
أولا: المقدمة:
تُعد الهياكل التنظيمية الركيزة الأساسية التي تحدد كيفية تنظيم المؤسسات لمواردها، وأفرادها، وهي تعتبر بمثابة البوصلة التي توجه المؤسسات بكافة مكوناتها وعملياتها لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، وعلى مدار عقود طويلة هيمنت النماذج الهرمية التقليدية التي تتميز بالمركزية والجمود على الفكر الإداري، ومع ذلك فإن التحولات الجذرية في بيئة الأعمال المعاصرة فرضت تحديات جديدة تتطلب نماذج هيكلية أكثر مرونة وقدرة على التكيف، هذا التغير دفع المؤسسات إلى إعادة التفكير في تصميماتها التنظيمية لتمكين الابتكار، وتحفيز التعلم المستمر، وتعزيز قدرتها على الاستجابة السريعة للمتغيرات.كما ويعتبر الهيكل التنظيمي بمثابة العمود الفقري لأي مؤسسة فمن خلاله يحدد مسارات السلطة، وقنوات الاتصال، وتوزيع المهام، لكن في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها عالم الأعمال اليوم لم يعد الهيكل الهرمي التقليدي قادراً على مواكبة المتغيرات المتسارعة، لقد أصبح بناء هيكل تنظيمي احترافي يتطلب فهماً عميقاً لأحدث نظريات الإدارة وريادة الأعمال، وتحويلاً جذرياً في طريقة التفكير من "السيطرة" إلى "التمكين. ونظراً للتغيرات المتسارعة والابتكارات المتلاحقة، فلم يعد الهيكل التنظيمي مجرد رسم بياني جامد يحدد التسلسل الهرمي لقد أصبح أداة استراتيجية حاسمة تتبناها المؤسسات لتعزيز مرونتها وقدرتها على التكيف، خاصة في ظل تطورات الإدارة الحديثة وظهور موجة ريادة الأعمال.وتهدف هذه الورقة إلى استعراض وتحليل الأسس النظرية لبناء هيكل تنظيمي احترافي يتكامل مع أحدث التوجهات في الإدارة وريادة الأعمال، مع تقديم توصيات عملية يمكن للمؤسسات الاستفادة منها والعمل بها للارتقاء والتطوير في هياكلها التنظيمية.
ثانياً: الإطار النظري:
1. مفهوم الهيكل التنظيمي:
يعرفه د. إسماعيل إبراهيم بأنه: الإطار الذي يحدد العلاقات الرسمية بين الأفراد والأقسام، ويوضح خطوط السلطة والمسئولية، وقنوات الاتصال بين المستويات الإدارية المختلفة بهدف تحقيق أهداف المنظمة بكفاءة وفعالية.ويعرفه د. علي السلمي بأنه: هو الأداة التي تحدد المهام والأنشطة الضرورية لتحقيق الأهداف، ثم تجميع هذه الأنشطة في إدارات وأقسام، وتحديد السلطة والمسؤولية لكل منها، ووضع نظام يربط بينها وبين بعضها.
2. تكامل النظريات وتوجهات العصر:
أ ـ الجذور الفكرية: من البيروقراطية إلى نظرية الموقفية:
1. النظرية الكلاسيكية:
تُعد أعمال ماكس فيبر (Max Weber)، وهنري فايول (Henri Fayol) أساساً لنظرية الهيكل التنظيمي البيروقراطي، كما وتُعد أساساً لفهم الهياكل الهرمية فقد ركزت نظريتهم على العقلانية، والقواعد، والإجراءات الموحدة، مما يضمن الكفاءة والرقابة، ورغم أن هذا النموذج كان فعالاً في بيئات مستقرة إلا أن جموده يجعله غير مناسب للعصر الحالي الذي يتطلب سرعة في التغيير، ركزت هذه النظريات على مبادئ مثل التسلسل الهرمي، والتخصص الوظيفي، والمركزية، مما أدى إلى ظهور هياكل جامدة ومسيطرة. كانت هذه الهياكل فعالة في بيئات مستقرة حيث تكون الكفاءة والرقابة هما الأولوية.
