الصور المولدة من الذكاء الاصطناعي؛ بين التميز التقني وغياب اللمسة الإنسانية
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخوللا شك أن الذكاء الاصطناعي أصبح يخالط مختلف أعمالنا اليومية، ويساعد في إنجاز كثير من المهمات الاعتيادية التي كانت حكرا على الإبداعية الإنسانية، وكذا يسهل مجموعة من الأعمال التي تتطلب وقتا وجهدا كثيرا منا، فبعد ظهور برامج الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT و DALL-E و midjourney، الأن أصبح من الممكن القيام بهذه الأعمال بكبسة زر فقط.
فكيف يمكننا الاستفادة من مميزات الذكاء الاصطناعي دون التخلي عن الجانب الإنساني في الإبداع؟ وهل من الممكن أن يلغي الذكاء الاصطناعي الإبداعية فينا كبشر؟ وحتى لا ننزاح إلى غياهب ظلمات الذكاء الاصطناعي، كيف يمكننا الموازنة بين مميزات وعيوب الذكاء الاصطناعي واستخدامه في صالح العام للبشرية؟
توليد الصور من برامج الذكاء الاصطناعي
يمكننا الذكاء الاصطناعي من توليد صور مختلفة ومميزة بالاعتماد فقط على وصف مناسب لتصورنا لهذه الصور، فيعمل الذكاء الاصطناعي على توليد صور حسب ما تم برمجته عليه من صور وخلفيات متنوعة، لينتج لنا صورا وفق الوصف الذي تم كتابته.
وتتسم هذه الصور المولدة عن طريق الذكاء الاصطناعي بالتميز من حيث التقنية والجودة العالية، وكذلك فإن استعمال هذه البرامج لا يحتاج إلى خبرة في التصميم أو البرمجة، كل ما هو مطلوب منك هو كتابة وصف كافي يبين ماهية الصور التي تريد الحصول عليها، والبرنامج يقوم بتوليدها في ثواني معدودة.
هناك مجموعة من المواقع على الانترنت المجانية التي تقوم بهذا العمل، وذلك يعد شيء جيد جدا من حيث استثمار الوقت والجهد والمال المخصص لصناعة هذه الصور بالاستعانة بخبراء التصوير الفوتوغرافي والمونتاج وغيرها من مستلزمات التي تستوجوبها صناعة الصور الإبداعية، لكن يبقى السؤال المطروح هنا هو: هل تستطيع برامج توليد الصور بالذكاء الاصطناعي إنتاج صور إبداعية تتغلب أو حتى تشابه ما تنتجه الإبداعية الإنسانية؟ وإن كان ذلك ممكنا فإلى أي مدى يمكننا الاعتماد على التقنية في الذكاء الاصطناعي على حساب إبداعية اللمسات الإنسانية في الأعمال الفنية؟
اقرأ ايضا
لماذا يحذروننا من الصور المولدة من الذكاء الاصطناعي
إن للصور المولدة من الذكاء الاصطناعي طابع مختلف نوعا ما عن الصور الحقيقية، فبالرغم من أنها تتفوق من حيث الجودة العالية، والتقنية المتطورة، والسرعة في الإنجاز، إلا أنها كذلك تتسم بوحدة الثيمات المستعملة وفق ما تم برمجتها عليه، كذلك فإن هذه الصور تفتقد إلى اللمسة الإنسانية، والسياق الذي يشكل فهمنا للواقع، وتتميز كذلك بالتجرد من المعنى والسطحية في اختيار نمط الصور.
ونلاحظ بأن بعض التجارب التي تم خوضها مع هذه البرامج في توليد الصور يشوبها مجموعة من المشاعر المختلفة، فإن الصور التي تم إنتاجها تصور بعض المشاعر البشرية والعواطف لكنها تفتقر للتاريخ والهوية، ولا ترتبط بالعالم المحيط، ويغلب عليها نمط التجرد والسطحية في معالجه الواقع.
رغم اشتراك الصور المولدة في خلق نفس المشاعر والأحاسيس التي تبرزها الصور الفوتوغرافية، إلا أننا نلاحظ التفوق الكبير للجانب الإنساني في الصور الفوتوغرافية، حيث يظهر بأنها أكثر حيوية وتخاطب الروح والقلب معا.
