مقاطع الفيديو القصيرة: أداة إبداعية أم وسيلة إدمان؟

آية  محمد توفيق
كاتبة مقالات ومترجمة
آخر تحديث:
وقت القراءة: دقائق
لا توجد تعليقات

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق

تسجيل الدخول

في عصر البيانات الضخمة، زاد الإقبال على مقاطع الفيديو القصيرة وانتشرت انتشارًا ساحقًا في الآونة الأخيرة، وبات العديد من الأفراد يقضون ساعات طويلة في مشاهدة الفيديو تلو الآخر دون كلل أو ملل. لدرجة أننا أصبحنا نتجاهل فيديو مدته 10 دقائق مثلاً بسبب ضيق الوقت، ولكن في الوقت ذاته نقضي وقتًا أطول من ذلك أمام عدد هائل من مقاطع الفيديو التي لا تتجاوز 30 ثانية. فضلاً عن استخدام هذه الفيديوهات في عملية صناعة المحتوى كوسيلة ناجحة للترويج للمنتجات والخدمات المختلفة. فما هي قصة هذه الفيديوهات؟

مقاطع الفيديو القصيرة: أداة إبداعية أم وسيلة إدمان؟

سر انتشار مقاطع الفيديو القصيرة

تيك توك الشرارة الأولى للفيديوهات القصيرة! منذ أن انطلق تطبيق تيك توك في عام 2017 حقق أرباحًا خيالية بسبب ملايين الأشخاص الذين يستخدمون التطبيق لمشاهدة وإنشاء مقاطع الفيديو القصيرة. وكان الغرض الأساسي من هذه المقاطع تسلية الجمهور وتخفيف الضغوط عنهم ومنحهم شعور جيد.

عندما نجحت تجربة تيك توك في جذب أعداد كبيرة من الجمهور لجأت المنصات المنافسة في إنشاء فيديوهات مشابهة لتحقيق أرباح هائلة. ومن هنا أصبحت هذه الفيديوهات أداة مهمة للترويج للعلامات التجارية والشركات وإنشاء علاقة إيجابية مع عملائهم والتواصل معهم.

ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، إن الهدف الأساسي لمواقع التواصل الاجتماعي هو كسب المال، فما هي في النهاية إلا مشاريع تستخدم استراتيجيات معينة لبيع بيانات المستخدم إلى الشركات لتسويق أعمالها لهم من خلال الخوارزميات التي تتبع سلوك المستخدم لتخصيص إعلانات وخدمات ملائمة له. وبسبب التنافس الشديد لمنصات السوشيال ميديا انتشرت هذه الفيديوهات لزيادة عدد المتابعين في كل منصة.

لماذا ننجذب إلى هذا النوع من المحتوى؟

هذه الأداة البسيطة سمحت للأشخاص العاديين أن يعبروا عن أنفسهم وآرائهم ويظهروا شخصياتهم من خلال فيديو بسيط، وهناك أيضًا عوامل أخرى أدت إلى ازدهار هذه المقاطع وانتشارها في جميع المنصات

الخوارزميات

هل فكرت يومًا ما المقابل الذي تدفعه لهذا المحتوى المجاني ولماذا تسعى كل المنصات إلى جذب انتباهك إلى هذا الحد؟

تقوم الخوارزميات بدور بارز في جذب المستهلكين إلى المنصات المختلفة. عند التسجيل في أي تطبيق من تطبيقات السوشيال ميديا تجد محتوى متنوع غير مخصص، ولكن ما إن تبدأ في التفاعل مع المحتوى المقدم يفهم التطبيق أنواع المحتوى التي تفضلها ويعرض لك المزيد منها. فكلما قضيت وقتا أكبر في مشاهدة هذه الفيديوهات زادت أرباح المنصات. وبهذه الطريقة أصبح وقت الجمهور يُترجم إلى أموال والسر في الخوارزميات التي تسعى لجذب انتباهك بأي طريقة ممكنة لتجميع بياناتك.

الخوارزمياتالخوارزميات

وأظهرت دراسة على تطبيق دوين - التطبيق المقابل لتطبيق تيك توك في الصين - أنه عندما يشاهد الأشخاص محتوى مخصص لهم تنشط مراكز المكافأة في المخ كما هو الحال في المناطق المرتبطة بالإدمان ولا تنشط هذه المناطق عند مشاهدة فيديوهات عامة.

البحث عن السعادة

إن إدمان أي شئ قد يكون علامة على مشكلة نفسية أو عاطفية والحاجة إلى الشعور بالحب أو الاهتمام، فقد تكون مشاهدة هذه الفيديوهات مسكن للآلام والصدمات النفسية ووسيلة للهروب من الواقع.

