أحبك يا محمود درويش حتى الإبتذال .

صورة

سجل

أنا عربي

ولونُ الشعرِ.. فحميٌّ

ولونُ العينِ..بنيٌّ

وميزاتي:

على رأسي عقالٌ فوقَ كوفيّه

وكفّي صلبةٌ كالصخرِ...

تخمشُ من يلامسَها

وعنواني: أنا من قريةٍ عزلاءَ منسيّهْ شوارعُها بلا أسماء

وكلُّ رجالها في الحقلِ والمحجرْ

فهل تغضبْ؟


عندما كنت طالبة جامعية لم تخطو عتبة العشرينات بعد اكتشفت حبي للقراءة قبل أن أكتشف نفسي ، فقرأت في ممرات الجامعة في الساحات والأروقة وفي غرفة السكن ، كانت القراءة بالنسبة لي تفريغا ذهنيا وراحة عقلية لما كنت أعانيه مع مواد جافة كالفيزياء والرياضيات ، فيَتوق عقلي لكلمات حانية تهدئ عواصف الارقام و عالم الذرة .


أحنُّ إلى خبز أُمي

وقهوة أُمي ولمسة أُمي..

وتكبر فيَّ الطفولةُ

يوماً على صدر يومِ

وأعشَقُ عمرِي لأني إذا مُتُّ

, أخجل من دمع أُمي !


تنوعت قرائاتي كمراهقة ، بين روايات الحب و الجريمة ، و الرعب لستيفن كينغ وقرأت روايات اجاثا كريستي فقط لأنها رخيصة الثمن ، وحمَّلت كل ما وقعت عليه عيني في المواقع المهكرة المجانية ، إضافة الى بعض الروايات العربية المبتذلة لا تستحضرها ذاكرتي ، حبي للقراءة توازى معه حبي لأغاني فيروز ، عبد الرحمان احمد مغني القصائد ، فايا يونان و أغنية واحدة يتيمة للعملاق مارسيل خليفة تقول "أحن إلخبز أمي " فأبكي معها شوقي و فقدي لوالدتي ، حتى عرفت ذات يوم أنها من كتابة الشاعر الفلسطيني محمود درويش .


أَثر الفراشة لا يُرَى

أَثر الفراشة لا يزولُ

لـروحِي أثرٌ على من أحبّهم

كـأثر الفراشة



الساعة الثانية و عشرون دقيقة بعد الظهر ، الشمس حارقة و قيض المدينة الصحراوية التي أدرس فيها يتزايد ، يشرح بروفيسور الكيمياء بكل شغف عن "نظرية الفوضى: الأنتروبي" في قاعة تدريس صغيرة و بحضور خمسة طلبة منهم أنا ، يدعم شرحه بنظرية "أثر الفراشة" لعالم إقتصاد تقول أن رفرفة جناحي فراشة في اليابان قد يُحدِث عاصفة في أمريكا ، وبالفعل اول رفرفة لفراشة الشِعر الدرويشي أحدثتها قصيدة "أحن إلى خبز أمي " أما العواصف لم تندلع في أمريكا بل في قلبي .

في غرفة السكن مساءا و برفقة قهوة العصر ، فتحت هاتفي الذي يحتوي على اشتراك يوم واحد للأنترنت ، بحثت عن "ديوان شعر لدرويش " أولها كان "أثر الفراشة " حمَّلته غير مبالية للهجوم الفيروسي من مواقع التحميل المقرصنة ، و عكفت على قراءته كاملا ليلا كمن وجد ملجأً ، فلم تكن الكلمات راحة عقلية فقط بل حضنا دافئا .


هو هادئ ، و أنا كذلك

يَحْتَسي شاياً بليمونٍ،

وأَشربُ قهوةً،

هذا هُوَ الشيءُ المغايرُ بَيْنَنَا.


في هدوء غرفتي الإنفرادية في السكن و بعد ان أستمع لفيروز في صباحات نهاية الأسبوع ، أنتقل في الظهيرة لقصائد درويش و أتسائل ، لماذا أحببتك يا درويش ؟ ، أهو صوتك أم كلماتك أم إلقاءك الممتلئ بالوقفات السكتية للتأمل ، لأنتظار سقوط كلماتك في قلوبنا ، فأنت لا تلقي لي فقط بل تغرس ، تغرس في قلبي حنينا لبيتي لنفسي الصغيرة ، و شوقا لأمي و حب الطفولة ، وونسا لوحدتي في عزلتي الإختيارية ، والأهم غرست فيَّ أنوثتي في عمر حرِج، فأزهر قلبي بحبك و نبتت إمرأة عشرينية كاملة الأنوثة مقتنعة أنها تستحق الحب .

بين ريتا و عيوني بندقية

و الذي يعرف ريتا ينحني

لأله في العيون العسلية


ألا تعلم أن عيوني أيضا عسلية يا درويش ؟ لم أقرأ سيرتك الذاتية قط تجنبا لقصة حبك المأساوية ، للغيرة الأنثوية التي نفت وجود النساء حول كلماتك فأنا لم أرى إلا نفسي خلالها ، لم أقرأ جُلّ كلماتك ، لكنني قرأت ما يكفي لأحبك ، أشعارٌ عزفت على أوتار روحي ، و صوت إلقاء أطرب قلبي ، لا أفهم حقا هل اِحتضنتي كلماتك أم أنني من اِحتضنتها ، لكني أعلم أنها كانت ملاذا لمشاعري .


نحنُ نُحبُ الحياة إِذا ما اسْتطعنَا إليها سبِيلا 

وَنَرْقُصُ بَيْنَ شَهِيدْينِ نَرْفَعُ مِئْذَنَةً لِلْبَنَفْسَجِ بَيْنَهُمَا أَوْ نَخِيلاَ

نُحِبُّ الحَيَاةَ إِذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلاَ


هل على هذه الأرض ما يستحق الحياة فعلا يادرويش ، فأنا الآن ظل إمرأة جريحة لا شيء يعجبها ، أحدثك من جرح غائر في وقت غير معلوم ، لم تعد لي غرفة سكن ولا مكان اسكنه فيُسكِنني ، استبدلت صوت فيروز الليلي بصوت الخيبة ، لم تعد الكيمياء تراقص عقلي ولا القراءة تحمي قلبي ، فقدتُني فلم أعد أعرف نفسي لئلا أضيعها .


لو كان لي قلبان لإخترت غيرك

لكنّ لي قلبًا،

وهو أنتِ فإنْ غِبتِ عنه

غبتُ


أما اليوم يا حبيب قلبي الفتّي ، سمعت إسمك فطربتُ من جديد ، أشعارك كانت تضرب على أوتار روحي ، تأثر وجداني بعمق من كلماتك وكأنها تلفني ككائنٍ أثيري ، أشعر بحماسة عذراء للحب بسببها ، يتنطط قلبي زهوا و أريد حفظ نغماتها ، إذا سمعت إسمك و كأني سمعت إسم حبيب قديم و دافئ ، اريد ان أقول لكلماتك انني احبكِ بطريقة مبتذلة .


كالعشب بين مفاصل الحجر

كالنار بين اصابع المطر

كالعشق فوق حدود قدرتنا

نحب ... لا نعرف الخبر

كالعشق يولد دون انذار

و يكبر كالحريق بدون سبب



أحبك عندما لمست روحي ، أحبك لأنك لمست خيبتي أحبك لأنك حنيني ، أحبك لأنك علمتني أنني إمرأة وأنثى تستحق الحب ، أحبك يا شاعر قلبي أحبك يا محمود درويش حتى الإبتذال.