هل تنتهي معاناة الأطفال في غزة؟هل سيتذكر الأطفال اليتامي أهلهم؟إلىٰ متي يظل الوضع كما هو عليه؟

تسنيم محمد
كاتبة
تاريخ النشر :
وقت القراءة: دقائق

رأيت طفلاً يقول علي الموز دجاج ،وطفلًا يبكي وحيدًا ساندًا ظهره علي الجدار ،وحوله أطفال يبكون ولكن معهم أهاليهم

معاناة غزة في صورة

هذه المشاهد قد قتلتني ،الحقيقة إن الأطفال قد خلقها الله قادرة علي أن تفطر قلبك من السعادة أو أن تقتلك حزنًا أيضًا

ولم أكن علي يقين من قدرة الأطفال علي تفجير مشاعرك بهذا الشكل إلا عندما رُزقت أمي بأخ جديد وأنا كبيرة

رحلتي لمحاولة فهم مشاعري تجاه الأمومة عندما ولد أخي الصغير

إنني الأخت الكبيرة لي ذكريات مع أخوتي ،وفوق هذا في بيتنا طفل أيضا

لم أتوقع أن تأتي أمي لنا بطفل بعد كل هذه السنين ،وهذا ما أصابني بحالة من الصدمة لما أتداركها حتي أنجبت أخي الصغير

أذكر أني نزلت في هذا اليوم لمشوار كان يمكن أن يُلغي لأن أمي قد أنجبت ،ولكن لم أفكر في هذا ولم أحمله حتي جاء الليل

أول مرة حملته وكأن قلبي قد أصبح لينًا بعدما كان قد أصبح أشبه بالحجر ،يتسم بالعملية ،والتضحية هي أخر الحلول المطروحة بالنسبة له

لم يكن ذاك شعور أن الأطفال جميلة وأني أحمل طفل ،لا بل كان شعور أشبه بالأمومة

لقد أصبحت أُمًا وهناك طفلا بين يدي أصبح ملكي ،قد كان شعورا جميلا

وهناك الكثير والكثير بيني وبين أخي ،أصبحت أفكر به إذا كنت خارج البيت وقت إستيقاظه

هل وجَد من يطعمه؟هل وجَد من يجلس معه ويكلمه؟

هل هناك أحد غنا له أغاني هو فقط من يعلمها لأني فقط من أغنيها له

مثل أغاني الشيخ إمام وسيد درويش وبعض الكلمات الغير مفهومة التي تخرج من فمي وانا أحاول إضحاكه فأصبحت علامه يعلمني بها

لقد فهمت شعور الأمومة وأحببته ولن انساه

حب أخي لوالدي الذي لطالما جعلني أستشيط غيظًا

أخي يحب أمي وأبي كثيراً

وهذا يجعلني أحيانا أستشيط غيظا ،أنا أطعمك وأجلس معك وأغير لك وفي نهاية المطاف ترمي نفسك في حضن أمك التي حملتك وتحملت الطلق وأرضعتك وفعلت ما أفعله أيضا...ياله من ظلم

وكذلك لا أحتاج أن أقول أن هذا الحب يذهب لأبي أيضا ،أحيانا يصل لدرجة تشعلني غيظا أنا وامي

أمي عندما تذهب إلي مشوار ما وتضطر لترك أخي معي ،أمشي به وانا أحتضنه حتي ينام في حضني

أظل محتضناه رغم عرقه حتي لا يستيقظ إلا إذا إحتاج الأمر

وهذه مهمة أصعب من أن تجلب ما يسمى "البتاع" ،ولكنها أحيانا تحدث

ولكنه بعد قليل يستيقظ ،فيتذكر أمي ،فيذهب للباب ،ويظل يبكي ،وبعدها يأتي الي وكأنه يترجاني أن أفتح الباب له ،وينظر إلي بحزن وشفتاه كلا منهما منقلبة بشكل يوحي إلي أني السبب في منعه من أمه وأني يجب أن أفتح له الباب لأنه بكل بساطه سيذهب إليها

وهذا ما جعلني مرة وأنا أنظر إليه لا أعلم ماذا أفعل له أتذكر أطفال غزة

أن تنسي والدتك أصعب من أن تفقدها وتصبح يتيما

الأطفال في غزة لطالما شعرتُ أنهم كُتِب عليهم شيئان :إما أن يُفقد وإما أن يَفقد

وتخيل معي إذا شاء الله أن يستيقظ يوما فلا يجد هذا الطفل أمه أو أباه ،هل سيجري مثل أخي علي باب الشقة؟ أم أنه في الأساس هو في خيمة بدون باب؟

بل بالتأكيد العمارة السكنية كلها قد قصفت ،سوف تقول لي لا يهم ،أهم شىء يجد أمه وأباه

لكن أمر أن يجدهم مستحيل .... فإسرائيل لا تقصف مدنيين

فلهذا ذلك الطفل سوف يستيقظ قائلا أين ماما؟ أين بابا؟

صعب أن أُفَهمك يا طفلي أنك يتيم ،يقتلني صراخك حسرةً لفقدك حضن الأم ،ولكن صراخك لن يكف إلا إذا علمت

الطفل الذي أَخْتصه بكلامي اليوم من لم يكمل الثلاث سنوات

ذلك الطفل الذي سريعا ما نادى "أمي" ،وذلك الطفل الذي سينام من ألم قلبه عقب إستنزاف صحته فيستيقظ ناسيًا أمه

هذا الطفل سيظل حزينا لوقت ما بسبب إفتقاده لأمه وسيكبر وبداخله شىء ناقص

هذا الطفل سينسي أمه تماما ،لقد عاقبته إسرائيل علي ميلاده في منطقة جغرافية محظورة علي المقاوم ،وكل فلسطيني مقاوم

لم يقتل العدو فقط والديه بل قتلت كل ذكري عنهم بداخله أيضًا

فمن المستحيل أن يظل ذاك الطفل ذو العام ونصف (عمر أخي) متذكرًا أمه وعائلته التي إستشهدت ،فقد صبحت كل ذكرياتهم غريقة في غياهب الچچچجب

أشعر بالحزن والأمومة مختلطان عندما أري ذاك الطفل الجالس بعيدا وحيدا

طفل غزاوي يبكي متألما بمفرده

وذاك الطفل الذي لا يفرق بين الموج والدجاج الخائف من قشر الموز ،لطالما أحب الأطفال الموز ،سهل الأكل ،حلو المذاق ،وليس بحامضي

طفل لأول مرة يتذوق الموز

وذاك الطفل ذو الجسم والوجه الملتهب الملىء بالحبوب من الحر أو ذو العضم الملتصق باللحم من الجوع

طفله تصاب بشىء أشبه بالطفح الجلدي بسبب الظروف الغير آدمية في غزة

وذاك وذاك وذاك ،قصص كثيرة

أتمني من كل قلبي أن يصل لك جزء من ما أشعر حيال النظر لأطفال غزة

تسنيم محمد

تسنيم محمد

كاتبة

منذ السابع من أكتوبر أحاول فهم ما يجول في عقلي ،وتحويله لكلمات أظن أنها تستطيع التأثير ولو بمقدار 1% ... وأسعي لهذا أتمني أن تعجبكم كتاباتي

اقرأ ايضاّ