الفصل الأول: النداء

في إحدى الليالي الهادئة بمدينة العُلا، حيث ترتفع الجبال كالأسوار حول التاريخ كانت ليان النمري، طالبة ماجستير في علم الآثار، تقلب صفحات مخطوطة قديمة وجدت في مكتبة جدها المهملة. الكتاب كان مكتوبًا بلغة عربية قديمة، ويحتوي على رسومات غريبة: رمال تتشكل كأنها موج، عيون تراقب من الظلام، وأهم شيء... خريطة مشفّرة تؤدي إلى "سِفْر الرمال".
الأسطورة تقول إن من يصل إلى هذا المكان، يستطيع أن يرى ماضيه بالكامل… ويتحكم في مستقبله.
لكن للوصول إليه، يجب على الشخص أن يمر بثلاثة اختبارات:
- اختبار القلب
- اختبار الذاكرة
- اختبار المصير
ليان كانت ذكية، ولكنها كانت تعيش صراعًا داخليًا. والدتها توفيت قبل سنوات في ظروف غامضة، ووالدها أصبح صامتًا بعد الحادثة، لا يتحدث كثيرًا. أما هي، فكانت تملأ الفراغ بالقراءة… والبحث.
الفصل الثاني: بداية الرحلة
قررت ليان السفر إلى الموقع الذي تشير له الخريطة: "وادي الظلال"، في أقصى الجنوب، حيث لا توجد تغطية جوال، ولا خدمات… فقط صمت الرمال.

انطلقت بسيارتها مع معدات بسيطة، ومفكرة لتدوين الملاحظات. وبعد أيام من القيادة، عبرت طريقًا مهجورًا يسمى "درب المواربة" – وهو طريق يُقال إن المسافرين فيه يرون أشياء "لا ينبغي أن تُرى".
في اليوم الثالث، حدث ما لم تتوقعه…
السماء تحوّلت فجأة إلى لون نحاسي. وظهر أمامها شيخ غريب الهيئة، طويل، يرتدي عباءة سوداء، وعيناه خاليتان من البياض. قال بصوت خافت:
"البوابة لا تُفتح إلا لمن فقد شيئًا عزيزًا، وكتم الألم طويلاً… هل أنتي مستعدة أن تفتحي الدفتر؟"
صُدمت ليان وسألته:
"أي دفتر؟"
فأجاب:
"سِفْر الرمال… هو قلبك."
ثم اختفى.
الفصل الثالث: المعبد الضائع
في اليوم الخامس، وبين كثبان شاهقة، وجدت هيكلًا حجريًا ضخمًا مدفونًا في الرمال. فوقه شعار غريب: عين داخل هلال. المكان يبعث على الخوف والرهبة. لكن ليان دخلت.

بداخل المعبد، كل شيء كان محفوظًا بطريقة غير مفهومة. الجدران عليها رسوم لأشخاص يشبهون البشر، لكنهم يطيرون فوق الرمال. والمصابيح القديمة كانت ما تزال مشتعلة، رغم عدم وجود مصدر للطاقة.
ثم دخلت غرفة دائرية، وأُغلقت الأبواب خلفها فجأة.
على الأرض، ظهر رماد بدأ يتحرك من تلقاء نفسه، حتى شكل وجهًا يشبه… أمها.
قالت ليان بصوت مرتجف:
"ماما؟!"
فقال الصوت:
"أول اختبار… أن تتصالحي مع فَقْدك."
الفصل الرابع: اختبار القلب
في تلك اللحظة، رأت ليان مشاهد من طفولتها تُعرض أمامها كأنها شاشة سينمائية. لحظات فرحها، حزنها، صرخاتها عندما توفيت والدتها، وحدتها، كبرياؤها الزائف… كل ذلك كُشف أمامها.
سقطت على ركبتيها وبكت.
ثم قالت:
"نعم، أنا موجوعة… لكنّي لست مكسورة."
فانفتحت الأرض، وظهرت سلّم يقودها إلى أسفل… إلى أعمق نقطة في المعبد.
الفصل الخامس: اختبار الذاكرة
وصلت إلى ممر طويل مظلم، على جانبيه تماثيل ضخمة بأوجه نصف بشر ونصف نسر. في نهاية الممر، مرآة عملاقة.
اقتربت ليان، فنظرت إلى المرآة، لكن لم ترَ نفسها… بل رأت كل القرارات التي ندمت عليها: الشخص الذي لم تعتذر له، الفرصة التي رفضتها، الرسالة التي لم تكتبها، البحث الذي مزقته لأنها لم تكن واثقة من نفسها.
ثم سألها صوت داخلي:
"لو عدت للوراء… هل ستتخذين نفس الطريق؟"
فقالت:
"ربما لا… لكني لن أعيش حياتي آسفة."
وعندها تحطمت المرآة، وظهر خلفها باب ذهبي، محفور عليه: "من عرف ماضيه… صار حرًا."
الفصل السادس: اختبار المصير
دخلت ليان إلى قاعة ضخمة مليئة بالساعات المعلقة في الهواء، وكل واحدة تمثل "زمنًا" مختلفًا. صوت الساعات كان كنبض قلبٍ ضخم.
ثم ظهر أمامها شخص يشبهها تمامًا، لكن أكثر غضبًا، أكثر وحدة، أكثر قسوة.
قالت النسخة الأخرى:
"أنا أنتِ… التي تركت كل شيء، ولم تقاتل. لماذا تستحقين المصير؟"
ليان سكتت قليلاً ثم قالت:
"لأني اخترت ألّا أكونك."
فاندمجت النسخة الأخرى فيها، ودوّت صرخة في القاعة، توقفت عندها كل الساعات.
ثم ظهر قلب من نور… يدور في الهواء.
مدت يدها نحوه… ولمّا لمسته، شعرت برعشة كهربائية، واختفى المكان تمامًا.
الفصل السابع: العودة – بوابة الخلود
استيقظت ليان عند أطراف المدينة… في نفس مكان انطلقت منه قبل أسبوعين، لكن العالم تغيّر.
الأشجار نبتت في أماكن كانت جافة، المطر نزل في غير موسمه، والناس بدأوا يتحدثون عن فتاة ظهرت في أحلامهم وقالت لهم: "تغيّروا… فالزمن ما عاد كما كان."
أما ليان، فقد عادت لتكمل دراستها، ونشرت كتابًا بعنوان "الرحلة إلى سِفْر الرمال"، لكنه لم يكن كتاب علمي… بل كان قصة روح قررت أن تواجه كل شيء، حتى نفسها.
النهاية:
رؤية واضحة، قلب صلب، ومصير اختارته بنفسها.
وليان؟ كانت تعلم أن بوابة الرمال… ما زالت هناك، تنتظر زائرًا آخر.