2. النظرية الموقفية (Contingency Theory):
ظهرت في ستينيات القرن الماضي كنقد للنظرية الكلاسيكية، وتُشكل هذه النظرية التي قدمها باحثون مثل جون وودوارد (Joan Woodward) وبول لورانس (Paul Lawrence) نقطة تحول جوهرية، فقد أثبتت أنه "لا يوجد هيكل تنظيمي أمثل واحد يناسب جميع الظروف"، وتفترض النظرية أن الهيكل التنظيمي الأمثل يعتمد على عوامل موقفية (Contingency Factors) مثل: حجم المؤسسة، والتكنولوجيا المستخدمة، والبيئة الخارجية، وقد أكد رواد هذه النظرية في كتابهما "التعقيد التنظيمي" (Organization and Environment) أن الهياكل المتباينة (Differentiation) والتكاملية (Integration) هي مفتاح النجاح في البيئات المعقدة، فعلى سبيل المثال تحتاج المؤسسات التي تعمل في بيئات سريعة التغير إلى هياكل عضوية ومرنة بينما قد تستفيد المؤسسات في بيئات مستقرة من الهياكل الميكانيكية الأكثر صلابة.
ب ـ الابتكار وريادة الأعمال المؤسسية "دور الهيكل في التمكين":
1ـ ريادة الأعمال المؤسسية (Corporate Entrepreneurship):
ويُعني مصطلح ريادة الأعمال المؤسسية تبني المؤسسات القائمة لثقافة الابتكار والمخاطرة، ويتطلب هذا الأمر هياكل تنظيمية تمنح الموظفين الاستقلالية والمرونة في اتخاذ القرارات، مما يشبه بيئة العمل في الشركات الناشئة.فلم تَعد ريادة الأعمال تقتصر على الشركات الناشئة فحسب، بل أصبحت المؤسسات الكبرى تسعى لتبني ثقافة ريادية داخلية لتحفيز الابتكار والتجديد حيث يرى دونالد كروغر (Donald F. Kuratko) في كتابه "ريادة الأعمال" (Entrepreneurship: Theory, Process, and Practice) أن الهياكل التنظيمية هي العامل الأساسي لنجاح هذا التوجه، فالهياكل التي تتميز باللامركزية، وتفويض السلطة، وتشكيل فرق عمل مستقلة (Autonomous Work Teams) هي الأنسب لدعم المبادرات الجديدة.كما ويوضح جيمس مارش (James March) في نظرياته أن المؤسسات بحاجة إلى مزج مبادئ الاستكشاف (Exploration) والاستغلال (Exploitation) لتحقيق النمو.وتُظهر دراسات حديثة منشورة في مجلة "Journal of Business Venturing" أن الهياكل التنظيمية التي تتميز بـ:
ـ المرونة (Flexibility):
القدرة على تعديل الهيكل والعمليات بسرعة للاستجابة للتغيرات.
ـ الاستقلالية (Autonomy):
منح الفرق والموظفين حرية تجريب الأفكار الجديدة.
ـ المركزية المحدودة (Limited Centralization):
الحفاظ على بعض الرقابة المركزية مع السماح باللامركزية في اتخاذ القرارات التشغيلية.تُعد هذه الهياكل أكثر قدرة على توليد الأفكار الابتكارية، وتأسيس وحدات عمل جديدة، وتكييف استراتيجياتها مع متطلبات السوق المتغيرة.كما تُظهر الأبحاث الأكاديمية الحديثة وجود علاقة قوية بين الهيكل التنظيمي وريادة الأعمال المؤسسية (Organizational Entrepreneurship)، وهو مفهوم يشير إلى تبني الشركات القائمة لثقافة الابتكار والمخاطرة التي تتميز بها الشركات الناشئة.
ووفقاً لدراسة منشورة على "ResearchGate" في مارس 2025م، فإن الأسلوب الإداري الريادي يرتبط بشكل إيجابي بـالتعلم المؤسسي والابتكار مما يؤدي إلى أداء مؤسسي أفضل،كما وتوكد الدراسة أن المرونة والاستقلالية هما عاملان حاسمان لتمكين هذا السلوك الريادي في المؤسسات وتحقيق المرونة العالية والاستقلالية في الإدارة والتصرفات لدى الموظفين مما يؤديان كسلوك اداري إلى تطوير العمل والحفاظ على بيئة عمل آمنة.
