المقاومة بين الاحتواء والاستئصال "قراءة استراتيجية في خيارات الاحتلال وتحديات الحركة"

من المسلَّم به لدى منظومة الاحتلال الإسرائيلي أن القضاء التام على المقاومة الفلسطينية يُعد هدفًا بعيد المنال، بل يكاد يكون مستحيلًا، وهو ما أثبتته تجارب التاريخ منذ بداية المشروع الصهيوني في فلسطين.
يقول الفريق متقاعد بن هودجز، القائد العام السابق للجيش الأمريكي في أوروبا“للقضاء على حماس أو تدميرها، سيتعين على إسرائيل أن تدمر السبب الجذري لوجود حماس. وهذا يعني أنه سيتعين على إسرائيل قبول التقدم في المفاوضات نحو حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية.
فمنذ أن وطئت أقدام الاحتلال أرض فلسطين، والمقاومة تتجدد بصور وأشكال متعددة، دون أن تُفلح كل محاولات قمعها في إطفاء جذوتها
تجربة "أوسلو" التي قسّمت الشارع الفلسطيني وأضعفته، تمثل نموذجًا حيًّا لاستراتيجية الاحتلال القائمة على التحييد ثم الاحتواء، لا على الاستئصال.
"يقول منتمون الى حركة فتح إن دور الحركة تراجع أصلا في الشارع الفلسطيني "منذ توقيع اتفاقية أوسلو، وانغماس القادة في وظائف السلطة الوطنية".

فقد أخفقت إسرائيل في القضاء على حركة "فتح" حين كانت تمثل مشروعًا مقاومًا، لكنها استطاعت بتحييدها سياسيًا واحتوائها في بنية السلطة الفلسطينية أن تُفرغها من مضمونها التحرري، وتحوّلها من حركة مقاومة إلى جهة وظيفية تابعة، تخدم – ولو بغير قصد – الأهداف الأمنية والسياسية للاحتلال.
قال القيادي في حركة فتح زياد أبو طه إن أقوى سلاح استخدمته “إسرائيل” في معركتها ضد الشعب الفلسطيني هو صمت حركة فتح القاتل وتحييدها بالمطلق وتحويل بعضها إلى أبواق تخدمها والبعض الآخر إلى مصححين بالقلم الأحمر ليس بشفافية الأحرار لكن بمنطق المتربصين.

هذا النموذج يُسلط الضوء على تساؤل جوهري يفرض نفسه اليوم: هل يسعى الاحتلال إلى القضاء على "حماس"، أم إلى احتوائها بنفس الأسلوب؟
منطق المقاومة: معادلة الاستمرار

تعتمد استمرارية المقاومة على عنصرين أساسيين:
1. وجود الاحتلال، بوصفه أصل المشكلة ومصدر التوتر الدائم.
2. وجود الشعب الفلسطيني، الذي يشكل الرافعة الاجتماعية والشرعية للمقاومة.
ما دام هذان العنصران قائمين، فإن جذور المقاومة ستظل حية، حتى لو تغيرت الأطر التنظيمية التي تمثلها. وبالتالي، فإن القضاء على "حماس" بوصفها حركة مقاومة لن يعني بالضرورة نهاية المقاومة، بل قد يفتح الباب أمام بروز أطر جديدة أكثر جذرية وربما أقل قابلية للاحتواء.
في المقابل، تُدرك إسرائيل أن القضاء على حركة بحجم "حماس" يتطلب كلفة بشرية وسياسية هائلة، وقد لا يُحقق نتائج نهائية، كما أن ذلك قد يُعيد توحيد الشارع الفلسطيني خلف المقاومة. لذا، فإن الخيار الأنسب للاحتلال هو التحوُّل إلى استراتيجية الاحتواء، كما فعل سابقًا مع "فتح"، من خلال:
1. تحييد حماس ميدانيًا وعقائديًا.
2. دمجها في مشهد سياسي تحت سقف الاحتلال.
3. استخدامها لاحقًا كأداة ضغط داخلي ضد حركات المقاومة الأخرى.
الأهداف الإسرائيلية من الاحتواء
الاحتلال يحقق عبر هذه المقاربة هدفين استراتيجيين:
1. تطبيع وجوده في الوعي الفلسطيني والدولي، من خلال الحصول على اعتراف ضمني بشرعيته على الأرض المحتلة، وإظهار أي مقاومة مستقبلية كفعل "عدواني" من شعب معترف بـ "إسرائيل" كمجاورة له.
ظهر مصطلح "التطبيع" بحمولته السياسية بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع "إسرائيل" سنة 1979، التي نصّت على أن يقيم الطرفان فيما بينهما "علاقات طبيعية" كالتي تقوم بين الدول في وقت السلم.
2. إدامة الانقسام الداخلي، بحيث تصبح الساحة الفلسطينية في حالة صراع دائم بين مؤيدين ومعارضين، ما يُضعف الجبهة الداخلية ويُسهل تفكيك البنية المجتمعية لأي مشروع مقاوم جديد.
خيارات "حماس" في ظل الخناق المتزايد

