أمضي نحو الفكرة حيث التاريخ يكون

بشرى حسن  الأحمد
كاتبة مقالات اجتماعية
تاريخ النشر :
وقت القراءة: دقائق

حرية الفكر ليست مجرد إطلاق العنان للكلمات، بل هي فن التوازن بين التعبير والمنطق. فليس كل حديث يحمل قيمة، وليس كل نطق يرقى إلى مستوى الفكر. الإنسان الحر لا يصرخ عبثًا، بل يجعل من منطقه سيفًا يحارب به الجهل، ومن عقله منارة تنير بها دروب الحقيقة.

إن أخطر ما يواجه مجتمعاتنا اليوم هو الخضوع الأعمى للعادات والتقاليد دون تمحيصها بمنظار المنطق. فما قيمة إرث لا يخضع للعقل؟ وأين يقف الإنسان إن كان مجرد تابع لما وجد عليه أسلافه، دون أن يسأل نفسه: هل هذا صواب

الحضارة ليست في البناء الشاهق ولا في مظاهر الحداثة، بل في الفكر الذي ينهض بالأمة. وإن أمة لا تكتب تاريخها بوعي، ستجد نفسها مكتوبة في هوامش التاريخ لا في صفحاته. لا تكن مجرد متفرج على هذا المسرح العبثي، كن كاتبًا لمصيرك، فالتاريخ لا يحفظ الأصوات العالية، بل العقول التي فكّرت، راجعت، وغيّرت.

أما عن الحقيقة، فهي ليست ما يقال لك، بل ما تستطيع أنت أن تدركه بعقلك. فكما أن البحر أزرق لمن يراه، لا يمكن للمنطق أن يُنكَر لمن يستخدمه.

غدًا، حين يمضي الزمن في تقليب صفحاتك، وحين يفنى الجسد تحت وطأة السنين، ستبقى الكلمات شاهدةً على نبض روحك. فالحروف لا تموت، والمعاني لا تُدفن، بل تسكن في ذاكرة التاريخ، تتردد في العقول، وتنبض بالحياة كلما قرأها قلب متعطش للحقيقة. أنت لست مجرد جسدٍ زائل، بل فكرةٌ خالدة، ونبضٌ يمتد عبر الأجيال.

"المبادئ لا تقبل الجدل، فهي إما أن تكون راسخة في الإنسان، أو أن يكون مجرد ظل يتغير مع الظروف. إما أن تمتلك موقفًا واضحًا ورأيًا ثابتًا، أو أن تعيش بلا هوية حقيقية

تمضي في درب الوعي السليم، لا بحثًا عن مجرد فكرة، بل عن الفكرة المشبعة، تلك التي لا تترك فراغًا ولا تثير جوعًا. تمضي نحو الأحاديث الحسية، حيث الكلمة ليست مجرد صوت، بل نبضٌ يتردد في جوهر الإنسان.

لست ممتلئًا بالعلم لأنك راكمت المعرفة، بل لأنك أدركت أن الفهم لا يُقاس بالكَمّ، بل بالقدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، حتى حين يتشابهان في المظهر. فالمعرفة التي لا تُمحّص تبقى نصف يقين، والنصف الآخر ضياع.

احمل قلمك كما يحمل المحارب سيفه، لا ليصوغه من جديد، بل ليكشف به الحقيقة كما هي، حادة، قاطعة، لا تحتاج إلى زخرفة.

وامضِ بفكرتك كما لو أنها واقعٌ لا يقبل التشكيك، لا لأنها فرض، بل لأنها راسخة في جوهرك. ناقش كلمتك كأنها أنت، وكأنها التاريخ؛ لا تكتبها لتُنسى، بل لتحفر أثرها في العقول، فالكلمة التي تُناقش بصدق، تبقى، والكلمة التي تخشى المواجهة، تزول.

أمضي نحو الفكرة حيث التاريخ يكون
بشرى حسن  الأحمد

بشرى حسن الأحمد

كاتبة مقالات اجتماعية

حاصلة على شهادة سينريست و إخراج كاتبة مقالات اجتماعية و متنوعة ناشطة اجتماعية و محاورة بقضايا المرأة

اقرأ ايضاّ