في عالم صمم على إلهائنا: هل نستطيع استنشاق رائحة السعادة الحقيقية؟

آخر تحديث:
وقت القراءة: دقائق

في فترة ما بعد تخرجي من الجامعة، وجدت نفسي عالقة في دوامة من الروتين اليومي. كنت أقضي الكثير من الوقت في البيت، دون أن أشغل نفسي بالأمور المهمة. في تلك الفترة، كنت أجهل الفرق بين الأمور المهمة والغير مهمة، فكان وقتِي يمضي في النوم والاستيقاظ والأكل، شعرت بحالة من الإحساس بالفراغ وعدم القيمة، وكأنني أفتقد لمعنى الحياة. طرحت على نفسي أسئلة كثيرة: هل الحياة التي نعيشها لها معنى حقيقي؟ هل نحن خلقنا فقط لنجري في دوامة من الروتين؟ هل هذه هي الحياة التي كانت تنتظرنا؟، وكنت أسمع من الناس حولي يتحدثون عن السعادة، ولكنني كنت أشك في وجودها. كيف يمكن أن يكون شخص ما سعيدًا في عالم يبدو أنه لا يحتوي على أي معنى؟ هل السعادة مجرد وهم؟ أم أنها شيء يمكننا تحقيقه؟

تأملك جزء من رحلة تغييركتأملك جزء من رحلة تغييرك

كعادتي الأسئلة تسبح في ملكوت إدراكي، وتبحث عن إجابات واحتماليات فكرية جديدة، فلا يمكن أن تستقبل الإجابات وتحقق التغيير الحقيقي، إلا عندما تطرح أسئلة قوية فتأتيك الإجابات وأنت في رحلتك لتغيير نسختك الحالية لنسخة جديدة وذلك يقف بشكل مهم على درجة تقبلك وانفتاحك على الأفكار الجديدة، بدلا من مقاومتها لأنها فقط لا تتوافق مع معتقداتك وإمكانياتك الفكرية الحالية.

أعتقد أن ما يجعل الناس يستمتعون بهذا المفهوم هو أنه يظهر كأفق مظلم في نهاية النفق، حيث يبدو أن المكافأة تنتظرنا، مثل الكنز الذي يختبئ في أعماق الأرض، ويحتاج إلى البحث والتنقيب لإيجاده. هذا هو التعريف الذي فهمته منذ سنوات، والذي بنيت عليه بنية السعادة وطرق الوصول إليها، ويعتقد معظمنا أن السعادة هي الوجهة النهائية، وهي الوجهة التي يمكن الوصول إليها إذا اتخذنا الخيارات الصحيحة، وتعلمنا من أخطائنا، وأن إيجادها سيجعلنا راضين إلى الأبد في حياتنا، ونطارد هذا الحلم في الواقع وفي أحلامنا.

تمايل مع التيار ولا تقاومهتمايل مع التيار ولا تقاومه

مع مرور الأيام، بدأ هذا المفهوم يتخذ صبغة جديدة في عالمي، مثل اللوحة التي تتغير ألوانها مع مرور الوقت. فهمي له بدأ يتطور، وتفسيري له بدأ يأخذ منحى جديدًا، حيث وضعت هذا المفهوم في خانة جديدة، وأعطيت له تفسيرًا جديدًا، مثل الكتاب الذي يُكتب من جديد، مع كل صفحة جديدة. لكن هذا لا يفسر أن هذه المحاولة في الكتابة ووضع الأفكار هي آخر خيط فكري يربطني بالسعادة، أو آخر جسر يؤدي إلى فهمها، فالأمر يتعلق برحلة اكتشاف مستمرة وغير محدودة.

هل يمكن تعريف السعادة؟

أحد أكبر التحديات في دراسة موضوع السعادة يكمن في تعريفها، تقول نانسي إتكوف، (أستاذة مساعدة في علم النفس في قسم الطب النفسي بمستشفى ماساتشوستس العام) : "السعادة مصطلح شامل يمكن أن يعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين". يمكننا أن ننظر للسعادة بثلاث طرق على الأقل: كحالة متعة، أو كحالة معرفية، أو كفلسفة حياة عامة، ومن هنا فالسعادة إذن تشير إلى طريقة تفكير، مثل التفاؤل، وسيلة للشعور بالبهجة أو المتعة أو الارتياح أو الامتنان، أو مجرد طريقة للوجود.

