لؤلؤة الحكمة في أعماق البحر

صورة

في قديم الزمان، وفي قرية ساحلية تطل على بحر واسع، عاش صياد عجوز اسمه "سالم". كان سالم يقضي أيامه في الإبحار بمفرده، يصارع أمواج البحر ليحصل على قوت يومه. ومع تقدم السن، أصبحت رحلات الصيد شاقة عليه، وبدأ قلقه يتزايد من المستقبل.

ذات يوم، بينما كان يرمي شباكه في مكان عميق، شعر بثقلٍ غير معتاد. ظن أن الشباك علقت بصخرة، لكنه بعد جهدٍ كبير، استطاع سحبها إلى السطح. فإذا بها مليئة بالطين والأعشاب البحرية، دون سمكة واحدة. تطلع سالم إلى السماء مستغفراً، ثم همّ بإعادة الشباك إلى الماء.

لكن نظرة ألقاها داخل الشبكة جذبته إلى صدفة محارة كبيرة غير عادية، لم ير مثلها من قبل. أحس في قلبه أن فيها شيئاً مكنوناً. ففتحها بكل صبر وأناة، ليجد بداخلها لؤلؤة بيضاء كالثلج، كاملة الاستدارة، تلمع تحت أشعة الشمس كقطعة من القمر.

أسرع سالم إلى السوق وهو فرحٌ مسرور، يظن أنه قد وجد كنزاً يعينه على ما تبقى من عمره. عرض اللؤلؤة على تجار الجواهر، وكان أعظمهم ثراءً هو "ماجد". نظر ماجد إلى اللؤلؤة نظرة خبيرة، ثم قال لسالم: "إنها لؤلؤة جميلة، وسأشتريها منك، ولكن ليس ثمنها كما تظن. فهي بحجم حبة الحمص، ولن أعطيك أكثر من بضع قطع فضية."

حزن سالم حزناً شديداً، وشعر بأن أحلامه قد تحطمت. ترك التاجر وهو يحمل اللؤلؤة في يده، وقلبه مثقل بالهم. وفي طريقه إلى بيته، مر على رجل حكيم معروف في القرية، جالساً في ظل شجرة كبيرة يقرأ في كتاب. رأى الحكيم هَمَّ سالم في عينيه، فدعاه للجلوس معه.

حكى سالم للحكيم قصته مع اللؤلؤة، وشكا إليه خيبة أمله. أخذ الحكيم اللؤلؤة وتأملها بروية، ثم قال مبتسماً: "يا سالم، لقد حكمت على جوهرة بحجمها، ولم تنظر إلى نقائها ولمعانها. ألا ترى أنها تلمع في ظلمة الليل كما تلمع في وضح النهار؟ ألا ترى صفاءها الذي يشبه ندى الصباح؟ هذه نعمة عظيمة."

ثم سأله الحكيم: "هل تعلم كيف ولدت هذه اللؤلؤة؟" قال سالم: "لا." فأجاب الحكيم: "لقد ولدت من ألم. دخلت ذرة رمل إلى جوف المحارة، وآلمتها، فاحتضنتها المحارة بصفائح الصدف لسنوات طوال، طبقة بعد أخرى، حتى تحول ذلك الألم إلى جوهرة ثمينة. لقد ابتلعت المحارة الألم، فحولته إلى جمال."

أفاق سالم من غفلته، وأدرك الحكمة. لم تكن اللؤلؤة مجرد حجر ثمين يباع ويشترى، بل كانت رسالة. فهم أن الحياة تقدم له الألم أحياناً كذرة الرمل، وعليه هو أن يتحلى بالصبر وأن يعمل بصمت كالمحارة، ليحول ذلك الألم إلى خبرة وحكمة وجمال في روحه.

لم يبع سالم اللؤلؤة. احتفظ بها كنذيرٍ يذكره دائماً بأن أعظم الكنوز لا تقاس بحجمها المادي، بل بقيمتها المعنوية، وبالدروس التي تمنحنا إياها. وعاش بقية عمره شاكراً صابراً، يحكي للناس قصة "لؤلؤة الحكمة" التي علمته أن منابت الحكمة العظيمة غالباً تكون في أعماق التجارب الصعبة.