ما هو الوعي بالذات وأهم استراتيجيات تطويره وأهميته وتمارينه
أن تكون الحكم على نفسك أمرٌ مذهل جدًا لا محالة! فإنك تقدر على تحديد نقاط ضعفك وعيوبك ومعالجتها بأفضل ما يمكن دون تدخلات خارجية، كما أنك تكشف الستار عن مواطن قوتك وتبذل جهودك الجبارة في تطويرها وأخذها نحو العلياء، فأنت سيد وحكم نفسك، كما يساعدك ذلك بأن ترى نفسك في عيون من حولك على الصعيد المهني والعلمي والشخصي على حدِ سواء.
لذلك فأن بحاجةٍ ماسة لأن تكون موضوعيًا وصادقًا في الحكم على نفسك واتخاذ القرار في تقويم ذاتك حتى ترتقي بها وتطورها فعلًا، فإن التهاون مع النفس يلقي بك في الهاوية، لا تطلق لها العنان بالتمادي بنقاط الضعف ولا تطمح بنقاط قوتك فتقف عندها، بل أنت بحاجة لأن تكون واعيًا ذاتيًا حتى تتعامل معها بمنتهى الاحترافية لتكون شخص جيد على الأقل.
مفهوم الوعي بالذات أو الوعي بالنفس Self-awareness
الوعي بالذات Self-awareness مصطلح فلسفي بحت يستدل به على توظيف ملكة الرقابة الذاتية على نفسك؛ بحيث تقيم وتراقب وتنظر لأفكارك كأنها منفصلة عنك تمامًا، أي أن نفسك شخص أمامك وأنت المفكر في تقييم سلوكه؛ لذلك يجب أن تتحلى بالمصداقية والموضوعية والعدل والحيادية المطلقة.
قف للحظة وامنع نفسك من العمل بحرية مطلقة وممارسة ما يحلو لها، بل ألقي عليها الأوامر بالالتزام والتقيد بما يجب فعلًا وليس بما ترغب به؛ بذلك تكون قد بلغت مرحلة "تقييم الذات self-evaluation." التي عبّر عنها وجاء بها دوفال وويكلاند Duval and Wicklund عام 1972م.
فإن الوعي الذاتي يعني أن تحكم على سلوكياتك وتصرفاتك وإنجازاتك فيما إذا كانت "كما ينبغي" وتناسب المعايير والقيم الرائجة وليست كما تمليه عليك نفسك، لذلك يجب الحكم اعتمادًا على معايير معينة لتكون الفيصل في مدى صحة الأفكار والسلوكيات، فإنها بالتالي تساعد على ضبط النفس، وتقييم اختياراتك وقرارات.
فإذا كنت فعلًا تطمح إلى بلوغ السعادة والاستقرار النفسي والمهني وأي مسار تمضي به؛ فإنك بحاجة ماسة لتقييم ذاتك والوعي بها للخروج بأفضل نسخة من نفسك، أي أن قائد نفسك وموجهها قبل أن يتدخل غيرك بها، لذلك تصبح ذو نظرة ثاقبة وحكمًا على تصرفاتك، وأكثر تأثيرًا، وما يؤكد ذلك أن قاموس أكسفورد Oxford Language قد أشار إلى الوعي الذاتي بأنه المعرفة الواعية لشخصية الفرد ومشاعره ودوافعه ورغباته.
في أبحاث متعمقة قامت بها مجموعة يوريتش The Eurich group حول طبيعة الوعي الذاتي؛ فقد كشفت وتوصلت إلى أنه عند إمعان النظر على داخل النفس البشرية؛ فإننا بذلك نتمكن من تقييم أفكارنا ومشاعرنا وسلوكياتنا بدقة متناهية، حيث نتمكن من توضيح نقاط قوتنا وضعفنا على حدِ سواء.
كما نتمكن من معرفة مدى تأثيرنا على المحيط، لذلك فقد كشفت الأبحاث بأن الأشخاص الذين يتمتعون بالوعي الذاتي أكثر سعادة واستقرار نفسي من غيرهم، إضافة لدورهم في السيطرة الشخصية والاجتماعية، ليس ذلك فحسب؛ بل أنهم ذو رضا وظيفي أعلى.
