في يوم عاصف، كنت خارجة لأنظف جانب المنزل مع أختي. بينما كنت أجمع الأوراق التي تجمعت بجانب الباب، لفتت انتباهي ورقة غريبة لا تشبه الأوراق الأخرى. رغبتي في معرفة ما تحتويه هذه الورقة كانت أكبر من خوفي مما يمكن أن يحدث عندما قالت أختي لي أن أتركها لكني كنت مصرة على قرائتها.

شعرت بدهشة وفرح كبيرين عندما اكتشفت أن هذه الورقة اختارت أن تمكث بجانب باب منزلي، كأنها تدق الباب لتدخل. ولأنني أستقبل الإشارات بكل فرح، قمت باستضافتها وتبليغها في هذا المقال لكل قارئ، عسى أن يأخذ بها كل قارئ ويرميها للآخرين كما فعلت بها الرياح. وسأكتبها هنا بنفس الطريقة التي كتبت بها، بدون تصحيح أو تبديل:
" كثيرة هي الشخصيات التي عايشتها وتركت في حياتي أثرا كبيرا، لكن إحداهن كانت أكثر رسوخا في مخيلتي، وهي لسيدة مطلقة كانت تجاورنا، إذ كانت في عقدها الخامس، وقد كان الجميع ينظر إليها بازدراء كبير لأنها كانت مطلقة، لكنها قاومت ظروفها الاجتماعية والثقافية، واستطاعت تربية أبناءها وتدريسهم بالرغم من وضعيتها الصعبة واشتغالها صباح مساءا لأجلهم، لكن كانت بالنسبة لي رمزا للصبر والتحدي، وبأنها مثال يحتذى به، وهذا جعل الناس في حينا يغيرون نظرتهم إليها، وهي رسالة واضحة على ضرورة احترام ظروف الآخرين".
هذه هي الرسالة التي دقت باب منزلي، وتخاطب الناس بشكل عميق وصريح ليبتعدوا عن أخطر الخطايا البشرية على مر العصور : " الحكم على الآخرين".
في اللحظة التي نرى فيها شخصا يفعل أشياء خاطئة في نظرنا، أول شيء نقوم به هو " الحكم عليه"، يجب على كل فرد أن ينصب تركيزه على اكتشاف عيوبه وأخطائه. ويصلحها بدلا من الحكم على الآخرين بنفس نقط الضعف التي توجد فيه. وإذا كان الخطأ في الآخر وليس فيك، فستجد أنك تعاني عيوبا في جانب خفي تخشى التعبير عنها.
"لست وصيا على الآخرين، اطلب الستر في الدنيا ما دمت فيها".
وإذا كنت غارقا في بحر الأحكام السريعة على الناس فانك تحكم على نفسك في الوقوع في قبضة الشقاء والتعاسة، فمن السهل جدا أن نحكم على الآخرين بدلا من الحكم على أنفسنا ، لكن الحقيقة ان ما يقع هو أنه في كل مرة تحكم على الآخرين، فأنت تحكم على نفسك، فالتجربة الفكرية للأحكام تقاس من داخلك، من داخل ذهنك، فتناقشوها وتمتص من طاقتك وتسقط عليك فتصبح قاعدة حياتية تحكم بها على نفسك كلما وقعت فيما وقع عليه الشخص المحكوم عليه.
"لا تتسرع في الحكم على الآخرين، وتجنب الأحكام ما استطعت، ويمكن أن تظلمهم، فلا يعرف الخفايا إلا الله، ويعلم بخبايا النفوس والقلوب إلا خالقها".
كيف يمكن تفسير فعل " الحكم على الآخرين" من الناحية السيكولوجية؟
الحكم على الآخرين: هو عملية نفسية تتميز بالتقدير أو التقييم السلبي للآخرين، غالبًا ما يكون ذلك بناءً على افتراضات أو تصورات خاطئة.
وهناك عدة نظريات سيكولوجية تحاول تفسير لماذا يحكم الناس على الآخرين، وسنعرض أهمها على الشكل الآتي:
1-نظرية التهديد الاجتماعي: تقول هذه النظرية أن الناس يحكمون على الآخرين عندما يشعرون بالتهديد منهم، سواء كان ذلك تهديدًا اجتماعيًا أو اقتصاديًا أو سياسيًا.
2. نظرية التمييز الاجتماعي: تقول هذه النظرية أن الناس يحكمون على الآخرين لتحقيق هوية اجتماعية إيجابية لنفسهم، وذلك من خلال التمييز بين أنفسهم والآخرين.
3. نظرية العدوان: تقول هذه النظرية أن الناس يحكمون على الآخرين نتيجة للعدوان والعدوانية التي يشعرون بها.
4. نظرية التعلم الاجتماعي : تقول هذه النظرية أن الناس يحكمون على الآخرين نتيجة للتعلم الاجتماعي، حيث يتعلمون السلوكيات والقيم من خلال التفاعل مع الآخرين.
