خندق ماريانا: رحلة إلى أعماق الغموض البحري

محمد  المرغني
محرر محتوي
آخر تحديث:
وقت القراءة: دقائق
لا توجد تعليقات

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق

تسجيل الدخول

طول خندق ماريانا يبلغ 2542 كيلومترا، أي أكبر 5 أضعاف من الأخدود العظيم في ولاية أريزونا الأميركية (غيتي)طول خندق ماريانا يبلغ 2542 كيلومترا، أي أكبر 5 أضعاف من الأخدود العظيم في ولاية أريزونا الأميركية (غيتي)

تُعتبر غموضات البحار والمحيطات محط جذب للبشرية منذ القدم. ومن بين أعماق البحار تبرز خندق ماريانا، هذا الخندق العميق الذي يعد الأعمق في العالم، حيث يصل عمقه إلى أكثر من 11 كيلومترًا تحت سطح المحيط الهادئ. تجذب قوة هذا الخندق وغموضه العلماء والمستكشفين، مما يجعله موضوعًا شيقًا للدراسات والبحوث البحرية.

أصل الخندق وتكوينه

- تقع خندق ماريانا في المحيط الهادئ جنوب جزر ماريانا، ويتميز بتضاريس جيولوجية فريدة من نوعها. يعتبر تكوينه ناتجًا عن حدوث اصطدام لوحين قاريين، حيث اندفع لوح المحيط الهادئ تحت لوح المحيط الفلبيني، مما أدى إلى تشكل الخندق بفعل الانحدار الحاد.

- ويبلغ طول خندق ماريانا 2542 كيلومترا، أي أكبر 5 أضعاف من الأخدود العظيم في ولاية أريزونا الأميركية، غير أن خندق ماريانا أضيق إذ لا يتجاوز أقصى عرض له 69 كيلومترا.

- وتشتهر المنطقة المحيطة بالخندق بالعديد من البيئات الفريدة، ففيها منافذ يتدفق منها الكبريت وثاني أكسيد الكربون السائلان، وبراكين الطين النشطة والمخلوقات البحرية التي تكيفت مع الضغط البحري الذي يفوق الضغط عند مستوى سطح البحر بألف ضعف

في الطرف الجنوبي من خندق ماريانا توجد منطقة تشالنغر ديب بها أعمق نقطة في المحيط (نوا)في الطرف الجنوبي من خندق ماريانا توجد منطقة تشالنغر ديب بها أعمق نقطة في المحيط (نوا)

- وفي الطرف الجنوبي من خندق ماريانا توجد منطقة اسمها تشالنغر ديب (CHALLENGER DEEP) بها أعمق نقطة في المحيط، وقد كان من الصعب قياس عمقها من السطح ولكن في عام 2010 استخدمت الإدارة الوطنية -الأميركية- للمحيطات والغلاف الجوي "نوا" (NOAA) تكنولوجيا النبضات الصوتية عبر المحيط وحددت عمق "تشالنغر ديب" بمسافة قدرها 10 آلاف و994 مترا.

وفي عام 2021 وجد القياس باستخدام مجسات الضغط أن أعمق نقطة في تشالنغر ديب تبعد 10 آلاف و935 مترا عن السطح، وتراوحت التقديرات الأخرى بمسافات أقل من 305 أمتار.

أما ثاني أعمق بقعة في المحيط فهي أيضا في خندق ماريانا، ويطلق عليها "سيرينا ديب" (Sirena Deep)، وتبعد 200 كيلومتر عن تشالنغر ديب، ويبلغ عمقها 10 آلاف و809 أمتار، وبالمقارنة، فإن هذا العمق أكبر بمسافة 2147 مترا من ارتفاع قمة جبل إيفرست الذي يبلغ 8848 مترا فوق مستوى سطح البحر.

يبلغ ضغط الماء الهائل على قاع الخندق ما يزيد على 703 كيلوغرامات للمتر مربع، وهو ضغط أكبر من ألف ضعف الضغط الذي تشعر به عند مستوى سطح البحر، أو ما يعادل 50 طائرة جامبو فوق شخص.

