
لطالما كان الأدب سلاحًا قويًا في عالم يسعى في كثير من الأحيان إلى إسكات وقمع عقول وأصوات الكثيرين. لطالما أثبت رفع الصوت بواسطة الكلمات المكتوبة أنه عمل ثوري، عمل شجاع كان في أكثر من مناسبة شريكًا للحرية. لقد خلقت لويزا ماي ألكوت في أبطالها صورة لكل الأعمار، وكل المشاعر والرغبات التي يمكن أن يشعر بها معظمنا نحن القراء. الحرية، والأحلام، والنضج، والحزن لمغادرة الطفولة، كل شيء موجود، بل وأكثر من ذلك، قيمة الأدب كفعل ثوري، كراية للمرأة، وتحديدًا في سياق لم يكن فيه أن تكوني امرأة، أن تكوني كاتبة، أن تكوني مستقلة، خيارًا سهلًا، ولا للجميع. لم تبدع كتابًا مؤثرًا فحسب، بل كان صادقًا تمامًا بشأن الصعوبات والصراعات التي واجهتها النساء، بغض النظر عن أعمارهن، وهي صراعات لا تزل قائمة حتى اليوم.
"أريد أن أفعل شيئًا رائعًا. شيئًا بطوليًا أو رائعًا لن يُنسى بعد موتي. لا أعرف ما هو، لكنني أراقبه وأريد أن أذهلكم جميعًا يومًا ما."
كتاب ”نساء صغيرات“ هو كتاب يجب أن نقرأه جميعًا، يجب أن نعيد قراءته جميعًا، خاصة إذا حللنا العمل مع إعطاء الأهمية التي يستحقها لشخصيته الرئيسة الحقيقية: الأدب نفسه. بواسطة جو، تُظهر لنا ألكوت الكينونة المتسامية والقطيعة مع الحِقْبَة الماضية والرغبة في الحرية والتغيير. جو هي المسؤولة عن تجسيد القيمة الرئيسة للأدب، ليس فقط داخل العمل ولكن في حياة المؤلف ومجتمعه. الرسائل كسلاح للثورة داخل النواة الحميمة، داخل البيت الذي تقتصر عليه تلك المرأة. الكتابة والإبداع والتحدث عما كان ممنوعًا يعني استخدام الأدب بصفة سيف مسلولٍ في مواجهة ما كان ممنوعًا.
وكغيرها من النساء من قبل، تستخدم ألكوت قلمها لتنتقد مجتمعًا لم يكن يسمح برفع صوت المرأة من حبسها. فهي لا تجسد في نسائها الصغيرات التغيرات التي طرأت على المرأة والتحولات التي طرأت عليها فحسب، بل تجسد أيضًا الآداب المختلفة وحركات الفكر والتغيرات الاجتماعية في بيت ينتقل من الحرب إلى السلام، ومن الفتاة إلى المرأة والأم.
إنه لأمر رائع أن نرى في الكتاب، عندما دمرت أيمي كتابات جو، الغضب والخراب الذي يثيره ذلك في جو. هذا للوهلة الأولى هو رد فعل فتاة شابة تتعرض للهجوم، لكنه أيضًا على نطاق أوسع تمثيل أمين لحالة الغضب واليأس، لحالة العجز الذي كانت تعيشها المرأة في عصر كان يُستهان بها دائمًا، وكان يتم إبطالها دائمًا، ولم يكن مسموحًا لها بالكتابة، ولم يكن مسموحًا لها بذلك، وكانت عرضة لتدمير فنها وحرقه.
”خذ بعض الكتب واقرأ؛ فهذا يساعدك كثيرًا؛ والكتب دائمًا ما تكون صحبة جيدة إذا كان لديك النوع المناسب.“
جميع أخوات مارش مجبرات على وِجدان طريقة لإنقاذ أرواحهن من عالم فوضوي، عالم صممه الرجال ومن أجلهم حيث القيود الأنثوية هائلة. لكن جو هي التي تجد في الكلمات، في الكتب، السبيل لإنقاذ نفسها، وربما عائلتها مع مرور الوقت. فالرسائل هي صديقتها المقربة، ومعها تشعر بالحرية، حيث يمكنها التعبير عن كل ما لا تستطع لغتها التعبير عنه أو لا تعرف كيف تعبر عنه. إنها في كتبها وقصصها حيث تتوقف عن كونها فتاة، امرأة ذات قيود اجتماعية، وتصبح هي صاحبة حياتها، وتتحول إلى بطلة تستطيع هزيمة الجميع. وبعيدًا عن النَّظْرَة الرومانسية التي قد تكون لدينا لهذه الفكرة، أشعر بصدق أن هذا العالم لا يزال مكانًا مظلمًا حيث لا يمكن أحيانًا أن نجد السلام أحيانًا، ونجد الإجابات وربما حتى إن يكون لنا صوت، داخل الكتب ومن خلال القصص والكلمات. عندما يفشل كل شيء، عندما لا تكون القوة إلى جانبنا، يمكن أن يكون الأدب، الكلمات، السلاح الأقوى.
الأدب كسلاح أنثوي ليس في ألكوت بل هو ميراث من نساء أخريات لهن نفس الاحتياجات والقوة. فقبل شارلوت برونتي بسنوات قليلة كانت شارلوت برونتي قد أطلعتنا على نبض الحرية في المرأة، وكانت إيميلي برونتي قد أخبرتنا عن أحلام الشراسة والحرية في روايتها كاثرين، كان الأدب فعلًا، في إطار الحميمية الأنثوية والمنزل، وسيلة نضال ومواجهة للمثل الأنثوية. ترث ألكوت هذا الصراع، وتحول الملابس والطبخ إلى خنادق، مرة أخرى، إلى أصوات خالدة.
”أنا لستُ طائرًا؛ ولا توجد شبكة تحبسني: أنا إنسانة حرة ذات إرادة مستقلة.“
- شارلوت برونتي، جين آير
لوقت طويل، عدّ كتاب ”نساء صغيرات“ كتابًا محافظًا، حتى إن القراء الجاهلين اليوم يرونه كذلك، دون أن يلاحظوا أن ألكوت في الواقع تقدم في نصها ترنيمة للنضال من أجل المساواة في الحقوق، فهي تحدثنا عن الحريات والقوة التي يمتلكها الأدب لتحرير المرأة، وهو موضوع ستعود إليه فرجينيا وولف لاحقًا بشكل رائع. تحدثت ألكوت فعلًا في مذكراتها عن رغبتها في دعم أسرتها بواسطة كتاباتها، وعن ضرورة حصول المرأة على حق الاقتراع والحرية. تُعد رواية ”نساء صغيرات“ نَظْرَة مبتكرة على القوة الأنثوية والحاجة إلى الحريات والمساواة التي يمكن تحقيقها أحيانًا بفضل الأدب.
“كلمة الكاتبة و المترجمة”
شكرا على السماح في أعطاؤك لي دقائق قليلة لقراءة ترجمتي المقالية الأدبية باللغة العربية أو المقالات الأدبية باللغة الأنجليزية، لا تترد بمتابعتي بالموقع و انتظر المزيد من المقالات الهامة التي دائمًا ما ستترك اثرا في شخصيتك و ثقافتك.
- ولاء محمد مصطفى