وبما أن معظم محتوى الفيديوهات القصيرة هو التسلية والمتعة فمن الطبيعي أن ترتفع معدلات هرمون السعادة. فيقول بعض متابعين التيك توك أنهم عندما يرون فيديوهات للأطفال أو الحيوانات الأليفة ترتفع مادة السيروتونين ويشعرون بالسرور. ولم يقتصر الأمر على مادة السيروتونين المسببة للسعادة بل تدخل أيضًا مادة الدوبامين التي تؤثر تأثيرًا كبيرًا على نظام المكافأة والإدمان في الدماغ.

محتوى موجز وبسيط

من أهم العوامل التي أدت إلى شيوع هذا النوع من المحتوى هو مدته القصيرة. إذ يتراوح طوله في العموم بين 15 إلى 30 ثانية وأحيانًا يصل إلى دقيقة. ففي عصر السرعة أصبح شغل الناس الشاغل هو البحث عن الملخص أو كما نقول "الزتونة"، ففكرة البحث عن المعلومة أو الصبر على قراءة مقال طويل أو مشاهدة فيديو أصبحت نادرة. وتتميز هذه الفيديوهات بمحتوى سهل وسلس لا يتجاوز الدقيقة الواحدة ليلبي احتياجات الفرد الترفيهية!

محتوى جذاب وبسيطمحتوى جذاب وبسيط

في أوائل 2022عام في محاولة من منصة تيك توك أن تطول مدة الفيديو إلى 10 دقائق كنوع من التنويع في إعلاناتها، كان للمسوّقين رأي آخر حيث أدركوا أن مقاطع الفيديو القصيرة أكثر أنواع المحتوى جاذبية بالنسبة للشباب والمراهقين. لذلك قررت تيك توك أن يكون أقصى وقت للفيديوهات بين 21 و34 ثانية.

ما هي اضرار الفيديوهات القصيرة؟

على الرغم من وجود بعض الفوائد من مشاهدة الفيديوهات القصيرة المميزة، لكن الاستخدام المفرط لها أدى إلى مخاوف متزايدة بشأن العواقب السلبية المحتملة، حيث يواجه بعض الشباب والأطفال مشاكل ناجمة عن استخدام هذه التقنية والتي من بينها:

انعدام التركيز

تؤثر مقاطع الفيديو القصيرة على الذاكرة قصيرة الأمد، وقد ذكر بعض محبي التيك توك أنهم لم يعد باستطاعتهم التركيز على مقاطع الفيديو الطويلة، وصرح 50% منهم أن هذه الفيديوهات تشعرهم بالتوتر. إذ تساعد طبيعة الفيديوهات السريعة في تقليل مدى الانتباه لأننا نشاهد مقطع تلو الآخر بسرعة ونتجاهل أي مقطع يتحدث فيه شخص ببطء وهذا يجعل تركيزنا أسوأ مما هو عليه بالفعل. وقد تضر هذه الفيديوهات الأطفال الذين ما زالت أدمغتهم في طور النمو لأن الأطفال عادة ما يواجهون صعوبة في ضبط المشتتات والحفاظ على تركيزهم.

إدمان المقاطع القصيرة

وجد الباحثون أن مادة الدوبامين التي تفرز عند تعاطي المخدرات تكون موجودة في مراكز المكافأة بكميات كبيرة عند مشاهدة الفيديوهات القصيرة على تيك توك. ولكن بعد مشاهدة مقاطع الفيديو هذه تقل معدلات الدوبامين في الدماغ فيلجأ الشخص إلى مشاهدة المزيد من هذه الفيديوهات لإنتاج الدوبامين، وعند إطلاق كميات كبيرة من الدوبامين يتعرف الدماغ على هذا النشاط كنشاط مكافئ ويحث على تكراره، وفي حالة نقص الدوبامين يعاني الشخص من أعراض الاكتئاب والقلق ويتحول الأمر إلى إدمان.

كما تسببت مشكلة الإفراط في استخدام الإنترنت بين الشباب الصيني في اقتراح الحكومة سلسلة من سياسات الرقابة لمراقبة العادات الضارة في استخدام التطبيقات عبر الإنترنت. وبالإضافة إلى ذلك، أصبح إدمان الشباب على مقاطع الفيديو القصيرة مصدر قلق كبير للخبراء في التعليم والجمهور بشكل عام، مما يدل على أن إدمان الفيديوهات القصيرة لا يزال موضوعًا للبحث والدراسة.

الإنجاز الفوري

تقوم مقاطع الفيديو القصيرة ببرمجة عقولنا للحصول على نتائج فورية، فكل 30 ثانية ينتظرنا محتوى بمعلومات جديدة وإنجاز جديد. فما يحدث لنا هو أننا تأقلمنا على أن كل شيء يحدث بسرعة في 30 ثانية فقط، فعند الشروع في عمل أو دراسة أو شيء جديد نفقد صبرنا ونريد أن نحقق إنجازات سريعة، لأن أدمغتنا مبرمجة على هذا الأساس. فعندما يبدأ الطالب في مذاكرة دروسه، بعد قراءة صفحتين فقط يحدثه عقله أن يغير الكتاب الذي يقرأه لأنه اعتاد على النتيجة الفورية أو تغيير المحتوى بأكمله.

