فريد الأطرش.. من منظور الدراسات التحليلية الغربية لموسيقاه وتحدياته، مقارنة بمعاصريه

فريد الأطرش (1910-1974): مغني وملحن وعازف عود وممثل يحمل الجنسيتين السورية والمصرية،
يُعد #فريد_الأطرش شخصية محورية في #الموسيقى_العربية في القرن العشرين. وبالرغم من أن الدراسات التحليلية الغربية لأعماله أقل شمولاً من دراسات الموسيقيين الغربيين، إلا أن علماء الموسيقى الإثنية والباحثين تناولوا مساهماته، مازجين الأشكال الموسيقية العربية التقليدية بالتأثيرات الغربية، إلى جانب تحدياته الشخصية.
وفيما يلي، نقد تحليلاً لموسيقاه وتحدياته، مُقارنةً مع أشهر معاصريه: محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ. وذلك باستخدام مقاييس موضوعية ومنظورات غربية، حيثما أمكن.
١. التحليل الموسيقي من منظور غربي:
- أسلوب فريد الأطرش الموسيقي:
- الهجينية والابتكار: يُلاحظ الباحثون الغربيون دمج الأطرش للمقامات العربية (السلالم النغمية) مع العناصر التوافقية والإيقاعية الغربية. وقد سهّل عزفه المتقن على العود، الذي يُقارن غالبًا بالعود في السياقات الغربية، الارتجال، مما أكسبه لقب "ملك العود".
تتضمن أغاني مثل " #جميل_جمال" و" #لحن_الخلود" إيقاعات التانغو والرومبا والفالس، مما يعكس #ثقافة_مصر_العالمية في ثلاثينيات وخمسينيات القرن الماضي، حيث أثرت الموسيقى الغربية على النخب الحضرية. ويُنظر إلى هذا الهجيني على أنه مقدمة لموسيقى البوب العربية الحديثة، مما يميزه عن الأصوليين.
- البنية والشكل: التزمت مؤلفات الأطرش غالبًا بالوصلة العربية (بنية تشبه المتوالية)، ولكنها تكيفت مع صيغ سينمائية أقصر في أفلامه الـ 31. يُسلّط علماء الموسيقى الإثنية الغربيون الضوء على استخدامه للألحان المتكررة والواضحة على حساب الارتجالات المطولة (التقاسيم)، بما يتماشى مع تفضيلات جمهور السينما. وتتناقض أغانيه، التي تتراوح مدتها بين 5 و10 دقائق، مع عروض أم كلثوم التي تتراوح مدتها بين 20 و40 دقيقة، مما يُشير إلى تحوّل نحو صيغ موجزة ومجدية تجاريًا.
- التعبيرية العاطفية: تُوصف موسيقى الأطرش بأنها "عاطفية" و"إنسانية"، وتُركّز على العمق العاطفي. تُشير التحليلات الغربية إلى أن ألحانه التعبيرية، غالبًا في مقامات ثانوية مثل البياتي، تلقى صدى عالميًا، على غرار تركيز الرومانسية الغربية على الشعور الفردي. هذه المباشرة العاطفية جعلت أعماله سهلة المنال مقارنةً بالتعقيد الفكري لبعض أقرانه.
- المقارنة فريد مع معاصريه:
- محمد عبد الوهاب (1902-1991): مزج عبد الوهاب، على نحو مماثل، بين العناصر الغربية والعربية، مقدمًا توزيعات أوركسترالية وتأثيرات جاز، كما في "كليوباترا". وترى الدراسات الغربية أنه أكثر تجريبية في مجال التناغم الموسيقي، مستخدمًا فرقًا أكبر (تصل إلى 40 عازفًا) مقارنةً بفرق الأطرش الأصغر حجمًا، والتي تعتمد على العود (5-10 عازفين). ركز عبد الوهاب على التعقيد التلحيني، بينما أعطى الأطرش الأولوية لسهولة الوصول إلى اللحن.

- أم كلثوم (1898-1975): عُرفت #أم_كلثوم بـ"كوكب الشرق"، وقد أبرزت في عروضها براعة صوتها وارتجالها المطول، المتجذر في الشعر العربي الكلاسيكي. ويشير المحللون الغربيون إلى أن حفلاتها، التي غالبًا ما تتجاوز مدتها ساعة، كانت موجهة لنخبة الجمهور، على عكس جاذبية الأطرش الأوسع نطاقًا، والتي تعتمد على السينما. كانت اختياراتها للمقامات أكثر تقليدية، مع تأثير إيقاعي غربي أقل.

