الزائر الملهم: قصة فهمي عامل الإتصالات

كاتب مستقل ومنشئ محتوى
تاريخ النشر :
وقت القراءة: دقائق
الإلهام يمكن أن يأتي من أي مكان وأي شخص. في حياتنا، قد نتلقى زيارات غير متوقعة تحمل في طياتها رسائل أو أفكار تغير من نظرتنا وتدفعنا نحو تحقيق أهدافنا. من المهم أن نكون مفتوحي العقول والقلوب لاستقبال هذه الرسائل والاستفادة منها. كما يجب أن نتذكر أن الإيمان بقدراتنا والعمل الجاد هما مفتاحا النجاح، وأن التحديات التي نواجهها يمكن أن تكون فرصاً للنمو والتطور.

في أحد الأيام الصيفية الحارة، جاء عامل الاتصالات برفقة أحد الجيران إلى باب البيت واستأذن ابني بأن يخبرني إذا كنت أوافق بالسماح له بزيارتي والجلوس معي، ولن يطيل الجلوس. أذنت له ورحبت به، وطلبت من ابني تقديم واجب الضيافة له. جلس الزائر في غرفة المعيشة، وبدأت أشعر بالفضول لمعرفة من هو وما الذي جاء به إلي.

بادرته قائلة: "من فضلك، هل يمكنك أن تعرفني بنفسك؟"

ابتسم الرجل وقال: "بالتأكيد. اسمي فهمي المنزلاوي. لم أعرفك من قبل، ولكن طبيعة عملي الحكومي تجعلني مسؤولًا عن إصلاح أعطال التليفون الأرضي في القرى التابعة للمجلس المحلي.

صارت لدي علاقات جيدة مع بعض أهل القرية، وسمعت كثيرًا من الناس يدعون لك باسمك. لفت انتباهي ذلك، فسألت أحدهم عن حكايتك، وعزمت على زيارتك للتعرف عليك عن قرب."

بدأ فهمي يحكي لي حكايته، وكانت حكاية غريبة جدًا. قال: "عندما كنت في الخامسة من عمري، توفي والدي رحمه الله. كانت حالتنا صعبة جدًا، خاصة أننا كنا عدة أطفال ولم يكن لدينا سوى دخل بسيط جدًا. كنت أصغر إخوتي، وكانت أمي تدعوني لحجرة المعيشة لأحضر لهم الخبز ليأكلوا. كانت تضع يدي داخل شوال الدقيق، وكانت تجد منه بركة عجيبة. يظل الخبز الفلاحي فترة أطول من المعتاد لدينا، ويكفيهم ونفس الأمر بالنسبة لمخلل اللفت والجبنة المش والدقيق."

مرت السنون بصعوبتها وقسوتها علينا. وعندما وصلت إلى الصف السادس الابتدائي، وقع حادث غير متوقع. وقعت فوق لوح خشبي به مسمار فدكت رأسه المدببة في ساقي. نزع أحد المارة المسمار من ساقي، وحاولت أمي إسعافي بالطرق التقليدية البسيطة، إلا أن الألم كان يزداد يومًا بعد يوم.

قررت أمي أخيرًا أخذي إلى طبيب عظام. بعد الفحص، طلب الطبيب عمل أشعة لي. ذهبت أمي بي إلى مركز الأشعة وعادت بالأشعة. عندما جاء دوري ودخلت للطبيب، أخذ الطبيب الأشعة ونظر إليها. أكد التقرير وجود كسر في الساق، وأوصى بجبيرة جبس.

مرت الأيام ببطء شديد، ومع الألم المستمر، عادت أمي بي إلى الطبيب بعد شهر مع أشعة جديدة. دخلت السكرتيرة بالأشعة إلى الطبيب، لكنه اكتشف أن هناك خطأً. كانت الأشعة ليست لي، وأن الساق كان بها خراج من أثر المسمار، ما جعل الجبيرة خطأً طبيًا فادحًا تسبب في حدوث غرغرينا، ومن ثم بترها إلى أسفل الركبة بقليل.