وانطلاقا من هذا العرض البسيط لهذه النظريات، فالحكم على الآخرين يأتي من مصدر غير آمن من داخل النفس البشرية، من داخل الفوضى الداخلية، من أحشاء الخوف وعدم الاستقرار النفسي، وليس من مصدر الأمن والسلام الداخلي، والتوازن النفسي.
لماذا نحكم على الآخرين؟ سيكلفنا ذلك الكثير من الأذى الروحي، وسنظلم أنفسنا ونضيع لحظات حياتنا لأن تركيزنا سيذهب للخارج. لماذا نحكم لكي نثبت بأننا أفضل؟ لماذا نحكم لكي نسخر من الآخرين؟ لماذا نحكم لكي نخفي عيوبنا؟ الحكم خطأ في حد ذاته، وهو ظلم عظيم و الجحيم الدنيوي.

ما هي بعض الأمثلة التي توضح فعل " الحكم على الآخرين" في مواقفنا اليومية؟
هناك الكثير من الأمثلة التي توضح هذه الجريمة الإنسانية وسنعرض أهمها وأكثرها انتشارا:
1. الحكم على الأشخاص بسبب مظهرهم: الحكم على الأشخاص بسبب مظهرهم الخارجي، مثل لباسهم أو شعرهم أو ملامحهم.
2. الحكم على الأشخاص بسبب عرقهم أو دينهم: الحكم على الأشخاص بسبب عرقهم أو دينهم أو ثقافتهم.
4. الحكم على الأشخاص بسبب وضعهم الاجتماعي أو الاقتصادي: كالحكم على الأشخاص الفقراء بأنهم كسالى أو غير مجدون.
5. الحكم على الأشخاص بسبب إعاقتهم: الحكم على الأشخاص بسبب إعاقتهم أو مرضهم.
مثال: الحكم على الأشخاص ذوي الإعاقة بأنهم غير قادرين على العمل أو التعلم.
6. الحكم على الأشخاص بسبب هجرتهم: الحكم على الأشخاص بسبب هجرتهم أو جنسيتهم.
مثال: الحكم على المهاجرين بأنهم يؤثرون سلبًا على الاقتصاد أو الثقافة، فيتعرضون للتمييز بسبب ذلك.
7. الحكم على الأشخاص بسبب عملهم أو مهنتهم:
مثال: الحكم على الأشخاص الذين يعملون في مهن معينة بأنهم أقل قيمة من الآخرين.
8. الحكم على الأشخاص بسبب سلوكهم أو تصرفاتهم:
مثال: الحكم على الأشخاص الذين يتصرفون بشكل غير تقليدى أو غير متوقع بأنهم غير طبيعيين أو غير مقبولين.
إن الأحكام إهدار لوقتنا وطاقتنا، وسنجد الكثير من الفاشلين يحكمون بشكل كبير ويسخرون كثيرا من الآخرين، لأن ذلك انعكاس لما في دواخلهم، يخافون أن يكونوا هم الوحيدين الذين يعيشون أحاسيس الألم والإحباط، فيرغبون في مشاركتها مع الآخرين. إلى جانب ذلك فإن الأحكام فيروس قاتل، غالبا تكون مبنية على فرضيات ومعلومات أوهمنا أنفسنا أنها حقيقة، ولابد من التفريق بين النقد البناء والحكم، فنقطة التفريق بينهما هي أن الحكم صفات نطلقها على الناس بدون نظرة منطقية علمية تسيرها، ولا أدوات موضوعية تفرض وجودها.
وفي الختام عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، لابد أن أقف وقفة احترام وإجلال لهذا الشخص الغريب الذي كتب هذه الرسالة، والتي لم يكن يدرك أنها ستوضع في أيدي آمنة فتقوم بنشرها للعالم، فلا تجعلها داخل الصندوق وقم برميها للآخرين كما فعلت بها الرياح، وقرر أن تبتعد عن الحكم على الآخرين، عن انتقادهم، عن التحدث عن شرفهم، وعن طريقة تصرفهم. الحكم هو جهنم، وهو مقيد للإبداع، ومقيد للمهارات، ومقيد لاكتشاف القدرات الإنسانية. فلنرحم أنفسنا والآخرين ولنصرف تركيزنا عن عوالم بعيدة عنا، إذا لم نساعدهم فليكن لنا نصيب في البعد عنهم وتمني الهداية لهم ولأنفسنا.
KELTOUM AGOURRAME
كاتبةكلثوم اكرام أعمل كمختصة اجتماعية في مؤسسة تعليمية،وابلغ من العمر 27 سنة،ولدي ميل للكتابة اكتشفته منذ فترة ولابد أن يحمل هذا الميل الهام لمساعدة الناس للتغيير للأفضل. ان وجودنا تعبير عن روح تعرف ما فيها وما عليها،ومتى اكتشف الانسان سبب وجوده وهدفه في الحياة سمح له ذلك بعيش الحياة بأسلوب أكثر جودة وباحساس هائل.