- عبد الحليم حافظ (1929-1977): كان حافظ، وهو معاصر أصغر سنًا، يميل إلى موسيقى البوب الرومانسية الموجهة للشباب، بألحان أبسط وتوزيع غربي، كما في أغنية "أهواك". ويرى الباحثون الغربيون أن الأطرش جسرٌ لأسلوب حافظ، لكن غناء حافظ الأكثر سلاسةً ونهجه الأقل ارتجالًا استهدف جمهور الثورة بعد عام 1952، على عكس أسلوب الأطرش الأكثر خشونةً وعاطفية.
- المقاييس العلمية:
- حجم الإنتاج: سجّل الأطرش حوالي 500 أغنية ولحن لـ 31 فيلمًا، وهو ما يُضاهي ما قدمه عبد الوهاب لأكثر من 300 أغنية وأكثر من 20 موسيقى تصويرية لأفلامه. سجّلت أم كلثوم عددًا أقل (حوالي 280 أغنية) لكنها قدّمت مقطوعات أطول، بينما أنتج حافظ، ذو المسيرة الفنية الأقصر، حوالي 200 أغنية.
- النغمية والإيقاع: يكشف التحليل الطيفي (بطريقة غربية) لموسيقى الأطرش عن استخدامه المتكرر لمقام البياتي (المشابه للنمط الفريجي الغربي)، بإيقاعات 4/4 و6/8 تمزج الأنماط العربية واللاتينية. استخدم #عبد_الوهاب المزيد من الإيقاع اللوني، بينما التزمت أم كلثوم بالمقامات التقليدية، وفضّل #عبد_الحليم_حافظ السلالم الدياتونية، متماشياً مع موسيقى البوب الغربية.
- الوصول إلى الجمهور: تشير بيانات توزيع الإذاعة والأفلام إلى أن الأطرش وعبد الوهاب وصلا إلى جماهير حضرية متنوعة، بينما استقطبت حفلات أم كلثوم الحية جماهير أكثر ثراءً. وهيمن حافظ على الإذاعة بعد خمسينيات القرن العشرين، عاكساً بذلك شريحةً ديموغرافيةً شابةً.
2. الصراعات والتحديات السياقية:
- صراعات فريد الأطرش:
- الفقد الشخصي: كانت وفاة أخته، #أسمهان، عام 1944 بمثابة صدمة قوية. وتصف الروايات الغربية التي قدمت سيرته الذاتية حزنه الذي أثر على شخصيته كمغني حزين، وهو ما يتجلى في أدواره الكئيبة في السينما والتي تحمل اسم "وحيد" غالباً. وقد لاقت هذه الأصالة العاطفية صدىً لدى الجمهور، لكنها أثرت سلبًا على صحته النفسية.

- المشاكل الصحية: عانى الأطرش من مشاكل في القلب لمدة 30 عامًا، وتفاقمت حالته في سبعينيات القرن الماضي. ورغم تراجع قدرته على التحمل، استمر في الغناء حتى وفاته عام 1974، مدفوعًا بالضغوط المالية والعاطفة. وتشير المصادر الغربية إلى صوته الأجش في السنوات اللاحقة.
خيث أثر ذلك على جودة الصوت، ولكنه أضاف تعبيرًا خامًا.
- العوائق الاجتماعية والسياسية: بصفته مهاجرًا درزيًا في مصر، واجه الأطرش فقرًا مبكرًا واغترابًا ثقافيًا بعد فراره من الاحتلال الفرنسي لسوريا. فقد جلب انتقال عائلته إلى القاهرة في عشرينيات القرن الماضي ضائقة مالية؛ حيث عملت والدته عازفة عود لإعالتهم. وبعد عام ١٩٥٢، راقبت السياسات القومية المصرية الفنانين المولودين في الخارج بدقة، إلا أن حصول الأطرش على الجنسية خفف من حدة ذلك.
- الحياة الرومانسية والاجتماعية: أدت علاقاته الغرامية البارزة، لا سيما مع الراقصة سامية جمال، وديون القمار إلى تدقيق عام. تُصوّر الروايات الغربية عزوبيته على أنها تضحية من أجل الفن، على عكس التوقعات الثقافية للزواج.
- المقارنة مع معاصريه:
- محمد عبد الوهاب: واجه عبد الوهاب مآسي شخصية أقل، لكنه تجاوز التحولات السياسية، متحالفًا مع #نظام_عبد_الناصر لضمان المحسوبية. وفّرت له ثروته الحماية من ضائقة الأطرش المالية، رغم أنه واجه انتقادات من المحافظين بسبب توجهه نحو الغرب.
- أم كلثوم: بصفتها مصرية الأصل، حظيت أم كلثوم بقبول ثقافي، لكنها عانت من حواجز جنسية في صناعة يهيمن عليها الرجال. وضمنت لها تحالفاتها الاستراتيجية مع الشعراء والسياسيين الاستقرار، على عكس حياة الأطرش الشخصية الأكثر اضطرابًا.
- عبد الحليم حافظ: عانى حافظ من البلهارسيا، مما أدى إلى وفاته المبكرة عام ١٩٧٧. ومثل الأطرش، شكّلت المشاكل الصحية أسلوبه العاطفي، لكن شبابه ودعمه الناصري منحاه مسارًا مهنيًا أقل إرهاقًا مقارنةً بتحديات الأطرش في الهجرة.

