الغربة جسر للفرص أم منفى للعمر؟ تأملات شخصية بين وهم المكاسب وحقيقة الفقد

صورة

الغربة ليست مجرد انتقال من وطن إلى آخر، ولا مجرد بحث عن رزق أو فرصة عمل، بل هي تجربة وجودية معقدة تتشابك فيها المشاعر والمعاني.

وما ستقرؤه في هذه السطور ليس بحثا أكاديميا ولا دراسة إحصائية بل هو نظرة تأملية شخصية تحاول أن تقترب من حقيقة الغربة. وهي محاولة لقراءة الغربة بعيون العقل قبل القلب علها تضيء شيئا من هذا الطريق الطويل الذي يسلكه كل مغترب.

الغربة في حياة الكائنات الحية 

الغربة أو الهجرة ليست حكرا على البشر فالكائنات الحية الأخرى تعيشها أيضا في دورة طبيعية مليئة بالصبر والتحدي. فالطيور المهاجرة تحلق آلاف الكيلومترات بعيدا عن أوطانها بحثا عن الطعام والمناخ المناسب فتعلمنا الصبر والتعاون والتكيف مع المتغيرات. 

والحيوانات البرية تتنقل بين الأراضي بحثا عن الطعام أو للتزاوج وحتى الحشرات والأسماك مثل: الفراشات الملكية وأسماك السلمون تسلك طرقا طويلة وشاقة لتأمين نسلها أو إكمال دورة حياتها فتصبح الغربة جزءا من رحلة البقاء والنمو.

 

الغربة في حياة الأنبياء 

الغربة أو الهجرة عاشها كثير من الأنبياء أيضا ولكن الغربة في حياة الأنبياء ليست مجرد بعد عن الأرض أو الأحباب أو سعيا وراء الرزق أو حياة أفضل بل كانت بهدف الدعوة ونشر الرسالة الإلهية بين البشر في الأرض كلها.

فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد هاجر إبراهيم عليه السلام من بلاده لتشييد دعائم التوحيد. وعاش موسى عليه السلام تجربة الغربة في مدين بعيدا عن وطنه ليتعلم الصبر والحكمة ويستعد لقيادة قومه. كما كانت غربة نبي الله يوسف عليه السلام قسرية لكن بالصبر والتقوى كانت غربته سببا لرفعة شأنه وسبب خير لأمته.وكذلك نبي الله لوط عليه السلام أمره الله بالابتعاد عن قومه هربا من الفساد الذي أحاط به فكانت غربته وسيلة لإنقاذ نفسه وأهله المؤمنين. وأخيرا هجرة خير الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة والتي كانت سببا في بناء مجتمع جديد على أسس العدل والدين.

باختصار الغربة في حياة الأنبياء ليست عشوائية أو مجرد حادثة تاريخية بل سُنة إلهية لتقوية الصبر والاعتماد على الله وصقل الشخصية وإعداد النفس لأداء رسالة سامية أو مهمة عظيمة.

الغربة بين الجسد والروح 

الغربة ليست مجرد انتقال جغرافي من بلد إلى بلد بل انتقال في كل شيئ في الجسد والروح والقيم والعلاقات والمشاعر وغيرها الكثير فالمغترب لا ينتقل بجسده فقط إلى ديار الغربة بل ينتقل بكل ما يحمله قلبه وعقله من ذكريات وأفكار ومشاعر وأحلام وآمال كبيرة تاركا خلفه دفء البيت والعائلة وحكايات الطفولة وجلسات الأصحاب.

الغربة ليست رحيل عن مكان بل هي رحيل عن ذاكرة عن رائحة الشوارع القديمة عن صوت الأهل هي غربة القلب قبل الجسد وامتحان للروح قبل العقل.

الغربة معلم صامت ومدرسة قاسية وثرية في نفس الوقت

الغربة هي معلم صامت ومدرسة قاسية وثرية في الوقت ذاته فيها يتعلم المغترب الصبر وتحمل صعوبات الحياة الجديدة ويصبح أكثر وعيا بقيمة الوطن والعلاقات والجذور التي تركها خلفه.

يدرك المغترب في غربته أن العمر قصير وأن استثمار الوقت في التعلم وتنمية الذات وبناء المستقبل ضرورة إنها رحلة صقل للروح والعقل تجعل المغترب أكثر وعيا وأكثر قوة وأكثر تقديرا للحياة بكل تناقضاتها.

