مقدمة

منذ انطلاقة رؤية المملكة العربية السعودية 2030، أصبح واضحًا أن الشباب السعودي هم المحور الأساسي لتحقيق هذه الرؤية الطموحة. فبنسبة تتجاوز 70% من عدد السكان تحت سن الـ35، تمتلك المملكة ثروة بشرية هائلة، قادرة على قيادة التحول الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ولكن، كيف يمكن فعلاً أن يكون الشباب جزءًا فاعلًا في تحقيق هذه الرؤية؟ وما هي الأدوار التي يمكن أن يلعبوها على أرض الواقع؟
1. الشباب وريادة الأعمال: من التوظيف إلى التوظيف الذاتي
في الماضي، كان طموح الشاب السعودي غالبًا هو الوظيفة الحكومية، لكن اليوم تغيّر المشهد. مع برامج مثل منشآت وباب رزق جميل، صار من الطبيعي أن ترى شبابًا يؤسسون مشاريعهم الخاصة، من تطبيقات إلكترونية إلى مطاعم فريدة ومشاريع تقنية متقدمة.
مثال:
"نورة الشهري"، شابة سعودية بدأت مشروعها الصغير لصنع القهوة المختصة في مدينة أبها. بدعم من برامج تمويل صغيرة، أصبح لديها اليوم 3 فروع، وتوظف أكثر من 15 شابًا وشابة سعوديين. هذه قصة واحدة من آلاف القصص التي تعكس التحول الكبير في عقلية الجيل الجديد.
2. التعليم والتأهيل: الجامعات ليست نهاية الطريق
رؤية 2030 أكدت على ضرورة تطوير المهارات، وليس فقط الحصول على شهادة. من هنا، نشأت مبادرات مثل "مسك المهارات"، و**"أكاديمية سدايا"**، وغيرها، لتزويد الشباب بالمهارات المطلوبة في سوق العمل مثل الذكاء الاصطناعي، تحليل البيانات، البرمجة، التصميم، وريادة الأعمال.
مثال:
عبدالله الغامدي، خريج علم اجتماع، قرر أن يلتحق بدورات تحليل البيانات، وحصل على وظيفة في إحدى شركات التقنية الكبرى، رغم أن تخصصه لا علاقة مباشرة بالمجال. هذه المرونة والتكيف مع متطلبات السوق هو ما تحتاجه الرؤية.
3. العمل التطوعي: شباب يبنون وطنهم بأياديهم
العمل التطوعي ليس فقط مساعدة، بل هو بناء. ومشاركة الشباب في العمل المجتمعي أصبح أمرًا مشهودًا، من تنظيم الفعاليات إلى المبادرات البيئية والثقافية.

مثال:
مبادرة "لنمشي معًا" في مدينة الرياض، نظمها مجموعة من الشباب لتشجيع كبار السن على المشي في الحدائق العامة، ووفّروا متطوعين لمرافقتهم وتوفير مياه ومعدات طبية بسيطة. المبادرة لاقت دعمًا واسعًا من المجتمع المحلي، وأصبحت تُنظم أسبوعيًا.
4. المشاركة في الحوكمة وصنع القرار
اليوم، الشباب ليسوا فقط منفذين، بل شركاء في صنع القرار. الكثير منهم أصبحوا أعضاء في المجالس البلدية، أو مستشارين في برامج حكومية، أو حتى ممثلين في منظمات دولية.
مثال:
مها السبيعي، عُينت في فريق استشاري تابع لوزارة الاقتصاد، وقدّمت مقترحات لتحسين بيئة العمل للمرأة السعودية. صوتها اليوم مسموع، ولها تأثير فعلي في السياسات العامة.
5. الفن والثقافة: الشباب يعيدون تعريف الهوية السعودية
من خلال الموسيقى، التصوير، الكتابة، وصناعة الأفلام، يعبّر الشباب عن هويتهم الجديدة التي تجمع بين الأصالة والانفتاح. هيئة الترفيه وهيئة الثقافة قدّمت فرص غير مسبوقة لجيل جديد من الفنانين.
مثال:
فيلم "سيدة البحر"، الذي أخرجته الشابة شهد أمين، عُرض في مهرجانات دولية ونال جوائز عالمية. وهو مثال حي على كيف أن الشباب يمكن أن يحملوا صوت السعودية إلى العالم بطريقة فنية وإنسانية.
6. الشباب والتقنية: مستقبل الاقتصاد الرقمي بأيدي سعودية
من المحاور الأساسية في رؤية 2030 هو التحول الرقمي، والشباب هم الفئة الأكثر تأهيلاً للقيادة في هذا المجال. المملكة تسعى لتكون مركزًا عالميًا في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، البيانات الضخمة، والتقنيات المالية (FinTech).