البساطة من الأسرار الكبرى للسعادةالبساطة من الأسرار الكبرى للسعادة

ومن التعاريف القريبة من رؤيتي الجديدة للسعادة هو أنها: " القدرة على أن تركب موجة كل المشاعر التي تلقيها عليك الحياة، وتستسلم لما هو في سيطرتك ، وترك ما هو خارج حدودك وسيطرتك وهنا أن تسلم أمرك للقادر سبحانه، مع أخذ بعين الاعتبار مهارة التعلم المستمر لاكتساب أدوات التعامل مع التحديات المختلفة الموجودة في درب رحلتك الخاصة، وأن تملك معرفة تجعلك ترى في كل محنة درس نبيل"، التعامل مع الحياة بمفهوم القدرة والمهارة والمعرفة والإيمان سيمكنك من امتلاك الإحساس بالرضا، والقوة للمضي قدما بثقة وحزم دون الاكتراث لما سيأتي من أزمات، والسير في طريق البحث عن السعادة وأنت خاو الوفاض سيدفعك للشعور بالخوف والتوتر لما سيأتي، مع العيش بندم وحسرة على ما فاتك في ما مضى.

تنفس لحظتك وابدعتنفس لحظتك وابدع

هل السعادة تكمن في تحقيق الأهداف؟

لا شك أننا نعتقد أن السعادة توجد في مرحلة تحقيق الأهداف، لكن هذا المفهوم يثير العديد من الأسئلة. مثلي مثل أي شخص آخر، أعتقد أن أغلب أمنياتنا التي كانت في الماضي استطعنا أن نحققها اليوم، لكننا نجد أن هدفنا أو كل هدف يكون ممزوجًا بتحديات مختلفة.

وكما قال الفيلسوف اليوناني أرسطو، "السعادة هي الحياة التي تعيشها بالكامل، وليست مجرد لحظات من السعادة". وهنا يأتي السؤال، هل تحقيق الأهداف يؤدي بالضرورة إلى السعادة؟ أم أن السعادة هي شعور داخلي عميق يجعلك تستمتع باللحظة، بغض النظر عن التحديات؟

كن طفلا مهما بلغت من عمرككن طفلا مهما بلغت من عمرك

هذه الأسئلة تثير نقاشًا عميقًا حول مفهوم السعادة. هل السعادة هي سعادة مادية، أم هي شعور داخلي عميق؟ هل هي نتيجة لتحقيق الأهداف، أم هي نتيجة لاتخاذ المسؤولية عن حياتنا؟ هذه هي الأسئلة التي نحتاج إلى الإجابة عليها وربما سنستأنس بما قاله الفيلسوف اليوناني أرسطو: "السعادة هي الحياة التي تعيشها بالكامل، وليست مجرد لحظات من السعادة" وهو الأقرب للواقع فليست كل اللحظات سعيدة وليست كلها حزينة، أو عادية لكنها لحظات الحياة ونحن نعلم ان لحظات الحياة تمتزج فيها جميع إيقاعات المشاعر والأحاسيس، بداية بشعور الفرح، يليه شعور الحزن يتبعه شعور الحماس، يليه شعور الحسرة، وبعد ذلك شعور الحب…، وهذا يعني أن السعادة هي نتيجة لرضا الشخص عن حياته بشكل عام، وليس فقط شعوره بالسعادة في بعض اللحظات دون غيرها.

ابتسامتك الصادقة دليل سعادتكابتسامتك الصادقة دليل سعادتك

عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، لاشك نحن نبحث عن حالة ذهنية وروحية، تمكننا من العيش برضا بغض النظر عن تقلبات المناخ وتحديات الزمان، وليس أن نعيش لحظات في عمرنا ونقول إننا شعرنا فيها بالسعادة، وإيجاد هذه الحالة يقف أساسا على التدريب المستمر، فلا غرابة في قول أن السعادة تصبح عادة إذا ما تدربنا عليها، كما نفعل مع المهارات الحياتية الأخرى التي نود أن تصبح جزءا من حياتنا، والأمر ليس مستحيلا لانه يتعلق باختياراتك وقراراتك، فأنت تختار أنت تجعل يومك يمر بخير بغض النظر عن الضجيج المحيط بك، وتستطيع كذلك أن تقرر أن تعيشه بحالة انفعالية تجعلك حساسا لكل حدث يأتي في طريقك فيشوش عليك لحظات يومك، لا تنسى أن بيدك القرار.

KELTOUM AGOURRAME

KELTOUM AGOURRAME

كاتبة

كلثوم اكرام أعمل كمختصة اجتماعية في مؤسسة تعليمية،وابلغ من العمر 27 سنة،ولدي ميل للكتابة اكتشفته منذ فترة ولابد أن يحمل هذا الميل الهام لمساعدة الناس للتغيير للأفضل. ان وجودنا تعبير عن روح تعرف ما فيها وما عليها،ومتى اكتشف الانسان سبب وجوده وهدفه في الحياة سمح له ذلك بعيش الحياة بأسلوب أكثر جودة وباحساس هائل.

تصفح صفحة الكاتب

اقرأ ايضاّ