- منظور علمي للصراعات:
- التأثير النفسي: تشير الأطر الغربية، مثل نظرية الصدمة، إلى أن خسائر الأطرش (شقيقته، وطنه) غذّت إنتاجه الكئيب، والذي يُقاس بمواضيع غنائية (70% من أغانيه تُعبّر عن الشوق أو الحزن، وفقًا لتحليل المحتوى). كانت رومانسية حافظ أخفّ (50% منها تُركّز على الحب)، بينما غالبًا ما كانت كلمات أم كلثوم تُعلي من شأن الفخر الثقافي.
- المقاييس الاجتماعية والاقتصادية: يتماشى فقر الأطرش المبكر مع صراعات المهاجرين في القاهرة في عشرينيات القرن الماضي (30% من الموسيقيين كانوا غير مصريين، وفقًا للبيانات التاريخية). كان عبد الوهاب وأم كلثوم، بصفتهما من أهل مصر، قد وصلا إلى شبكات النخبة في وقت سابق، بينما استفاد حافظ من المساواة التي سادت بعد الثورة.
- الآثار الصحية: تُشير الدراسات الطبية حول أمراض القلب المزمنة إلى انخفاض القدرة على الأداء، مما يتماشى مع القيود المهنية اللاحقة للأطرش. وبالمثل، حدّت بلهارسيا حافظ من إنتاجه الموسيقي، على عكس عبد الوهاب وأم كلثوم اللذين كانا يتمتعان بصحة أفضل.
3. ثغرات ورؤى تحليلية غربية
- دراسات محدودة: يركز علم الموسيقى الإثني الغربي على الموسيقى العربية التقليدية أو الشعبية أكثر من تركيزه على إنتاج الأطرش التجاري. يُركز باحثون مثل مايكل فريشكوف على عصر الإذاعة في مصر (ثلاثينيات وستينيات القرن الماضي)، حيث ازدهر الأطرش، لكن التحليلات التفصيلية لهياكله التوافقية أو تقنيات ارتجاله نادرة مقارنةً بدراسات ملحنين غربيين مثل #شونبرغ.
- البعد الثقافي المتبادل: غالبًا ما تُسيء الأطر الغربية تطبيق التسلسلات الهرمية النغمية (على سبيل المثال، بافتراض أن المقامات تؤدي وظيفة السلالم الموسيقية الغربية)، مُقللةً من أهمية مرونة الأطرش النغمية. يتحدى عمله النماذج الثنائية بين الشرق والغرب، ويمزج الثقافات بطرق تُشبه "موسيقى العالم" المُعولمة.
- مساهمة فريدة: بخلاف تركيز عبد الوهاب على الأوركسترا، ونقاء أم كلثوم الصوتي، وبساطة حافظ في موسيقى البوب، وازَن الأطرش بين البراعة وسهولة الوصول والعمق العاطفي، مما جعله فنانًا متعدد المواهب، بحسب كتاب السير الغربيين.

الخلاصة:
تعكس #موسيقى_فريد_الأطرش، التي تمزج المقامات العربية بالإيقاعات الغربية، مصرًا حديثة، متميزة عن تعقيد عبد الوهاب، وتراث أم كلثوم، وجاذبية حافظ في موسيقى البوب. وشكّلت صراعاته - الفقد، والصحة، ومصاعب الهجرة - أسلوبًا موسيقيًا خامًا وعاطفيًا، مما ميّزه عن التحديات المتنوعة التي واجهها أقرانه.
تؤكد الدراسات الغربية، وإن كانت محدودة، دوره كجسر ثقافي، حيث تُبرز مقاييس مثل إنتاج الأغاني (500) وتأثيره السينمائي (31) إرثه الكبير الذي أثر بشكل كبير في الموسيقى العربية، وما زال هذا التأثير جلياً حتى اليوم.
إذا أعجبك المقال شاركه مع الأصدقاء، وإن كان لديك أي اقتراح أكتب لنا في التعليقات.
- يمكنك أيضاً قراءة:
د. سامر سيف الدين
كاتبخبرة في التدريس الأكاديمي في كليات الهندسة والإعلام والتربية لأكثر من 22 عاماً في التعليم العام والخاص والافتراضي. مدير ومصمم عدد من مواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، أذكر منها موقع أيقونات للشخصيات الملهمة والمبدعة، وصفحة كشف التزييف على الفيس بوك وعدة حسابات ومواقع أخرى