كانت سنة حزينة، ولكن بدعم أسرتي ومن حولي، تم تأهيلي وتركيب طرف صناعي لي، تم تغييره عدة مرات مع نمو جسمي حتى استقر الأمر على الطرف الحالي. لم يكن يبدو عليّ أنني أتحرك بطرف صناعي، وكان حركتي طبيعية مع بعض العرج.

مرت السنوات وحصلت على دبلوم، خطبت وتزوجت، وعملت ضمن نسبة الحكومة لتوظيف فئة ذوي الاحتياجات الخاصة. أنجبت بنين وبنات وفتح الله عليّ، كنت أشتري بعض البنايات القديمة وأستثمر فيها. كنت محبوبًا جدًا من زملائي ورئيسي في العمل، وحظيت بثقته.

قلت له: "سبحان الله، قصتك ملهمة وأنت فارس من فرسان الإرادة. ربما كانت إعاقتك سببًا في حصولك على رزق لم يحصل عليه غيرك من أقرانك."

أجابني فهمي بابتسامة: "نعم، فقد حصلت على عمل حكومي بامتيازات لم يحصل عليها أقراني. بعضهم لم ينجب والبعض الآخر تأخر في الإنجاب أو أصيب بأمراض مزمنة، والبعض تأخر كثيرًا في الزواج."

كنت أستمع لفهمي وأشعر بتعاطف عميق. فعلى الرغم من اختلاف ظروفنا، كنا نتشارك نفس الإرادة والصبر في مواجهة تحديات الحياة. حكايتي كانت مشابهة نوعًا ما لحكاية فهمي.

قلت لفهمي بصوت هادئ: قال الله سبحانه وتعالى في سورة التوبة "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون", لقد تعرضت أنا أيضًا لحادث، بُترت فيه ساقي. وتوفي زوجي، تاركًا لي أطفالًا أعيلهم وحدي. مرت عليّ أيام صعبة، ولكني كنت دائمًا أؤمن بأن الله سيعوضني خيرًا. سمعت عني الناس بسبب صبري وتحملي، وربما لهذا السبب جئت لزيارتي اليوم."

نظر فهمي إليّ بعينين مليئتين بالاحترام وقال: "إنها حقًا إرادة الله، قصتك ملهمة وأنت أيضًا فارسة من فرسان الإرادة. لقد أعطاني حديثك اليوم دعمًا معنويًا كبيرًا."

كانت هذه اللحظة بالنسبة لي درسًا في الحياة والإرادة والصبر. رحلت عني تلك الليلة وأنا أشعر بالامتنان لهذا اللقاء الملهم.

الدرس المستفاد: الإلهام يمكن أن يأتي من أي مكان وأي شخص. في حياتنا، قد نتلقى زيارات غير متوقعة تحمل في طياتها رسائل أو أفكار تغير من نظرتنا وتدفعنا نحو تحقيق أهدافنا. من المهم أن نكون مفتوحي العقول والقلوب لاستقبال هذه الرسائل والاستفادة منها. كما يجب أن نتذكر أن الإيمان بقدراتنا والعمل الجاد هما مفتاحا النجاح، وأن التحديات التي نواجهها يمكن أن تكون فرصاً للنمو والتطور.

4o

علي حسن

كاتب مستقل ومنشئ محتوى

[علي حسن] هو كاتب مستقل ومنشئ محتوى مبدع، يتمتع بخبرة واسعة في مجال الكتابة والتدوين. يتميز بأسلوبه السلس والجذاب الذي يجذب القراء ويثير اهتمامهم بمحتوى متنوع يغطي مجموعة واسعة من الموضوعات. من خلال عمله كمستقل، تعاون مع العديد من الشركات والمؤسسات لإنشاء محتوى تسويقي مميز ومقالات متعمقة، بالإضافة إلى تقديم نصائح عملية وحلول إبداعية تلبي احتياجات عملائه. يحرص [علي حسن] على مواكبة أحدث الاتجاهات في صناعة المحتوى الرقمي، مما يجعله قادرًا على تقديم محتوى مبتكر يلبي تطلعات جمهوره. بفضل شغفه بالكلمات وقدرته على التواصل الفعّال، نجح في بناء قاعدة قراء واسعة وترك بصمة مميزة في عالم الكتابة الرقمية.

اقرأ ايضاّ