ويعزى هذا التفوق للإبداع الإنساني على حساب الإبداع الاصطناعي إلى أن الذكاء الاصطناعي غالبا ما يعتمد على أنماط إحصائية وحسابات مجردة ومبرمجة مسبقا، وتصورات انتقائية للعلاقات العامة بين مختلف المواضيع، فتراها تخلط بين العناصر المألوفة وغير المألوفة بطريقة عشوائية، وتوهمنا بأنها مفهومة.
في حين أن التجارب التي نخوضها نحن كبشر في حياتنا اليومية وعلاقاتنا مع المجتمع والطبيعة والمحيط الخارجي حولنا هي ما يشكل الطابع الإنساني فينا، فكل هذه المشاعر والأحاسيس تظهر جلية في أعمالنا الإبداعية، فتتسم بالحيوية والواقعية، وتلامس الروح.
صور الذكاء الاصطناعي تجرؤنا على أصولنا التاريخية و المجتمعية
عندما ننظر إلى الصور التي تم توليدها باعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي نرى بأنها تجمع مجموعة من الأفكار والعناصر المختلفة، من حيث التاريخ والعراقة والأماكن في إطار واحد، وهذه الأفكار والعناصر تختلف كثيرا من حيث تاريخ كل عنصر على حدى، وكذا البنية المجتمعية لكل مجموعة بشرية مختلفة في العالم، فتقوم هذه البرامج بخلط كل هذه المعطيات المتباعدة نوعا ما فتنتج لنا صور متمازجة العناصر.
الصورة أعلاه تم توليدها باستخدام الذكاء الاصطناعي. تراها خليط من النمط البدوي الصحراوي، وقد أضيف إليه عنصر الشماخ الخليجي، وتختلط به اللمسة النسائية، فلكل عنصر من هذه العناصر تاريخ يتمز به، وعراقة إنسانية واجتماعية، وله أعراف وتقاليد، هكذا نعني بأنّ صور الذكاء الاصطناعي تجرّئنا على الأصول المجتمعية والتاريخية.
كيف يمكن الاستفادة من الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي
كما لاحظنا فبالرغم من أن الصور المولدة من الذكاء الاصطناعي تتمتع بالجودة الرائعة والتميز والاختلاف، إلا أنها تفتقر للطابع الحيوي والروحي، فهي توحي بالجمود والتجرد من العالم المحيط، ومع ذلك فإن مجال الذكاء الاصطناعي يتطور بشكل مستمر وسريع، وقد يصل إلى نقطة يصعب التمييز فيها بين صور مولدة ببرامج الذكاء الاصطناعي وصور فوتوغرافية صورت عن طريق كاميرا عادية من حيث الصفات العاطفية والسمات الإنسانية والجمالية.
لذلك يجب أن نركز على الايجابيات والمزايا، وكذا الاستخدامات المحتملة التي يجب استكشافها، فعلى سبيل المثال فقد تمكننا هذه الصور على خلق الإبداع والتعبير عما يخالج النفس البشرية، وتقديمه على شكل صور كاملة، دون أن يتمتع الشخص بأي مهارات إبداعية، أو خبرات تصميمية.
كذلك قد تمكن الخبراء والعلماء والمعلمين في مجال التعليم على تصور المفاهيم أو السيناريوهات التي يصعب تمثيلها على أرض الواقع، أو حتى يستحيل ذلك، فيمكن استغلال الذكاء الاصطناعي في تمثيل هذه الاحتمالات وتوضيحها للمتعلمين وتقريب الفكرة أكثر للناس.
كما يمكن أن يوفر الإلهام والترفيه للأشخاص الذين يستمتعون باختلاط الأفكار، وإنتاج تصورات جديدة عن طريق المزج بين العناصر والأفكار المختلفة، وإخراج إبداع مميز ومتفرد، ويمكن اعتبار الصور التي تولدها برامج الذكاء الاصطناعي شكلا من أشكال التجربة والاكتشاف الفني بدلا من التعويض أو الاستبدال للفن الانساني.
التكامل الحاصل بين الإبداع الإنساني وتقنيات الذكاء الاصطناعي
فيما خلصنا إليه أن الذكاء الاصطناعي قد طغى على حياتنا اليومية، ولا مجال للاستغناء عليه أو تجاهله، فكما هو واضح فإجابياته طغت على سلبياته، أما في مجال توليد الصور فإن اللمسة الإنسانية التي غابت عن برامج الذكاء الاصطناعي يمكن تعويضها من خلال التكامل بينها وبين الأعمال البشرية، لتخلق لنا محتوى مميز يعبر عن الانسجام بدل الاستبدال والتعويض أو المنافسة.