إهمال القراءة

تستوعب أدمغتنا المعلومات المرئية أسهل من المقروءة، ولعل هذا هو سبب تفوق مقاطع الفيديو على المعلومات النصية. وتعد منصة تيك توك هي الأكثر ضررًا على صقل مهارات القراءة خاصة عند الأطفال لأن المنصة لا تحتوي على أي نص مكتوب. ولا يمكن إلقاء اللوم على تيك توك فقط حيث بدأت جميع منصات التواصل الاجتماعي المعروفة في نسخ ميزات تيك توك لجذب الجماهير الأصغر سنًا بمحتوى فيديو جذاب. حيث قدمت منصة يوتيوب shorts، وزادت إنستجرام من Reels، وكلها تهدف إلى استنساخ تجربة تيك توك والبقاء على صلة بالجمهور.

انحراف السلوك

تشكل هذه المقاطع خطورة كبيرة على الأطفال والمراهقين بسبب وجود العديد من الفيديوهات غير الملائمة، الأمر الذي يؤدي إلى تبلد مشاعرهم أو التقليد الأعمى لما يرونه. بالإضافة إلى أن التعرض باستمرار لمشاهدة حياة الآخرين يمكن أن يخلق توقعات غير واقعية ويعزز مشاعر عدم الكفاءة ويشجع أيضًا على فقدان احترام الذات. وقد تؤدي الرغبة للفت الانتباه إلى إنشاء محتوى تافه وسطحي لتحقيق الشهرة فقط دون وجود عمق أو جوهر لجذب الانتباه.

حلول عملية لمعالجة المشكلة

من السهل أن تفقد الإحساس بالوقت أثناء تصفح الفيديوهات القصيرة لذلك لا بد من السيطرة على هذه العادة ببعض الأنشطة البسيطة، مثل:

1- صوم الدوبامين

يقترح بعض الخبراء اللجوء إلى صوم الدوبامين بدلاً من الانقطاع التام عن مشاهدة هذه الفيديوهات. حدد وقتًا لغلق وسائل التواصل الاجتماعي خلال اليوم، وابدأ بعمل أي شيء آخر بعيدًا عن الهاتف ثم بعد انتهاء المدة المحددة يمكنك العودة إلى هاتفك. ستساعدك هذه الطريقة في السيطرة على السلوكيات الاندفاعية التي تزيد من فرص وصولك إلى الهاتف المحمول.

2- بناء عادات جديدة

يلجأ الناس في البداية إلى مواقع التواصل بدافع الملل والفضول إلى أن يتحول الأمر إلى عادة سيئة أو إدمان. وأفضل طريقة للتخلص من العادات السيئة هي أن تزاحمها بعادات أخرى جيدة تنمي من مهاراتك وتشغل وقتك. فكر في الهوايات والأشياء التي تحبها ولا تجد لها وقت وحاول أن تكرس وقتك لها بدلاً من الانشغال بمقاطع الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي. وتذكر أن بناء العادات أصعب من هدمها فلا بد من التحلي بالصبر.

3- ممارسة التمارين

تعد التمارين الرياضية وسيلة رائعة للتغلب على الرغبة في مشاهدة مقاطع فيديو سريعة لأنها تحسن المزاج وتساعدك على التخلص من الملل والقلق والتوتر. إذ إنها تبعد عقلك عن التفكير في الأفكار السلبية وتقلل هرمونات التوتر مثل الكوليسترول والأدرينالين وتطلق هرمونات السعادة مثل هرمون الإندروفين. وينصح الخبراء بممارسة التمارين لمدة 150 دقيقة أسبوعيًا لتحسين الصحة النفسية والجسدية.

باختصار، يُعد انتشار مقاطع الفيديو القصيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أبرز الظواهر الحديثة في عالم الإنترنت، والتي تتيح فرصة للمستخدمين لإنتاج ومشاركة المحتوى بشكل سهل وبسيط. ومع ذلك، فإن استخدام هذه المقاطع بشكل مفرط وغير مسؤول يمكن أن يؤدي إلى أضرار جسيمة على الفرد وعلى المجتمع بشكل عام، مثل الإدمان عليها وانحراف الأفكار والسلوكيات، وتقليل الانتباه والتركيز والإنتاجية. ولذلك، يجب على الأفراد والمجتمعات اتخاذ الإجراءات اللازمة لتقليل استخدام هذه المقاطع وتعزيز وعي الجميع بالآثار السلبية المحتملة لها على الصحة النفسية والعقلية.

المراجع:

آية  محمد توفيق

آية محمد توفيق

كاتبة مقالات ومترجمة

منذ صغري أرى الحروف تتلألأ على الورق مثلما تتلألأ النجوم في السماء، أهوى اللغات وأعشق الكتابة، ففي الكتابة أجد نفسي في عوالم مختلفة وعندما أمسك بالقلم أشعر أنني أتحكم بمجرى حياتي.

تصفح صفحة الكاتب

اقرأ ايضاّ