في ظل العدوان المتواصل والمجازر الإسرائيلية الممنهجة، ومع تصاعد الضغوط الدولية والإقليمية، تبرز أمام "حماس" خيارات صعبة، منها:
1. الاستمرار في النهج القتالي المباشر رغم الكلفة العالية.
2. الانخراط المشروط في مسار سياسي تفاوضي، كوسيلة تكتيكية للخروج من الأزمة، دون التخلي عن ثوابتها الوطنية.
3. الانفتاح على خيار التفاوض لا يعني الانسلاخ عن المشروع التحرري، بل قد يُشكّل رافعة جديدة إن أُديرت بوعي استراتيجي، بشرط عدم تكرار فخ "أوسلو" الذي أدى إلى تحويل المقاومة إلى سلطة بلا سلطة.
نحو مسار تفاوضي مشروط
إن تبنّي مسار تفاوضي مباشر مع الاحتلال، برعاية دولية أو إقليمية، يجب أن يُبنى على الأسس التالية لضمان عدم انحرافه:
1. التشاور الوطني الشامل مع فصائل المقاومة والوسطاء الإقليميين، بهدف بلورة موقف موحد مبني على دراسة الجدوى والنتائج المتوقعة.
2. تحديد هدف تفاوضي واضح، وهو: إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود 1967.
3. الربط بين الاعتراف المتبادل وقيام الدولة، إذ لا يجوز الاعتراف بـ "إسرائيل" إلا من دولة مستقلة قائمة.
4. اعتماد سياسة النفس الطويل في التفاوض، واستغلال الوقت في إعادة الإعمار، وترميم الصف الوطني، وتحصين الجبهة الداخلية.
5. تهيئة الشارع الفلسطيني سياسيًا ونفسيًا، عبر الخطاب الإعلامي والتثقيف السياسي، للتفاعل الإيجابي مع هذا التوجه كمرحلة مؤقتة، لا بديلًا عن المشروع التحرري.
الخلاصة
تتطلب المرحلة الحالية قراءة دقيقة لعقلية المحتل، واستثمار التناقضات داخل منظومته، وتفادي إعادة إنتاج تجارب ثبت فشلها. إن المواجهة بين مشروع الاحتلال والمقاومة لا تقتصر على الميدان، بل تمتد إلى أدوات السياسة والتكتيك. والمطلوب من "حماس" وفصائل المقاومة جميعًا، إدارة الصراع بمرونة استراتيجية دون الوقوع في فخاخ الاحتواء أو التسوية الوهمية.
المراجع

حرب غزة: هل يمكن لإسرائيل القضاء على حماس؟ - BBC News عربي
هل يمكن لإسرائيل فعلاً القضاء على حماس؟ أم أنها حدّدت لنفسها هدفًا عصيًّا على التحقيق؟
تصفح المرجع
هل يمكن فعلاً القضاء على حماس؟ - المركز العربي لدراسات التطرف
إن الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حماس ـ والتي حولت قطاع غزة المحاصر إلى أرض محروقة ـ دخلت الآن شهرها الثالث. وتقول السلطات الصحية هناك إن الهجوم، الذي بدأ في 7 أكتوبر / تشرين الأول بعد أن قتل مسلحو حماس حوالي 1200 شخص في إسرائيل، واحتجزوا 240 آخرين رهائن، أدى الآن إلى مقتل أكثر من …
تصفح المرجع
حرب غزة: هل يمكن لإسرائيل القضاء على حماس؟ - BBC News عربي
هل يمكن لإسرائيل فعلاً القضاء على حماس؟ أم أنها حدّدت لنفسها هدفًا عصيًّا على التحقيق؟
تصفح المرجع
ما هي أهداف إسرائيل السياسية من الحرب؟... قراءة في أبرز النقاشات الأمن
تجمع هذه المقالة خلاصة ما تداولته معاهد ومراكز التفكير الاستراتيجي المناصرة لإسرائيل حول "مستقبل قطاع غزة" بناء على ما هو أفضل بالنسبة للأمن القومي الإسرائ
تصفح المرجع