في مدرسة الغربة يتعلم دروسا ثرية أهمها: اكتساب مهارات جديدة سواء على الصعيد المهني أو الثقافي أو الاقتصادي.

إضافة إلى ذلك الغربة تمنح الإنسان فرصة لتقدير الأشياء البسيطة التي ربما كان يتجاهلها في وطنه مثل لحظة لقاء مع الأهل أو صديق قديم أو مشهد يومي يبدو عاديا لكنه يحمل في طياته دفء الحياة فهي تجعل المغترب واعيا بأهمية الروابط الإنسانية.

ومن الدروس القاسية المؤلمة للغربة أنها تجعل المغترب يعيش شعور دائم بالحنين الذي يلتهم قلبه وروحه.

كذلك تلقي به في صراع بين ثقافة الوطن وثقافة البلد الجديد كما أن البعد عن وطنه ربما قد يضعف شعوره بالانتماء كما أن البعد عن الأحباب والعائلة والأصدقاء قد يخلق فجوات عاطفية لا تسدها المكالمات أو الرسائل بينما يمر العمر سريعا بلا عودة.

فلسفة الحياة والغربة والعمر الضائع 

الغربة تجعل الإنسان يتأمل في العمر الذي يمر بسرعة بين العمل والمهام اليومية وبين الفراغ العاطفي والحنين للأحباب فالعمر في الغربة قد يبدو ضائعا إذا لم يستثمر بوعي فتتراكم السنوات بلا حضور حقيقي في حياة الأهل كما أن نفس المغترب تتأرجح بين الحنين للوطن والرغبة في الاستقرار والنجاح بين ما فقد وما اكتسب.

أمل العودة للوطن بعيد المنال

كثير من المغتربين يعيشون في غربتهم على أمل العودة إلى أوطانهم يوما ما ذلك الأمل بعيد المنال وعن هذا يقول الأستاذ: سعيد السواح في مقاله (ملحمة الحنين وأوجاع الروح): " على الرغم من كل ما تقدمه الغربة من فرص للنمو والتطور يظل هناك حلم دفين يراود المغترب باستمرار وهو حلم العودة، قد لا تكون العودة مجرد رجوع للوطن بمعناه الجغرافي، بل هي استعادة للسلام الداخلي للهوية المفقودة في الغربة. هنا يصبح الوطن فكرة تسكن القلب يعيشه المغترب في خياله وذكرياته ويأمل في لحظة ما أن يتمكن من معانقته من جديد.

الأمل في العودة هو ما يعطي للحياة في الغربة معنى وهو ما يجعل الإنسان يستمر في كفاحه اليومي رغم كل ما يشعر به من ألم وعزلة. حتى وإن كانت العودة مستحيلة فإن الأمل يظل نورا يرشد الروح ويخفف عنها وطأة الغربة.

وأخيرا أعزائي القراء 

إذا كانت الغربة رحلة بين الألم والأمل بين الفقد والمكسب فماذا تعلمتم أنتم من ابتعادكم عن أوطانكم؟ 

وكيف يمكن للإنسان أن يحول تجربة الغربة إلى مصدر قوة وحكمة بدلا من أن تصبح عبئا على قلبه وروحه؟

أود منكم مشاركة آرائكم وأفكاركم

مصادر المقال 

📚 المراجع

كلمات عن الغربة - موضوع

. كلمات عن الغربة . أقوال عن الغربة كلمات عن الغربة ترك الوطن والاغتراب، هو موت قبل الموت، أن تعيش عمرك كاملاً باشتياق دائم لبيتك وأسرتك هذا هو الموت

تصفح المرجع ↗

📚 المراجع

هذا ما تعلمته من أول سنة غُربة!

ستمنحك الغربة الحرية التي لا ليس لها حدود، فلا أحد يراقبك ولا أحد يحاسبك، لكنها مقابل ذلك تحملك مسؤوليتها، فتمتحن ما تعتنقه من قيم ومبادئ.

تصفح المرجع ↗

📚 المراجع

الهجرة من سنن الأنبياء - ناصحون

إن إيذاء المشركين للمسلمين جعلهم يهاجرون، والإيذاء كما وقع على أفراد المسلمين، كذلك وقع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان آخر ذلك الإيذاء التآمر على قتله!

تصفح المرجع ↗