قصة قصيرة: العالق في الفضاء

كاتب
تاريخ النشر :
وقت القراءة: دقائق
قصة قصيرة: العالق في الفضاء

بعد أن قَبَّلَ أهله وأصدقاءه وودعهم، بخطى سريعة صعد رائد الفضاء سلالم مركبة الفضاء وراء زميليه اللذين سبقاه إلى داخل المركبة، واستقر بجوار زميليه.

وزمجرت المركبة بأصواتها المرعبة، وانطلقت إلى الأعلى وهي تقذف باللهب من مؤخرتها، واخترقت الغلاف الجوي المحيط بالأرض، وسبحت في الفضاء في الفضاء المظلم الواسع، وَخَلَّفَت الأرض من ورائها .. كرةً عامرةً سابحةً مثلها في الفضاء المظلم الواسع.

وحطت المركبة فوق جُرْمٍ صخري .. لا زرع فيه ولا هواء، ولا ماء، ولا جاذبية كالتي تجعلك ملتصقاً بالأرض، وإذا قفزت فوقها أعادتك إليها فوراً.

أما هذا الجُرْم الصخري فهو القمر، إذا قفزت فوقه انطلقت لأعلى وعلقت .. لا يرجعك، وإنما ترجع بمعاونة نفسك.

ونزل رائد الفضاء هو وزميله من المركبة، وأخذوا في النظر إلى الصخور القمرية، ولمسها، وأخذ عينات منها لفحصها بالمعامل، ثم أخذوا في النظر إلى الفضاء الواسع الذي يسبح فيه هذا الجُرم القمري.

قصة قصيرة: العالق في الفضاء

وفجأة وبدون أية مقدمات قفز رائد الفضاء عدة قفزات لأعلى، فوجد نفسه بعيداً عن زميليه جداً ... سابحاً في الفضاء الواسع المظلم، حتى أصبح من المستحيل عودته أو إعادته، وصار جُرماً مثل هذه الأجرام العالقة في الفضاء الواسع .. السابحة فيه .. وحيداً، إذا تكلم لا يسمع لنفسه صوتاً؛ فلا يوجد الأثير الذي يحمل الموجات الصوتية، وينقل الصوت إلى الأذان، ولا يوجد هواءٌ للتنفس، فلقد أصبح كل رصيده من الهواء الأكسجين الذي يحمله في أنبوبة على ظهره ويتنفسه عن طريق خرطوم متصل بجسم زجاجي موضوع فوق رأسه ووجهه.

قصة قصيرة: العالق في الفضاء

لقد أصبحت أنفاسه معدودة ومرهونة بما في الأنبوبة من أكسجين، وعمره المتبقي أصبح سعة هذه الأنبوبة، ولكنه لم ييأس .. إنما هو مبهورٌ .. مذهولٌ .. متاملٌ .. مفكرٌ في هذه الأجرام الكبيرة جداً .. العالقة السابحة في الفضاء .. كيف أنشأت؟ .. وهل كانت كلها جُرماً واحداً كبيراً ثم انفجر وتناثر وأصبح أجراماً كثيرةً أصغر؟.

واستفاق الرائد الفضائي من هذا الذهول والتفكير، وتذكر أنه معلقاً في جنبه مصباحٌ يعمل بالبطارية، فوضع يده عليه وأضاءه، فتغيرت له الأحوال .. إنه يرى فضاءاً واسعاً، ممتداً، به آلاف الأجرام، ثم تكلم مع نفسه صائحاً متسائلاً بدون أن يسمعه أحد .. هل يمكن أن تكون الأرض مع هذه الأجرام التي يلمحها .. هل الأرض بما فيها وما عليها هي حقاً هذه الكرة العالقة في الفضاء؟ بالتأكيد الأرض محلقة في هذا الفضاء الواسع .. نعم إنها الأرض بمحيطاتها، وبحارها، وأنهارها، وجبالها، وصحراءها، وغاباتها، ومدنها العملاقة، محلقةً عالقةً في هذا الفضاء الواسع، بدون منضدة كبيرة تحملها وتستند عليها، وبدون سلاسل تربطها وتتعلق بها، والأرض وما حولها من كواكب وأجرام محلقةً عالقةً في هذا الفضاء الواسع المظلم، والكل يسبح فيه بدون جاذبية، وبدون هواء، وبدون ماء، وبدون ضوء، وبدون معالم للحياة، وبدون زمن، فلا شمس ولا قمر، ولا ليل ولا نهار، ولا مد ولا جزر .. والعجب كل العجب من هذا الفضاء الممتد الواسع المظلم، الذي لا نعلم له اِبْتِدَاءٌ، ولا ندري له انتهاء، إنه ظلامٌ شاسع.

وفجأة .. وبدون أن يشعر أو يدري .. أحس أنه أصبح غير قادرٍ على التنفس، ونفد الأكسجين الذي في الأنبوبة، وخرجت روحه في الفضاء الواسع وهو يردد:

- آمنت بالخالق .. آمنت بالخالق .. آمنت بالخالق.

فلسفة القصة:

هذه قصة فلسفية عميقة ومثيرة للاهتمام، تطرح تساؤلات حول وجود الإنسان وعلاقته بالكون. رائد الفضاء في القصة يجد نفسه في موقف حرج، حيث يصبح معلقًا في الفضاء بدون أي اتصال بالأرض أو أي جرم سماوي آخر. هذا الموقف يجعله يتأمل في الكون ونشأته، ويتساءل عن مكانة الأرض والإنسان في هذا الفضاء الواسع.

اللحظة التي يتذكر فيها الرائد الفضائي مصباحه ويضيءه، تجعل الوضع يتغير، حيث يرى آلاف الأجرام في الفضاء ويتساءل عن مكانة الأرض بينها. هذا التساؤل يجعله يفكر في طبيعة الوجود والكون، ويصل إلى لحظة من الإيمان بالخالق.

القصة تطرح العديد من الأسئلة الفلسفية حول الوجود والكون، وتجعل القارئ يتأمل في مكانة الإنسان في هذا الكون الواسع. النهاية الدرامية للرائد الفضائي، حيث يفقد قدرته على التنفس ويردد كلمة "آمنت بالخالق"، تترك للقارئ فرصة للتفكير في معنى الحياة والوجود.

اقرأ ايضاّ