الفاجعة قصة واقعية ونهاية مفجعة غير متوقعة
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخولظل السيد س لفترة طويلة من حياته يعتقد أنه الشخص القوي والمحظوظ، الذي استطاع أن يحظى بحياة مستقرة ومرفهة، وخاضعة لسيطرته تماماً، فهو الوحيد المتحكم بمفاتيحها، والضابط لإيقاعها، وهذا مما كان يملؤه فخراً بنفسه وزهوا بها، فزوجته الحسناء والتي كان شديد الغيرة عليها كانت تتفهم هذا، فلم تكن تخرج أو تدخل إلا بتعليماته المشددة، وكان هو موظفاً كبيراً في شركة مرموقة، فكان مطمعا لكثير من الحسناوات أيضاً، الباحثات عن المال أو عن فرص في العمل، ولم يكن يوفر إحداهن أبداً، بل كان يعتقد أنهن مكافأة الحياة له على قوة شخصيته وحسن إدارته للحياة.
التقيت بهذا الرجل لأول مرة في معرض فني لأحد الأصدقاء، الذي أنهى مؤخراً دراسته للفنون التشكيلية في إحدى الجامعات الأجنبية، وكانت تصله بهذا الرجل صلات قرابة بعيدة.
كان في الحقيقة رجلاً مزهوا بنفسه لحدود مزعجة أحياناً، وكان يتحدث كأنه الخبير الذي فوضته الحياة كناطق رسمي عنها، وخلال فعاليات افتتاح المعرض صدرت عن السيد س لفظة لم تكن بالمهذبة، ولم تكن في موقعها، فساد الصمت للحظات قال صديقي بعدها محاولا أن يلطف الأجواء قليلاً: كلنا قد نخطئ أحياناً.
فرد السيد س فيما بين الجاد والممازح: نحن قوم لا نخطئ وإن أخطأنا لا نعرف الاعتذار!
أما زوجته التي التزمت الصمت طيلة الوقت، وراحت تتجول بين لوحات المعرض وتتأملها بنهم، لاحظت أنها كانت تسترق النظرات إلى صديقي المفعم بالحياة والطموح والأفكار التحررية.
اقرأ ايضا
في اليوم التالي قال لي صديقي خمن من اتصل بي اليوم؟ قلت مسرعاً: زوجة السيد س.
سألني مندهشا كيف عرفت؟ والحقيقة أن الأمر لم يكن مستغرباً أو مستبعدا بالنسبة لي، فقد لاحظت من نظراتها اهتماماً بصديقي وأعماله الفنية، وربما بأفكاره التحررية.
قلت له: إنه الحدس، لكن قل لي ما الحوار الذي دار بينكما؟
قال: لا شيء، هنأتني بمعرضي وأبدت إعجابها بلوحاته، وأخبرتني أنها من هواة الرسم، لكن ظروفها لم تسمح لها بتطوير هوايتها هذه، واعتذرت عن ما بدر من زوجها من تصرف مخجل كما قالت.
ولاحقاً توالت الاتصالات بينهما وتعمقت العلاقة أكثر فأكثر، وراحت تشكو له من علاقتها المربكة والمتوترة مع زوجها، فقد تزوجته مرغمة تحت ضغط أهلها، الذين رأوا فيه فرصة مناسبة لا تعوض، رغم أنه كان يكبرها بأكثر من خمسة عشر عاما، إلا أنه كان مكتفيا مالياً، وذو مكانة اجتماعية مرموقة، ولا شك أنه سيستطيع أن يسعد ابنتهم ويكفيها، لكن الأمر لم يكن كذلك أبداً، فلم تشعر هي في يوم أنها أكثر من جارية في قصر فسيح لا حياة فيه، ولا سلطة لها على أي شيء فيه، ولا حتى على نفسها، وهو كان يؤكد لها على هذا الأمر مراراً، ويشعرها بأنه إنما اشتراها بماله، وأنه بإمكانه شراء أخريات غيرها لو أراد، وهي التي اعتادت على شيء من رفاهية الحياة التي كان يوفرها لها كانت تخشى أن تفقدها حقا، كما كانت تخشى بطشه ورعونته، فكانت لا تظهر له إلا مشاعر الرضا والامتنان لما يغدقه عليها من الأعطيات، لكنها ومن وراء هذا الرضا والامتنان كانت تنتقم منه انتقاما قاسياً جداً، فكانت تمنح نفسها لأي رجل تسمح لها الظروف بالانفراد به، وربما أيضاً تختار أسوأ الرجال وأقلهم شأنا إمعانا منها في الانتقام من زوجها!
بعد حين من الزمن شعرت أنها تلوث نفسها أكثر فأكثر، دون أن يكون للأمر تأثير في زوجها الذي لا يعلم إلا أنه مالك زوجته الوحيد، والرجل العتيد المسيطر على شؤون أسرته سيطرة تامة، وبالطبع فهي لن تجرؤ على إخباره بمغامراتها الانتقامية الكثيرة التي أقدمت عليها في خلسة منه، ولذلك وحين اشتد عليها ضغط غروره وكبريائه الأجوف من ناحية، وضغط مشاعر الذنب والإثم من الناحية الأخرى، طلبت الطلاق وأصرت عليه إصراراً شديداً، متنازلة في سبيل الحصول عليه عن كل حقوقها.