مثال:
برنامج "طويق 1000" التابع لأكاديمية طويق، خرّج آلاف الشباب من الجنسين في مجالات الأمن السيبراني، الذكاء الاصطناعي، والبرمجة. ومن أبرز قصص النجاح، الشاب "علي الحربي"، الذي أسس منصة تقنية تساعد الشركات على تحليل سلوك العملاء باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتم دعمه من هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
7. تمكين المرأة السعودية: جيل جديد من القياديات
رؤية 2030 ركزت على رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل، ودعم مشاركتها في جميع المجالات. هذا التغيير التاريخي فتح آفاق جديدة أمام الشابات السعوديات.
أمثلة بارزة:
- غادة المطيري، عالمة سعودية في مجال النانو تكنولوجي، تُدرّس في جامعة كاليفورنيا ولها براءات اختراع.
- رزان العقيل، أول شابة سعودية تلقي كلمة في الأمم المتحدة كممثلة للشباب العربي.
- مشاعل الشميمري، أول مهندسة صواريخ سعودية، تعمل مع وكالة ناسا.
اليوم نرى المرأة تقود السيارة، تدير شركات، وتشارك في صناعة القرار، وهذا بفضل التغيير الشامل الذي قادته الرؤية، والذي دعم تمكينها في كل المجالات.
8. السياحة والترفيه: شباب يصنعون تجربة الوطن
من أبرز أهداف الرؤية تنويع الاقتصاد، ومن أكبر مجالات الاستثمار: السياحة والترفيه. هنا يلعب الشباب دورًا محوريًا، سواء كمنظمين، مرشدين سياحيين، مصممي تجارب، أو حتى كرواد أعمال يقدمون خدمات سياحية مبتكرة.
مثال:
برنامج أهلها لتدريب الشباب على مهارات الضيافة، خرّج المئات من الشباب للعمل في فعاليات موسم الرياض، موسم جدة، والفعاليات الرياضية الضخمة. وشركة "مغامر" التي أسسها شباب سعوديون تقدم تجارب مغامرة في جبال العلا والباحة، وتستقطب آلاف الزوار شهريًا.
9. الهوية الوطنية والقيم: شباب يحملون الرسالة
في ظل التغيرات الكبيرة، حرصت رؤية 2030 على تعزيز القيم الوطنية والهوية السعودية، وجعلها أساسًا للتحول. الشباب اليوم لا يكتفون بأن يكونوا سعوديين بالهوية فقط، بل يعبرون عن حبهم للوطن عبر المبادرات الثقافية، المحتوى الإبداعي، والمشاركة في تمثيل المملكة عالميًا.
مثال:
قناة “سعودي ريبورترز” التي يقدمها شابان سعوديان بأسلوب عصري وترفيهي، تنقل صورة إيجابية عن السعودية وتعرّف العالم على الثقافة المحلية بلغة يفهمها الجيل الجديد.
10. المجتمع المدني والمبادرات الشبابية
إحدى الركائز المهمة في الرؤية هي تفعيل دور القطاع غير الربحي ورفع مساهمته في الناتج المحلي. الشباب اليوم لا ينتظرون الدولة فقط، بل يبادرون بمشاريع تطوعية، بيئية، ثقافية، تعليمية... وكلها تسهم في بناء مجتمع متكافل.
مثال:
مبادرة "نبتة" في المدينة المنورة، أطلقها شباب يهتمون بالتشجير وحماية البيئة، زرعوا أكثر من 50 ألف شتلة في مناطق مختلفة من المدينة، بالشراكة مع المدارس والأهالي والجهات الحكومية.
التحديات التي يواجهها الشباب السعودي (والحلول)
لا يمكن الحديث عن دور الشباب بدون الاعتراف بالتحديات:
- قلة الفرص الوظيفية لبعض التخصصات.
- ضعف التدريب العملي في بعض الجامعات.
- الحاجة إلى تسهيل الإجراءات للمشاريع الصغيرة.
لكن الحكومة بدأت بالفعل بمواجهتها عبر:
- إطلاق برنامج تنمية القدرات البشرية.
- دعم برامج العمل المرن والعمل عن بُعد.
- تقديم التمويل والإرشاد للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
خاتمة موسعة:
الشباب السعودي لا يعيش عصرًا عاديًا، بل يعيش عصر التحول. والجميل أن هذا التحول ليس مفروضًا عليهم من الأعلى، بل هم مشاركون فيه، ومصممون له، ومُلهمون من خلاله. كل شاب سعودي اليوم، سواء كان في قرية أو مدينة، في وظيفة أو مشروع، في جامعة أو سوق العمل، هو جزء من الحكاية الوطنية الجديدة.
رؤية 2030 ليست مجرد خطة حكومية بل هي قصة كل شاب سعودي يسعى لتغيير نفسه، وأسرته، ووطنه.