق الفهم العميق أو الثقافة الغنية.
ومع هذا التغيير في توجهه تتشكل ثقافة جديدة للإنسان الحديث، حيث أصبح الاهتمام بالذات، بالخبرة العملية، وبالمتعة الحسية جزءًا لا يتجزأ من حياته اليومية، وقد يظهر هذا جليًا في سعي الناس لتعلم كل ما هو جديد في مجال الطعام، من وصفات مبتكرة إلى تقنيات حديثة في التقديم، وحتى التعمق في فنون الحلويات، كل ذلك بهدف إثراء حياتهم وتجربة متعة حقيقية تتجاوز مجرد ملء المعدة.
ان لكل تغيير تبعات ، فمع الانخراط الكبير في الأنشطة الحسية والفنية، قل اهتمام الإنسان بالمعرفة التقليدية والقراءة، الامر الذي أدى وسيؤدي إلى ضعف الجانب الفكري مقارنة بالجانب الحسي والعملي ومع ذلك، فإن موازنة النشاطات بين الثقافة العقلية والفنون الحسية تمنح الإنسان حياة متكاملة، حيث يستطيع الاستمتاع باللحظة وإشباع حواسه، وفي الوقت نفسه صقل عقله وتوسيع مداركه.
خاتمة :
يمكن القول أن ميول الإنسان الحديثة تعكس رغبة متزايدة في الجمع بين المتعة والإبداع، بين الراحة والإنجاز الشخصي، وبين النشاط الحسي والفكري ، والانخراط في دورات تعلم الطبخ وصناعة الحلويات ليس مجرد هواية، بل أصبح جزءًا من ثقافة الإنسان اليومية، وسعيه لتحقيق التوازن بين الجسد والعقل، وبين اللحظة الحالية والآفاق المستقبلية.
لايمكن لأي متعة أن تظاهي متعة الطعام الجيد
📚 المراجع
If the world has gone digital, why do so many of us still want cookbooks?
Still cookbook crazy in a digital world, plus the Koreatown bakery where fans wait up to two hours for cake, a new croissant contender, and why a vegan restaurant will start serving meat in this week's Tasting Notes.
تصفح المرجع ↗Career shifts to culinary education continue to be the trend
This trend reflects broader changes in the food industry and labor market, as professionals from diverse backgrounds pivot to culinary careers.
تصفح المرجع ↗فن الطبخ في الوسط الحضري | PDF
تتناول هذه الدراسة موضوع "فن الطبخ في الوسط الحضري"، مع التركيز على تأثير الطعام ودوره في المجتمع الحضري، خصوصًا في منطقة شلف. تهدف الدراسة إلى استكشاف العلاقة بين الأصالة والعصرنة في طهو الطعام، من خلال تحليل العوامل التي تؤثر على تغيير أو تمسك المجتمع بثقافته الغذائية. تشمل الدراسة فصولًا نظرية وميدانية، حيث تم تحليل الفرضيات والنتائج المستندة إلى المقابلات والملاحظات.
تصفح المرجع ↗