حين لا نجد ما ننتقده، تصبح المرأة الهدف الأسهل.
في ظل النقاشات المتزايدة حول المساواة بين الجنسين، نجد أن هذا الموضوع، رغم أهميته، أصبح ممتداً إلى مجالات عديدة دون تحديد واضح للأهداف أو التأثير الفعلي. فقد تحوّل إلى خليط من العبارات المتفرقة والمشاريع غير المكتملة، مما أفقده قيمته الحقيقية وجعله يبدو وكأنه مجرد شعار أجوف.
المساواة بين الجنسين، في جوهرها، تهدف إلى تحقيق العدالة والفرص المتكافئة، لكنها في بعض الأحيان تُفسَّر بطرق سطحية تؤدي إلى تشويه المعنى الحقيقي لها. فبدلاً من التركيز على تحسين الفرص التعليمية والاقتصادية لكلا الجنسين، نجد أن البعض يتبنى مفهوم المساواة بطريقة غير متزنة، مما يؤدي إلى مشاريع غير مؤثرة تفشل في تحقيق أي تغيير حقيقي.
المثير للتساؤل هو كيف يمكن لبعض النساء أن يتجاهلن النعم التي يمتلكنها، ويصبحن مهووسات بمقارنة أنفسهن بالرجال في كل شيء، وكأن حياتهن يجب أن تكون انعكاسًا لحياة الرجل بكل تفاصيلها، متناسيات أن لكل جنس طبيعته وأدواره التي لا تعني بالضرورة التفوق أو الدونية، بل التكامل. المساواة لا تعني التماثل، بل تعني العدالة في الحقوق والفرص، دون أن يُفرض على أحد أن يكون نسخة من الآخر.
لذلك، يجب إعادة النظر في مفهوم المساواة، بحيث يكون قائماً على تحقيق التوازن والعدالة، وليس مجرد مطاردة للآخر أو محاولة إلغاء الفروقات الطبيعية التي تجعل لكل طرف دوره الفريد في المجتمع.
في مجتمعاتنا العربية، نجد أن الحديث عن المرأة يحتل مساحة واسعة من النقاشات العامة، سواء في المجالس أو الإعلام أو حتى على وسائل التواصل الاجتماعي. وغالبًا ما تكون المرأة موضوعًا حاضرًا بقوة، ليس فقط عند الإشادة بها أو الحديث عن إنجازاتها، بل أيضًا عندما لا نجد موضوعًا آخر للنقاش، أو حين نبحث عن شيء ننتقده.
المرأة كموضوع جاهز للنقاش
عندما تفرغ المواضيع وتنفد الحجج، يتحول الحديث تلقائيًا إلى المرأة: ماذا تفعل؟ كيف تلبس؟ كيف تتحدث؟ كيف تتصرف؟ وكأنها القضية الجوهرية التي لا يمكن تجاوزها. فإذا كانت ناجحة، يُقال إنها حصلت على نجاحها بطرق غير عادلة، وإن كانت تعاني، يُقال إنها مسؤولة عن معاناتها. وإذا خرجت إلى العمل، سُئلت لماذا لا تلتزم بالمنزل، وإذا بقيت في المنزل، سُئلت لماذا لا تخرج للعمل.
حين لا نجد ما ننتقده، تصبح المرأة الهدف الأسهل. فبدلًا من مناقشة الأزمات الاقتصادية، يتم انتقاد المرأة التي تعمل. وبدلًا من البحث في مشاكل البطالة، يتم اتهام النساء بأخذ فرص الرجال. وبدلًا من البحث في أوجه القصور في المجتمعات، يتم لوم المرأة على التغيرات الحاصلة وكأنها المسؤول الوحيد عن القيم والأخلاق.
يمكن تفسير هذا التوجه بعدة أسباب:
ما زالت بعض المجتمعات ترى المرأة ككائن تابع، يتحمل مسؤولية الحفاظ على الصورة المثالية للأسرة والمجتمع، وبالتالي يصبح من السهل إلقاء اللوم عليها.
مع تغير الأدوار التقليدية للمرأة، ظهرت مقاومة من بعض الفئات التي ترى في هذه التغيرات تهديدًا لمكانتها.
الهروب من القضايا الجوهرية: في كثير من الأحيان، يكون النقد الموجه للمرأة مجرد محاولة لصرف النظر عن المشاكل الحقيقية التي تتطلب حلولًا أكثر تعقيدًا.
إعادة توجيه النقاشات إلى القضايا الأساسية التي تؤثر على المجتمع ككل، بدلًا من اختزالها في دور المرأة.
تعزيز ثقافة النقد البناء، بحيث يكون الهدف هو تحسين الأوضاع وليس مجرد إلقاء اللوم على طرف معين.
دعم المرأة وتمكينها بدلًا من محاصرتها بنقد دائم لا طائل منه.
في النهاية، المرأة ليست قضية للجدل المستمر، بل هي نصف المجتمع الذي يساهم في بنائه، ومن الظلم أن تكون دائمًا موضع الاتهام عندما يعجز الآخرون عن إيجاد مواضيع أكثر أهمية للنقاش.


بشرى حسن الأحمد
كاتبة مقالات اجتماعيةحاصلة على شهادة سينريست و إخراج كاتبة مقالات اجتماعية و متنوعة ناشطة اجتماعية و محاورة بقضايا المرأة