
في حياة الإنسان تتعدّد المطالب، وتتزاحم الرّغبات، وتتناوب عليه الأحداث، فتارةً يبلغ من أمانيهِ الغاية، وتارة يقف دونها حائراً أسفاً، وفي هذا الميدان يبرز الرّضا كنهرٍ عذبٍ يجري في قلب المؤمن، فيعذب مرارة الحرمان، ويضيء ظلمة اليأس، ويجعل من الشّوك زهراً، ومن العسر يسراً.
- الرّضا ليس استسلاماً:
فالرّضا ليس استسلاما للعجز واليأس، ولا تخلياً عن الهمة، بل قوّة باطنية تسمو بالنّفس عن تيه الحسرة ووهدة القنوط ، إنه اليقين بأنّ ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، هو سكينة القلب بعد جدال النّفس، وطمأنينة الروح بعد عصف الأحزان.
- الرّضا ثمرة الإيمان:
فإذا تجلّى الرّضا في القلب أنار السرّيرة، وحسّن العبادة، وألان الكلمة، وسهلت به المؤونة، ينظر الرّاضي إلى الدنيا بعين القناعة، فلا يحزنه قلّة المال، ولا يفتتنه كثرته، ويرى نعمة الله في كلّ حالٍ: في العطاء والمنع، في الغنى والفقر، في الصّحة والسّقم.
ولقد أدرك الحكماء والعارفون أنّ الرّضا هو الباب الأوسع إلى السّلام الدّاخليّ، فمن رضي بما قسم الله عاش في نعم لا توصف، وسكن في رحاب لا تحدّ، إنه يرى الجمال حيث لا يراه غيره، ويجد اللّذّة في أشياء لا يشعر بها سائر النّاس، فكأنما أُعطي مفتاح الكنوز وهو في بيته لا يبرح.
إنّ أعظم الرّضا أن يرضى العبد بما كتب الله له في جميع الأحوال، فلا يسأله ردّ القضاء، بل يسأله اللطف فيه، وما أجمل قول أحد الحكماء: " لم أرَ كالرّضا في سكن النّفس، ولا كالقناعة في راحة الجسد.
فطوبى لمن جعل الرّضا شعاره، فعاش في الدنيا مطمئنّ الجنان، قليل الهمّ والحزن، مستشعراً نعمة الله في كلّ لحظة، موقناً أنّ الغنى غنى النّفس، وأنّ الفقر لا يكون إلّا في القلب واليقين، إنّ الرّضا هو الجنّة الدُّنيويَّة التي يسكنها العابدون قبل جنّة الخلد، وهو النَّصيب الأوفى من حكمة الحياة وسِرِّها.