كان طلبها صدمة كبيرة للزوج الذي اعتقدها للوهلة الأولى تمازحه، أو ربما ترغب في اختبار مدى تمسكه بها، فقرر أن يمازحها أيضاً، وقال لها: جهزي نفسك للطلاق فهو رغبتي أيضاً، فأنا عزمت على الارتباط بامرأة أخرى، وهذا سيسهل الأمر كثيراً.
لم تكترث لما قاله أبداً، ولم تبد أي تراجع عن موقفها، فهو بالنسبة لها لم يقل شيئاً جديداً، ولم يظهر بغير صورته القبيحة والمقززة نفسها بالنسبة لها، والتي عايشتها وتشربتها حد التقيؤ.
أما بالنسبة للسيد س فكان الأمر مربكا جداً ومقلقا، وربما يطعن في رجولته التي يعتز بها، ويهز صورته ومكانته في محيطه الاجتماعي إن لم يكن يزلزلها، فهذا الأمر سيفتح الأعين ويطلق الألسنة التي استطاع لسنوات عديدة أن يخرسها.
إنه لمأزق كبير لم يتوقعه أبداً، حاول بكل جهده أن يثنيها عن قرارها فلم يستطع، وحاول أن يضغط عليها من خلال أهلها فلم يتمكنوا أيضاً، حيث أنها كانت قد وصلت إلى نقطة اللاعودة، فلا شيء في الخلف يستحق الالتفات، ولا مشهد في الأمام يمكن أن يكون أسوأ مما عايشته سابقا.
بعد أخذ ورد وكثير من المحاولات المضنية انتهت المسألة بالطلاق فعلا، فلقد ظلت مصرة على موقفها حتى النهاية، والسيد س الذي شعر بالحرج الشديد، والذي لم يكد يفهم ما حدث أو يصدقه وهو المعتد برجولته، والكامل الأوصاف كما يرى نفسه، والذي تتنافس الحسناوات على التقرب منه، والمنفق بسخاء على بيته وأسرته، بحيث يحسدهم القريب والبعيد على ما يوفره لهم، وكل هذا لم يثنها عن موقفها أو يجعلها تتراجع عنه ولو قليلاً، كيف يعقل أن يرفض رجل بمثل مواصفاته بكل هذا الإصرار وهذه الشدة؟! كيف سينظر الناس للأمر وما الذي سيقولونه؟
لاحقاً وبعد أن امتص السيد س صدمته الأولى، أخبر المحيطين به من غير المطلعين على مجريات الأمور أن قرار الطلاق كان قراره هو، وأن طليقته كانت تعاني من مشاكل نفسية عديدة، حاول أن يتعايش معها وأن يحتويها، لكنها كانت أكبر مما يمكن احتماله، وأنه يستحق زوجة طبيعية يمكن التعايش معها وبناء أسرة هادئة مستقرة، وأن هذا ما ينوي فعله، وبالفعل فلم تمض عدة أيام حتى أعلن عن زواجه من (ست ستها) لكنه هذه المرة كان أشد حزما، ومحاولة لفرض سيطرته وتأكيد رجولته التي كان ينوي أن يثأر لها، ولاعتقاده أن سبب ما حدث سابقا كان بسبب تراخيه ولينه ودلاله الزائد لزوجته السابقة، وأن هذا لا ينبغي أن يحدث مجددا، لكن ما حدث أن طلبت الزوجة الثانية الطلاق بعد أشهر قليلة جدا من زواجهما، ثم لم تنتظر الوصول إلى تسوية ما بشأن طلاقهما فخلعته خلعا.
كانت هذه صفعة قاسية لم يحتملها، تركت أثراً بليغاً في نفسه وعلاقاته وعمله، وراح يحدث نفسه في الانتقام من كلا المرأتين، اللتين أفسدتا عليه حياته، وتسببتا له بجرح عميق لا يرجى شفاؤه، وأي انتقام هذا الذي سيشفي غليله؟!
ذهب السيد س إلى حيث تقطن طليقته الأولى مع طفليها منه، وهو بكامل غيظه ورغبته في الانتقام، وما إن فتحت الباب حتى دفعها إلى غرفة نومها وأحكم إغلاقها، وراح يغتصبها بعنف شديد، فيما راح الطفلان اللذان لم ينتبه لهما مع ثورة غضبه، يبكيان ويصرخان في رعب شديد، جعل أهل الحي يدخلون البيت في محاولة لإنقاذ المرأة، لكنه هدد وتوعد كل من يحاول اقتحام الغرفة بالقتل، وأطلق من مسدسه رصاصة تحذيرية جعلتهم يتراجعون، ولم يجرؤ أي منهم على اقتحامها، وفضلوا بدلاً من ذلك الاتصال بالشرطة التي وصلت متأخرة، حيث كان قد أحرق نفسه وأحرقها.
Ahmad eshoush
فنان تشكيلي وكاتب محتوى إبداعي متنوعفنان تشكيلي وكاتب محتوى إبداعي متنوع، لدي شغف كبير بالتأليف والكتابة الإبداعية ولدي أربعة كتب مطبوعة ومنشورة وأكثر من خمسة معارض فنية شخصية ونصبين تذكاريين في مدينتين من المدن الأردنية العريقة وحاصل على العديد من الجوائز في الشعر والقصة القصيرة واللوحة التشكيلية
تصفح صفحة الكاتب