أمة اقرأ لا تقرأ: أزمة القراءة والأمية الثقافية بمجتمعنا
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخوللقد عانيت نفسيا بمجتمعنا بسبب حكم بعض الأشخاص، والسبب أنني أحمل كتابا كأنها جريمة تقترف، فذات يوم كنت أعمل وفي كل مرة أجلس فيها أستغل الفرصة لكي أقرأ جزءا من كتاب، فمر شاب ونظر إلي وقال مستهزئا " أخاف أن يصيبك الجنون وأنت تقرأين الكتب"، والغريب أنه كل ما مر أعاد نفس الكلام، إلى جانب أنني سألت إحدى صديقاتي عن شيء لا يعجبها في شخصيتي ( لأنني أحيانا أسأل الآخرين لأعرف الطريقة التي يرونني بها، وأخذ بعض الملاحظات على محمل الجد وأتغير للأفضل، بينما الملاحظات الأخرى أدفنها تحت الأرض لأنها خرجت من نية حسد و غيرة)، فأجابت صديقتي أن ما لا تحبه في هو أنني: " أقرأ الكتب وأناقشها بأفكار الكتب".

تواجد الإنسان في مثل هذه البيئة لا شك أنها ستدفعه لترك القراءة، والابتعاد عنها بشكل كلي، في سبيل تحقيق الانتماء، والهروب من نظرة الآخرين، وأحكامهم القاسية، ومع وجود الشجاعة للمضي في طريقك الخاص، والإيمان بأهمية العلم وتأثيره الإيجابي على حياتك، سيجعلك لا تنصت إلا لصوتك الداخلي الذي هو متعطش للمعرفة والعلم، واكتشاف الحياة وما فيها من كنوز.
لم ألد في بيئة تقرأ الكتب، ولو تكن لدينا مكتبة بالمنزل فيها كتب، ولا أرى بمحيطي من يأخذ كتاب بيده ويذهب بعيدا للجبال ليقرأه بهدوء، وغياب مثل هذه الأشياء تجعل الإنسان الذي يؤمن بأهمية القراءة يخفي الكتاب عندما يسير بالطرقات، كما كنت أفعل، وهذه جريمة عظيمة تقترف في حق الرسالة الربانية التي جاءت لتجعلنا أعظم أمة وأقوى حضارة ليس بالسلاح، ولا بالبنايات الشاهقة، ولا بالكنوز الموروثة، إنما بالقراءة والعلم، لتكون سورة العلق أول سورة نزلت وقد بدأت بأعظم كلمة تغير الوجود وتخلق العالم، وهي كلمة " اقرأ" ، كلمة تعتبر نقطة البداية للوحي القرآني ، وتحمل رسالة قوية حول أهمية العلم والمعرفة.

إن التقارير الحديثة التي أصدرتها اليونسكو فيما يخص القراءة في مجتمعاتنا العربية توصلت إلى وجود مستويات متدنية للغاية، فمتوسط قراءة الشخص العربي دقائق في السنة، وأن هناك كتابا واحدا يصدر لكل 350 ألف إنسان عربي.
بأي طريقة سنصبح خير أمة أخرجت للناس، ونحن لا نقرأ، ونحن لم نعمل بالرسالة الربانية، بالآيات القرآنية،" قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور" (الرعد:16)، التي أتت كلها لتشغلنا بالعلم والبحث الاكتشاف، ولكن ماذا فعلنا في المقابل أصبحنا أناس منشغلين بثقافة شفهية تتحدث كلها عن الآخرين، واحتقارهم، والإساءة إليهم، في إطار من النميمة والغيبة.
إنني أرى القراءة هي قنديلك الذي سيعلمك الكثير وستكون لديك رؤية بنيتها من خلال تجربتك، وتجربة من مروا من قبل، فكل كتاب تقرأه، هو عقل يضاف إلى عقلك، وأفكار ورؤى جديدة تضاف إلى رؤياك، كأنها تعلمك أن الأفكار والرؤى بحر كبير لا نهاية له، فلا تتعلق بفكرتك وتعتقد أنها الحقيقة، فالحقيقة أكبر مما تتصور، ويعلمك التواضع، فلو ملكت الأفكار فهناك من يملكها وهي مختلفة تماما عن أفكارك، وتعلمك أن الأداة لفهم الآخرين ومشاركة تجاربهم الخاصة هي من خلال القراءة، وتتخيل معهم كل كلمة كأنك تعيش معهم تجاربهم الحياتية، والقراءة هي مفتاح التغيير للأفضل واكتشاف العالم وتشكيل رؤى مختلفة بعينين ولسان.

