من المنفى .. جولة في أضحية الزمن المثقوب _________________


- إن النُّظُمَ الحياتية التي تَخُصُّ القَضايا المجتمعيةَ، المتمثلةَ بالخضوعِ والسيطرةِ في السُّلطةِ، والسقوطِ والتجددِ في الاصطلاحِ، والرَّغبةِ ونقيضِها ما بينَ هذا وذاك، تَتعقَّدُ أكثرَ فأكثرَ؛ نظرًا لِفَرْطِ الرهابِ الفكريِّ المنبثقِ مِن روحِ النشاطِ الحسِّي في هواجسِ الفردِ البشريِّ. في إِحْدَى ضَوَاحِي الزَّمَنِ الْمَثْقُوبِ فِي الرُّكْنِ الْأَخِيرِ من الْمَنْفِى حَوْلَ بَرْدَى الْمَرِيضِ. وَعَلَى امْتِدَادِ أَذْرُعِهِ مِنْ أَوَّلِ السُّيُوفِ الدِّمَشْقِيَّةِ الرَّصِينَةِ إِلَى أَقَاصِي الْفُرَاتِ حَيْثُ بِلَادُ الْخَلِيفَةِ وَالتَّابِعِينَ .. تَعِيشُ مَا تُسَمَّى "مُجْتَمَعَاتُنَا حَالَةً من الفَوْضَى الهِسْتِيرِيَّةِ فِي الْقَضَايَا الْحَيَاتِيَّةِ على الصعيد الِاجْتِمَاعِيِّ وَالْمَعِيشِيِّ وَالتَّرْبَوِيِّ وَالسِّيَاسِيِّ التِّجَارِيِّ الَّذِي تَمَّ رَبْطُهُ بِشَكْلٍ مَدْرُوسٍ بِنِظَامٍ اجْتِمَاعِيٍّ جِنْسِيٍّ عَلَى أَعْلَى مُسْتَوَى مِنَ الْقَذَارَةِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ فَيْرُوسُ الرُّهَابِ الْحَيَاتِيِّ الَّذِي يَضْرِبُ النَّفْسَ الْبَشَرِيَّةَ فِي مَقْتَلٍ وَيُشَلُّ التَّطَوُّرَ الْعَقْلِيَّ لِلْفَرْدِ لِأَنَّه نِتَاجٌ لِلْعُهْرِ الْأَخْلَاقِيِّ وَالْمِهْنِيِّ فِي شَتَّى الْقَضَايَا الْمَعِيشِيَّةِ فإذا قرأنا واقعَ الحال بشكلٍ عاموديٍّ، نجدُ الكثيرَ من العناوين الدالة على استمرارية الانحدار الحياتيِّ، وأبرزُها:
الإرهابُ والتنميةُ البشريةُ:
المؤسسات الخيرية وجمعيات التنمية هي في الحقيقة مؤسساتٌ تجاريةٌ مرتبطةٌ بالسلطة التجارية الحاكمة، وبغطاءٍ إرهابيٍّ علنيٍّ. فعلى الأرض لا تقدمُ أيَّ خدمةٍ للنهوضِ بالمجتمعات؛ فأساسُ عملها هو تخزينُ المعوناتِ وبيعُها والتجارةُ في العملة الأجنبية، والمتاجرةُ برواتب موظفيها القادمةِ من الخارج على اسم هذه المنظمة أو تلك . وكوادرُ هذه المنظمات الفاعلون على الأرض أدواتٌ ذاتُ مستوى ثقافيٍّ واجتماعيٍّ متدنٍّ، لا يوجدُ لديهم خلفيةٌ ثقافيةٌ مبتكرةٌ؛ يعتمدون على الأفكار الجاهزة، ومصدرُ أفكارهم "غوغل". يقومون بتنظيمِ الجلسات الخاصة بالأطفال أو النساء المغلوبِ على أمرهنَّ، ولا ترتقي الجلساتُ إلى أن تُسمى ندوةً. نحنُ لدينا أطفالٌ دون العشر سنواتٍ يتحدثون بلغةٍ طائفيةٍ عمرُها ألفُ عامٍ! يستدعي هذا أن نسأل: أين جمعياتُ الإغاثةِ والمنظماتُ التنمويةُ؟ بلادٌ فيها المئاتُ من هذه المنظمات، وشعبُها يغزوه الجهلُ والفقرُ والانحدارُ الأخلاقيُّ والفكريُّ! أيْ أنَّ الفردَ يتعلمُ رفضَ الآخرِ وشتمَه قبل أن يتعلمَ الأحرفَ الأبجديةَ. بالمقابل، ترى مديرَ منظمةٍ ما ابنُه يتلقى التعليمَ في الخارج، وهو يمتلكُ سيارةً تحتاجُ يوميًا إلى ما يقاربُ 50$ (وقودًا فقط)، وعلبةُ السجائرِ يوميًا ثمنُها 5 دولاراتٍ. لو جمعنا ما يصرفُه في اليوم، لكان هذا المبلغُ يكفي ليعالجَ مئةِ شخصٍ من الفقراء شهريًا، أو يُطعمَ عائلتين منكوبتين لمدةِ شهرٍ.