استراتيجيات فعالة في تطوير الوعي بالذات
إليك أهم الطرق والاستراتيجيات الفعالة في تحفيز الوعي الذاتي لديك:
1. التأمل Meditation
يعتبر التأمل من الأنشطة الذهنية والممارسات العقلية التي يمكنها مساعدتك على تحليل ذاتك بشكل ملحوظ، حيث تبدد عنك التوتر والقلق تمامًا، وتعزز الإيجابية والحماس أكثر؛ ما يجعلك تراقب نفسك عن قُرب برصد الأخطاء والإيجابيات والتعامل معها كما يجب، إذ يعرف أن التأمل يعزز قدرتك على التركز على الهدف ورفع مستوى الوعي أكثر.
كما أن التأمل يساعد في صفاء الذهن وهدوئه، بالتالي فتح المجال لطرح العديد من التساؤلات على نفسك "ما هي أهدافي؟" "ما طموحاتي التي أسعى لتحقيقها فعلًا؟"، وغيرها من التساؤلات، من هنا فإن التأمل المنتظم من أفضل استراتيجيات تعزيز الوعي الذاتي.
2. تدوين الأهداف واليوميات
بعد أن أصبحت أمورك واضحة المعالم بعد أن أمعنت التأمل وتعرفت فعليًا على أهدافك وطموحاتك؛ استغل الفرصة في تدوينها وتحليلها ومناقشتها مع نفسك، وتحديدًا إذا كنت من الأشخاص الذي يعانون من كثرة المهام والمسؤوليات، لذلك يوجه الخبراء لضرورة إنشاء قائمة تتضمن الأهداف والمسؤوليات طويلة المدى حتى توجه طاقاتك وتتمكن من تركيزها أكثر.
ليس ذلك فحسب؛ بل إن تدوين الأهداف واليوميات يمنحك مراقبة للتفاصيل وإعادة النظر بها، فإنك حتمًا ستكون أكثر وقوفًا على التفكير والتصرف بدقة، لتتخذ الطريقة العلاجية الأنسب في حال الحاجة لذلك، وأيضًا تطوير وترسيخ المهارات والتصرفات والأفكار الإيجابية.
كما أن تدوين اليوميات يجعلك أكثر تدقيقًا بتفاصيل حياتك الخاصة والعامة، لذلك اطرح على نفسك العديد من التساؤلات من بينها:
- ما الأشياء الجيدة والإيجابية التي فعلتها اليوم؟
- ما المصاعب والتحديات التي واجهتني اليوم؟
- ما شعور تجاه ذلك الموقف؟ ولماذا شعرت بهذه الطريقة؟
- كيف كانت ردة فعلي تجاه الموقف؟ وهل تتشابه مع ردود أفعالي مع المواقف ذاتها في الماضي؟
- ما الأشياء الإيجابية التي حققتها حتى أحافظ على تركيزي وتطوير نفسي؟
3. معرفة وجهة نظر ومدى إدراك الآخرين لأفعالك
إن زيادة الوعي بالذات لا يقتصر فقط على مراقبة نفسك بنفسك أبدًا، بل أنك بحاجةٍ ماسة لتركيز أنظارك على ردود أفعال من حولك على أفعالك وتصرفاتك وأفكارك، ولا مانع من المقارنة مع إيمانك وقناعتك بها ومدى تقبل الآخر لها، بهذا البند تبدأ بالاهتمام بالوعي الذاتي اعتمادًا على العوامل الخارجية المحيطة بك والتعرف عليها فيما إذا كنت منتظمة أم لا.
4. تعزيز الوعي الذاتي بالعلاج المعرفي cognitive behavioral therapy
يمكن القول أيضًا بأنه العلاج بالكلام الذي من خلاله تهتم في تحسين جودة أنماط التفكير ومعالجتها لتصبح سوية، وتصويب وتقويم السلوكيات السلبية بعد فهم السر الذي دفعك للإيمان بها أو القيام بها، من هذا المنطلق فإن علاجها يصبح نابعًا من أعماقك لتتمكن من التأقلم مع المستجدات دون عودة للقديم.
5. مناقشة الأصدقاء الموثوق بهم
الصديق الصدوق هو المقصود هنا لمناقشته ومعرفة أهم التفاصيل حولك منه، لذلك يمكنك طرح الأسئلة حول سلوكك في الماضي وطريقة تعاملك مع بيئتك، لكن عندما تقدم على هذه الخطوة حتمًا ستكون مؤمنًا بتقبل التقييم بسعة صدر واعتباره نقدًا بناء وليس انتقادًا لاذعًا.