من أين تأتي بأفكارك، أغلب أفكارك ستأتي من محيطك وليس من قراءتك للكتب، وأقول لك بأن أفكار الكتب هي من ستجعلك تفكر أكثر لأنها تختلف وأنت ستحرك عقلك ليفكر وستشكل رؤية خاصة، ولا تعتقد أن الثقافة تبنى من الأخبار المروجة، فتلك لا تسمى ثقافة لأنها تبنى على أساس الترويج والإعلان للربح ولو على حساب استخدام الكذب وتشويه جهات والدفاع عن أخرى.
ماهي بعض فوائد القراءة؟
وأنا أكتب هذا العنوان عن فوائد القراءة، خجلت يداي وترددتا عن الكتابة، لأن القراءة في حد ذاتها فائدة عظيمة وذات شأن عظيم، لكن لا بأس من أجل مساعدة الآخرين على إدراك بعض فوائدها:
-قراءتك للكتب تمنحك معلومات عما يجري في أماكن أخرى، وتمنحك فرصة اللقاء بشخصيات مضت منذ قرون، وباكتشاف أحداث قديمة تراها بعيون اليوم وبتغيراته.
-قراءتك للكتب تجعلنا ندخل في عوالم من التفكير في وجودنا وأهميته.
-قراءتك توقظ الخيال، حيث أن الكلمات عبارات بسيطة تفتح أمام القارئ المجال لكي يتخيل ماذا يكمن وراء الكلمات.
-القراءة ترينا تجارب الآخرين، وتعلمنا كيف نواجه التحديات، ونستغل الفرص.
-القراءة تعلمنا أنه توجد حلول عديدة لنفس المشكلة باعتماد وجهات نظر مختلفة.
-القراءة تفتح ذهننا على أفكار ورؤى جديدة، وتعمق عملية الوعي اتجاه الحياة واتجاه أنفسنا.
-القراءة تعلمك لغة جديدة تتواصل بها وتمتلك بها رصيدا لغويا ضخما.
اسمح لي أن أقول: إن كونك لا تقرأ هو موت في حد ذاته، هو توقف لعملية الفكر، هو استسلام لواقعك، دون التفكير في التغيير وعيش حياة تستحق، اسمع لهذه الآية: "وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور"(فاطر22).
بعض دراسات هارفارد حول القراءة:
-وجدت أن القراءة تقلل من القلق والتوتر وتحسين النوم بنسبة 68%
دراسة نشرت في مجلة("Social science & Medicine ")
-دراسة وجدت أن القراءة تزيد من نشاط الدماغ وتحسن الذاكرة والتركيز
دراسة نشرت في مجلة( "Neurolmage" )
-دراسة وجدت أن القراءة تقلل من ضغط الدم وتحسن الصحة القلبية
دراسة نشرت في مجلة ("American Journal of Cardiology)
ما الذي يجب علي قراءته؟
اقرأ ما يستفز تفكيرك، ما تختلف معه، ما يجعلك تتساءل وتستخدم عقلك، ما يجعلك تراجع نفسك وتوسع دائرة معارفك لتتطور ذهنيا ، فلست طفلا صغيرا يلقنه الكبار ما يراد له، بل أنت ناضج وهبك الله عقلا تفكر وتميز به.

عزيزي القارئ، وعزيزتي القارئة إن ما العادة المشتركة بين كل ناجح في العالم هي عادة القراءة، فليكن لك نصيب من النجاح وخذ قرارا لأن تصبح قارئا مفكرا مغيرا.
KELTOUM AGOURRAME
كاتبةكلثوم اكرام أعمل كمختصة اجتماعية في مؤسسة تعليمية،وابلغ من العمر 27 سنة،ولدي ميل للكتابة اكتشفته منذ فترة ولابد أن يحمل هذا الميل الهام لمساعدة الناس للتغيير للأفضل. ان وجودنا تعبير عن روح تعرف ما فيها وما عليها،ومتى اكتشف الانسان سبب وجوده وهدفه في الحياة سمح له ذلك بعيش الحياة بأسلوب أكثر جودة وباحساس هائل.
تصفح صفحة الكاتب