استغلالُ الشذوذ النفسيِّ والسلوكِ الجنسيِّ للمرتكسينَ على اختلاف أهدافهم الجنسية:
يَقُومُ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ نُفُوذًا فِي السُّلْطَةِ التِّجَارِيَّةِ الْحَاكِمَةِ بِفَتْحِ متجر ما وَتَتِمّ ادارته بِالطَّرِيقَةِ التَّالِيَةِ: يجب ان يكون الْمَتْجَرُ مَكْشُوفًا بِحَيْثُ تَكُونُ الْبَائِعَةُ ظَاهِرَةً بِشَكْلٍ وَاضِحٍ لِلْمَارَّةِ فِي الطَّرِيقِ . اِسْتِقْطَابُ (بَنَاتٍ) لِلْعَمَلِ دَاخِلَ الْمَتْجَرِ دُونَ مراعاة أَزْمَةَ البطَالَةٍ وَالفَقْرٍ ، لَا يَتِمُّ اخْتِيَارُ الْأُنْثَى حَسَبِ كَفَاءَتِهَا بَلْ حَسَبَ قُدْرَتِهَا عَلَى إِظْهَارِ سلوكياتها الْجِنْسِيَّةِ ، وَتَخْتَلِفُ هَذِهِ الظَّوَاهِر ُ حَسَبَ مُيُولِهَا الْجِنْسِيَّةِ إِمَّا خَاضِعَةً أَوْ سَادِيَّةً بُغْيَةَ اِسْتِقْطَابِ شَرِيحَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الزَّبَائِنِ وَبَلْعِ السُّوقِ بِدُونِ ضَوَابِطَ أَخْلَاقِيَّةٍ فتبدأ بقِيَادَةُ الْقَطِيعِ عَنْ طَرِيقِ الْغَرَائِزِ الْجِنْسِيَّةِ وَاسْتِغْلَالُ الشُّذُوذِ النَّفْسِيِّ كَأَنْ أَقُولَ: اِمْرَأَةٌ جَالِسَةٌ بِكَامِلِ عُرْيِهَا عَلَى كُرْسِيِّهَا الْمُدَوَّرِ، ، صَدْرُهَا مُنْتَصِبٌ عَلَيْهِ وَشْمٌ يَزِيدُ بَرِيقُهُ أَلَقًا، عِطْرُهَا أَسِرٌ، شفاهُها مكوّزة ، عَيْنَاهَا حَادَّتَيْنِ تَرْمِي العابرين بِسِهَامِهَا الصَّمَّاءِ !. يَتَّجِهُ نَحْوَهَا كَائِنٌ مَا تَبِيعُهُ مَا تُرِيدُ وَبِالسِّعْرِ الَّذِي تُرِيدُ ، وَإِذَا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ وصَاحِبُ سَيَّارَةٍ فَارِهَةٍ وَ مَزْرَعَةٍ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُخْمَلِيِّ قَدَّمَتْ لَهُ مَا لَذَّ وَطَابَ، وإِذَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَتَمَنَّعَتْ بِإِيحَاءَاتٍ جِنْسِيَّةٍ تَدْخُلُ الْوَعْيَ الْبَشَرِيَّ فِي غَيْبُوبَةٍ، فَمَنْ رَاحَ يَحْتَسِي الْخَمْرَ عَادَ لَهَا ثَمِلًا ذَلِيلًا، وَمَنْ تَنَاوَلَ الْمُخَدِّرَاتِ عَادَ بِالسِّلَاحِ وَأَطْلَقَ النَّارَ عَلَى السَّمَاءِ الَّتِي وَلَدَتْهُ! مَنْ عَادَ مَكْسُورًا يَبْكِي نَفْسَهُ وَقَلْبُهُ يَسْكُنُهُ الرُّهَابُ.. أَوْ تَرَى طِفْلًا ضَعِيفَ الْبُنْيَةِ تُعَايِنُ زُرْقَةَ جِلْدِهِ مِنْ شُقُوقِ ثِيَابِهِ يدور حول ظلها وهي جَالِسَةٍ عَلَى حَافَةِ الْمَحَلِّ الضَّوْءُ الْبَاهِرُ عَلَى قَدَمَيْهَا الْمَكْشُوفَتَيْنِ لِلرِّيحِ تَرْمِيهِ بِنَظْرَةِ اِمْتِهَانٍ قَاصِدَةً اِسْتِجْرَارَهُ يُقَابِلُهَا بِنَظَرَاتٍ فِيهَا الْكَثِيرُ مِنَ الرُّضُوخِ تقصيه فيدنو راكعا تحت قدميها مندثرا في ظُلُمَاتِهَا الْخَانِقَةِ .