هل نجح أحد في الغوص إلى أعماق خندق ماريانا؟

على مدى العقد الماضي، استكشفت العديد من الرحلات العلمية المأهولة وغير المأهولة خندق ماريانا وتنافست في تحطيم الرقم القياسي للوصول إلى أكبر عمق للقاع السحيق.

ففي عام 1875، اكتشف سفينة "إتش إم إس تشالنغر" (HMS Challenger) الخندق لأول مرة باستخدام معدات حديثة للسبر بالموجات الصوتية، أثناء رحلة طواف لها حول العالم.

وفي عام 1951، فحصت سفينة أخرى اسمها "إتش إم إس تشالنجر 2" الخندق مرة أخرى، وتكريما لهاتين السفينتين تم إطلاق اسم "تشالنغر ديب" على أعمق جزء من الخندق.

أما أول غواصة يقودها إنسان تصل إلى أعماق منطقة "تشالنغر ديب" هي غواصة "تريستي" (Trieste) التي قامت بهذه الرحلة في عام 1960 وكان يقودها ملازم البحرية الأميركية دون وولش، والعالم السويسري جاك بيكارد، ووصلت المركبة إلى عمق 10 آلاف و911 مترا.

وفي عام 2012، قاد جيمس كاميرون، المخرج السينمائي الشهير، منفردا غواصة "ديب سي تشالنغر" (Deepsea Challenger) للوصول إلى قاع منطقة تشالنغر ديب بعمق 10 آلاف 908 أمتار، وصور فيلما وثائقيا عن أعماق الخندق لصالح جمعية ناشونال جيوغرافيك.

وفي عام 2019، قاد المستكشف ورجل الأعمال فيكتور فيسكوفو مركبة أخرى اسمها "دي إس في ليميتينغ فاكتور" (DSV Limiting Factor)، ليحطم الرقم القياسي بالغوص لأعمق نقطة في تشالنغر ديب ووصل إلى عمق 10 آلاف و927 مترًا.

وبخلاف الرحلات المأهولة، كانت هناك رحلات غير مأهولة إلى الخندق قامت بها غواصات روبوتية لتوسيع حدود وآفاق المعرفة البشرية حول هذه الأعماق السحيقة للمحيط.

ففي عام 1995، جمعت الغواصة البحرية اليابانية "كايكو" (Kaiko) عينات وبيانات من الخندق، وفي عام 2009، وصلت الغواصة الأميركية المزدوجة المدار عن بعد "نيوريوس" (Nereus) إلى أعماق "تشالنغر ديب"، وظلت تسجل الفيديو لمدة 10 ساعات.

وفي عام 2021، جمعت البعثة الإسبانية "بعثة حلقة النار – الجزء الثاني" التي قامت بها منظمة "كالادان أوشينيك" صخورا من طبقة الوشاح الأرضية في أعماق خندق ماريانا تحتوي على حصائر ميكروبية.

الحياة البحرية

تعتبر منطقة خندق ماريانا موطنًا لتنوع بيولوجي هائل، حيث تعيش هناك مجموعة متنوعة من الكائنات البحرية المثيرة والنادرة. يمكن العثور على أنواع نادرة من الأسماك والمخلوقات البحرية الغريبة التي تتكيف مع الظروف القاسية للعمق البحري.

مخلوقات تعيش في خندق ماريانا

مسح مقطعي بالأشعة لسمكة الحلزون التي تعيش في قاع خندق ماريانامسح مقطعي بالأشعة لسمكة الحلزون التي تعيش في قاع خندق ماريانا

كشفت البعثات العلمية الأخيرة حياة مزدهرة ومدهشة في الأعماق السحيقة في خندق ماريانا وغيرها من الظروف القاسية المشابهة، وقد وصفتها ناتاشا غاللو، باحثة الدكتوراه في معهد سكريبس لعلوم المحيطات (Scripps Institution of Oceanography)، التي درست مقطع الفيديو الذي سجلته بعثة المخرج السينمائي جيمس كاميرون في الخندق في عام 2012، بقولها "الغذاء في خندق ماريانا شديد الندرة لبعد المضيق العميق السحيق عن الأرض، وقليلا ما تشق النباتات الأرضية طريقها إلى عمق الخندق، وعلى كائنات البلانكتون (العوالق) الميتة الغارقة من السطح أن تجتاز آلاف الأقدام كي تصل إلى الأعماق في منطقة "تشالنغر ديب. لكن بعض الميكروبات تعتمد في غذائها على المواد الكيميائية، مثل الميثان والكبريت، أما المخلوقات الأخرى فتلتهم الكائنات البحرية الأقل منها في السلسلة الغذائية".