لذلك قيّم ردة فعل صديقك وانطباعه عن سلوكك سابقًا وحاضرًا وبناءً عليه ارسم أهدافك المستقبلية لتبدأ في تقويم سلوكك اعتمادًا على ما بلغته من الوعي الذاتي.
6. تدوين المذكرات
إذا استمريّت في تدوين مذكراتك والاحتفاظ بها أولًا بأول فإنك ستكون قادرًا بهذه الطريقة على تطوير الشعور بالوعي الذاتي لديك، إذ أنك مستقبلًا ستقف متأملًا ما قمت به سابقًا وستتعرف على ماكنت تؤمن به فعليًا من مشاعر وأفكار، وأيضًا القرارات التي اتخذتها ما يجعلك أكثر وضوحًا مع نفسك وتفكيرك.
كن صادقًا دومًا بالتعبير عن الأفكار والمشاعر خلال تدوينها حتى تتمكن من التعامل مع نفسك في تحديد نقاط الضعف والقوة، ما يجعلك على علم بكيفية التفاعل مع المشاعر والمواقف أكثر.
7. تصالح مع نفسك وتقبلها
الوعي بالذات لا يعني أن ترفض وتمقت نفسك أبدًا، بل يعني التصالح معها وتقبل مساوئها للتعاون معها وبدء إصلاحها كما يجب، وتقبل الجانب الإيجابي ونقاط القوة مع تطويرها أكثر لتكون نسخة أفضل من نفسك في كل وقتٍ وحين.
إن عدم قبول الذات يفرض عليك قيودًا وضغوطات نفسية إجمالًا ما يعود بالسلبية، لذلك أن تقتنع مثلًا بأنك شخص لا تستطيع التفاعل مع المجتمع طوال الوقت وتحتاج لوقت طويل لك، فإن ذلك ليس سلبيًا أبدًا، فقد تكون أكثر راحة مع ذلك، هنا يجب أن تتقبل الأمر لكن لا يعني الانفصال والعزلة تمامًا.
8. تطوير الذكاء العاطفي Emotional Intelligence
أن تكون ذكيًا عاطفيًا يعني أن تصبح أكثر وعيًا بذاتك، فإنهما يتلازمان دومًا، فإن الذكاء العاطفي يعني أن تتمكن من إدراك عواطفك وعواطف الآخرين تمامًا وبعمق، ما يعني أنك قادر على الاستجابة بعفالية مع هذه العواطف وتقديم أعلى مستوى من التعاطف والرحمة.
لا تحاول أن تكون مثاليًا فوق العادة؛ قد يكون الأمر مستحيلًا لكن كن صالحًا قدر الإمكان، فإن الذكاء العاطفي مهارة يمكن تعزيزها بالتعبير عن عواطفك بعدة طرق مثل ممارسة اليقظة الذهنية والتأمل والتواصل، بذلك ستصل إلى ما تسعى إليه من الوعي الذاتي.
9. ممارسة اليقظة الذهنية mindfulness
إذا رغبت بأن تصبح أكثر استشكافًا ومعرفة ودراية بتفاصيل ما يحدث في جسدك وعقلك وبيئتك، فإنك حتمًا بحاجة ماسة لليقظة الذهنية، حاول ألا تتخلى عنها يوميًا حتى تصبح متمكنًا من ضبط النفس والسيطرة عليها في مختلف المواقف؛ بالتالي تعزيز الوعي الذاتي.
ختامًا، جميعنا نحتاج دومًا إلى وقفةٍ مع النفس ومحاسبتها ومكافئتها لا محالة، فإننا نهذبها كما نتعامل مع أطفالنا تمامًا، لذلك كن حريصًا على تطوير الوعي الذاتي لديك لتتعامل معها بمنتهى الشفافية والمصداقية؛ فإن ذلك يعود بالنفع مستقبلًا حتى تطور منها وتأتي بالأفضل دومًا سلوكيًا وأخلاقيًا ومهنيًا وفي كافة مناحي حياتك.
المراجع
8 Steps To Improve Your Self-Awareness (With Tips)
What Is Self-Awareness? (+5 Ways to Be More Self-Aware)
إيمان الحياري
كاتبة محتوى تقني ومنوعكاتبة محتوى إبداعي واحترافي أشغف في إثراء المحتوى العربي، هدفي إفادة الشباب العربي بالمعلومات المستوحاة من مصادرها الموثوقة وتقديمها بأبسط ما يمكن لتكون متوفرة فور البحث عنه.