غيابُ الأنظمة السياسية:
ماذا يعني رجلٌ يعملُ في السياسة؟ ماذا يقدِّمُ للإنسان؟ وراءَ كلِّ مكتبٍ في دوائر السلطةِ لصٌّ، وخلفَ كلِّ حائطٍ لتلك الدائرةِ دبابةٌ ، وعلى كلِّ رصيفٍ نَجِى .. قاتلٌ وضحيةٌ. نحنُ نعيشُ تحت ظلِّ دولةٍ تُدارُ بالبلاغاتِ والأوامرِ، وليس بالأنظمةِ والقوانين. ولا يوجدُ نظامٌ سياسيٌّ حقيقيٌّ يعملُ على رفعِ مستوى الفردِ الفكريِّ والمعيشيِّ والثقافيِّ والاجتماعيِّ؛ فلا توجدُ أيُّ مؤسسةٍ تنمويةٍ تربويةٍ ليكونَ هناك رجلُ سياسةٍ واحدٌ. نحن لدينا عصبيّةٌ سياسيةٌ، لدينا تجارٌ يعبدون المالَ، يُذلُّون الضعيفَ ولا يحمونه. فإذا كانت مهمةُ رجلِ السياسةِ هي الارتقاءُ بأبناءِ وطنِه والعملُ على تحقيقِ أهدافٍ ساميةٍ تتعلقُ بالحالةِ الإنسانيةِ لِأوضاعِ الناسِ... فأين هم السياسيونَ وأحزابُهم بأنظمتِها الداخليةِ من هذا كله؟
غيابُ المؤسسات المجتمعيّة ومؤسساتِ العدالةِ القضائيةِ:
نحنُ لا نملكُ مجتمعاتٍ... الفوارقُ الطبقيةُ في المجتمع الواحدِ تجعلُ منا مجموعاتٍ تمتلكُ الواجباتِ نفسَها، وليس لديها الحقوقُ نفسُها. نحنُ عبارةٌ عن تراكماتٍ قبليةٍ منتشرةٍ هنا وهناك، تربطُها ببعضِها سلطةٌ مغتصبةٌ قائمةٌ على العصبيّةِ الدينيةِ. والمصدرُ الثقافيُّ للسلطاتِ الحاكمةِ هو مرجعٌ فقهيٌّ عشائريٌّ موروثٌ ... كأن أقول: "إنَّ السلطةَ القضائيةَ ، والسلطاتِ الأمنيةَ، والمؤسساتِ التربويةَ ، يجبُ أن يكونَ مرجعُها الأولُ قانونيًّا إنسانيًّا، مستوحًى من القيمِ الثلاثِ الأسمى: الخيرُ، والحقُ، والجمالُ. هذه القيمُ التي نادى بها الكائنُ العاقلُ على مر العصور مثل المتدينُ القديمُ، والمتصوفُ، والعلمانيُّ، والسرياليُّ... فوجبَ علينا أنْ نُأنسِّنَ علاقةَ هذه التجمُّعاتِ ببعضِها عن طريقِ أنسنةِ القانونِ؛ بمعنى أنسنةِ علاقةِ السلطةِ بالفردِ بوصفِه مواطنًا دونَ النظرِ لاختلافِه العرقيِّ أو انتمائِه الفكريِّ أو الدينيِّ، وليس تحقيرَه وترهيبَه بقوانينَ وأحكامٍ أساسُها العنفُ الموروثُ من الماضي... لأنَّ غايةَ الإنسانِ من الوجودِ هي النموُّ والارتقاءُ والتطورُ، وليس الاتصالُ المستمرُّ مع الماضي الذي يُعَرقِلُ سيرَ الأممِ نحوَ الأفضلِ. و وجَبَ بالمقابل أن نبقى على تواصلٍ مع حضارتِنا الأدبيةِ القديمةِ، حتى ننهضَ بتراثِنا بقيمتِه الجماليةِ وأهميتِه التاريخيةِ في بناءِ الغدِ الأكثرِ سلامًا وعلمًا وأدبًا. وأنْ نُجدِّدَ هويتَنا، ونبتكرَ، ونحبَّ. لا نقتلُ، ونكفِّرُ، ونقصي. فعلى رائحةِ الدمِ لا تُبنى محكمةٌ، ولا تُشادُ للعدلِ إمارةٌ.