ضوء في ظلام اليأس

صورة

في إحدى المدائن العتيقة، كان يعيش نحّاتٌ ماهرٌ اسمه "سلام"، كانت تحفه تثير الإعجاب، حتى ابتلي بحريقٍ التهم ورشته، فتحولت تحفه الجميلة إلى رماد، وشُوّهت يداه التي كانتا تخلقان الجمال.

أصاب السلامَ حزنٌ عميق، واعتزل الناس، وكاد اليأس يتملك قلبه. كان يجلس كل يوم بين أنقاض ورشته، ينظر إلى يديه المصابتين وإلى الرماد حوله، ويقول في نفسه: "لقد انتهى كل شيء، لم أعد أستطيع أن أمسك بالإزميل مرة أخرى."

وفي إحدى الأمسيات، بينما كان يجلس تحت شجرة لوزٍ كبيرة، رأى طفلًا صغيرًا يحمل حجرًا ويحاول أن ينحت منه شكل عصفور. كانت حركة الطفل خرقاء، والنحت غير متقن، لكن عيني الطفل كانتا تشعان بالأمل والتصميم.

قال الطفل للسلام: "أسمع الناس يقولون إنك أفضل نحّات. هل يمكنك أن تعلمني؟"

فهز السلام رأسه بحزن وقال: "انظر إلى يداي.. لم تعدا تقدران على الإمساك بالإزميل، وكيف أعلمك وأنا لم أعد أستطيع النحت؟"

فأجاب الطفل ببراءة: "لكنك ما زلت تحمل الصورة في رأسك، أليس كذلك؟"

هذه الكلمة البسيطة اخترقت ظلام اليأس في قلب السلام، كأنها شعاع نور. قال في نفسه: "صدق الطفل، لم أفقد الخيال ولا المعرفة."

في اليوم التالي، عاد السلام إلى الأنقاض، لم ينظر إليها كعلامة على النهاية، بل كبداية جديدة. جمع بعض قطع الخشب المحروقة، وأخذ سكينًا صغيرة، وراح يحاول النحت بيديه المصابتين. كان الألم شديدًا، وكان الشكل الأول سيئًا، لكنه لم ييأس.

استمر في المحاولة يومًا بعد يوم، يعلم يديه الجديدتين على الإمساك بالأدوات من جديد. كان يتذكر كلمات والده: "يا بُني، عندما تغلق الأبواب، لا تيأس؛ فإن الله يفتح لك نافذةً ترى منها نور الأمل."

وبعد شهور من الصبر والمثابرة، استطاع السلام أن ينحت من جذع شجرة محترقة من ورشته القديمة تمثالًا لطائر الفينيق الأسطوري، يخرج من بين الرماد بجناحيه مفتوحتين، وكأنه يعلن ولادة جديدة من رحم الدمار.

عندما رآه أهل المدينة، اندهشوا لجماله وقوة رمزيته. عاد الناس يقصدون ورشة السلام الجديدة، لا ليشتروا التحف فقط، بل ليسمعوا قصته الملهمة.

كان السلام يقول لكل من يزوره: "اليأس هو الحريق الحقيقي الذي يحرق القلب قبل اليد. لم أنقذ نفسي إلا عندما قررت أن لا أستسلم. تذكر دائمًا، لا تيأس أبدًا، فما بعد العتمة إلا الضياء."