مسح مقطعي بالأشعة لسمكة الحلزون التي تعيش في قاع خندق ماريانا (آدم سمرز – جامعة واشنطن)

أكثر الكائنات شيوعا في أعماق خندق ماريانا، على حد قول ناتاشا غاللو، هي الزينوفايفورا (xenophyophores)، ومزدوجات الأرجل (amphipods)، وخيار البحر الصغير (small sea cucumbers)، وقد رصدت أعداد الأخيرة بوفرة وأعداد كبيرة في الأعماق.

تشبه مخلوقات الزينوفايفورا الأميبا العملاقة، وهي تتناول الطعام عبر الإحاطة بطعامها ثم امتصاصه، أما مزدوجات الأرجل فهي مخلوقات لامعة تشبه الجمبري توجد بوفرة في الأعماق، لكن قدرتها على الحياة في هذا الضغط الرهيب أمر محير لأن قشور هذه المخلوقات ستذوب بسهولة تحت وطأة الضغط المرتفع في خندق ماريانا. ولكن في عام 2019، اكتشف الباحثون أن هناك عدة أنواع من المخلوقات التي تسكن خندق ماريانا تستخدم الألمنيوم المستخرج من ماء البحر في تعزيز قشورها.

وفي أثناء بعثة جيمس كاميرون العلمية في 2012، لاحظ العلماء ما يشبه الحصائر الميكروبية في منطقة "سيرينا ديب"، التي تقع إلى الشرق من منطقة "تشالنغر ديب"، وهذه الكتل الميكروبية تتغذى على الهيدروجين والميثان الذي تطلقه التفاعلات الكيميائية بين ماء البحر والصخور.

ومن أقوى الحيوانات المفترسة في المنطقة سمكة ذات شكل وديع ومخادع، ففي عام 2017 ذكر العلماء أنهم جمعوا عينات من سمكة غريبة أسموها "سمكة حلزون خندق ماريانا" (Mariana snailfish) وهي تعيش في أعماق تصل إلى 8 آلاف متر.

يبدو جسم السمكة الصغير ذو اللون الوردي الخالي من القشور بالكاد قادرا على النجاة في تلك البيئة القاسية، لكن هذه السمكة كانت مليئة بالمفاجآت التي سجلها الباحثون في ورقة بحثية نشروها في دورية "زوتاكسا" (Zootaxa). وقال الباحثون إن السمكة تهيمن على هذه المنظومة البيئية بقدرتها على الذهاب لأعماق لا تستطيع أي سمكة أخرى الذهاب إليها، واستغلال غياب المنافسين بالتهام الفقاريات الوفيرة التي تسكن قاع الخندق.

وختاما

باعتبار خندق ماريانا بوابة للكثير من الأسرار والغموض في عمق البحار، فإن استكشافه يمثل تحديًا مثيرًا للبشرية ويفتح آفاقًا جديدة للتفكير والاكتشاف. ومع استمرار التطور في التكنولوجيا والعلم، فمن المرجح أن يظل هذا الخندق محط جذب للباحثين والمستكشفين لفترة طويلة قادمة.

المراجع

1- معلومات عن "خندق ماريانا" أعمق نقطة على سطح الأرض (albawabhnews.com)

2- ماذا تعرف عن خندق ماريانا البحري.. أعمق منطقة في المحيط؟ | علوم | الجزيرة نت (ajnet.me)

محمد  المرغني

محمد المرغني

محرر محتوي

كاتب مقالات ومحرر محتوى، اتمتع بمهارات تحريرية ممتازة وقدرة على صياغة محتوى جذاب وملهم اكتب في جميع المجالات وخصوصا المجال الرياضي

تصفح صفحة الكاتب

اقرأ ايضاّ