2ـ إدارة المعرفة والتعلم التنظيمي:
تشير أبحاث بيتر سينج (Peter Senge) في كتابه "الانضباط الخامس" (The Fifth Discipline) إلى أن المنظمات المتعلمة هي تلك القادرة على التكيف مع التغيرات من خلال تشجيع التعلم المستمر، ويتطلب هذا النوع من التنظيم هياكل مسطحة وشبكية تيسر تبادل المعرفة بدلاً من حصرها في التسلسلات الهرمية.
3ـ ثقافة المخاطرة والتعلم:
الهيكل التنظيمي الاحترافي هو الذي لا يعاقب على الفشل، فبدلاً من ذلك فهو يشجع على التعلم من الأخطاء، وهذا بطبعه يتطلب ثقافة تنظيمية مبنية على الثقة والشفافية، وهو ما يتأثر بشكل مباشر بتصميم الهيكل، فالهياكل المسطحة على سبيل المثال تسهل تدفق المعلومات والتعليقات، مما يسمح بتصحيح المسار بسرعة.
ج ـ النماذج الهيكلية المعاصرة:
تجاوز الحدود التقليدية:لطالما سادت الهياكل التنظيمية الهرمية التقليدية، التي تتميز بسلسلة قيادة واضحة وصارمة، وتخصص وظيفي دقيق، ومركزية في اتخاذ القرار. هذا النموذج، الذي ظهر مع الثورة الصناعية، كان فعالاً في بيئات مستقرة حيث تكون المهام روتينية وواضحة. ومع ذلك، تشير الأبحاث الحديثة، مثل دراسة "جوزيف وسينغول" (Joseph and Sengul) التي نشرت في يناير 2025م، إلى أن تصميم المنظمات أصبح "ديناميكياً بطبيعته" ولم يعد "أمراً يتم مرة واحدة". فالتغيرات البيئية السريعة، وظهور التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي، والتحول نحو الاقتصاد المعرفي، دفعت المؤسسات إلى التفكير في هياكل أكثر مرونة وتكيفاً.هذا التحول أدى إلى ظهور نماذج تنظيمية جديدة، تتجاوز حدود الهيكل الوظيفي أو التقسيمي التقليدي. ومن أبرز هذه النماذج:
1. الهياكل الشبكية (Network Structures):
يُعد هذا النموذج تطوراً طبيعياً في عصر العولمة ويعتمد على شبكات من الوحدات المستقلة التي تتعاون لتحقيق أهداف مشتركة، ويشير الدكتور محمد حسين العسكري في كتابه "الهياكل التنظيمية المتقدمة"، و"جون إتش. مايلز" (John H. Miles) في كتابه "Organizing for the Future" عام 1992م إلى أن هذا النموذج يزيد من مرونة المؤسسة وقدرتها على الاستفادة من الخبرات والكفاءات الخارجية دون الحاجة إلى توظيفها بشكل دائم مما يقلل التكاليف الثابتة ويزيد من الكفاءة.
2ـ الهياكل المصفوفية (Matrix Structures):
على الرغم من أنها ليست بالجديدة، إلا أنها تتطور باستمرار لتناسب التحديات المعاصرة، وهي تجمع بين الهيكل الوظيفي والهيكل المتمحور حول المشاريع، وهذا يسمح بـالازدواجية في السلطة مما يعزز في إطارات معينة التنسيق وتبادل المعرفة بين الأقسام، ويمكن أن يكون هذا النموذج فعالاً في المؤسسات التي تتطلب تضافر خبرات متعددة لإنجاز مشاريع معقدة. ويجمع هذا النموذج، الذي طرحه "غريغوري ب. ماكلينان" (Gregory B. Maclennan) في ورقة بحثية عام 1974م، بين الهيكل الوظيفي والهيكل التقسيمي.
3ـ من الهرمية إلى الهياكل المسطحة (Flatarchy):
وهو مفهوم يجمع بين مزايا الهياكل المسطحة والهياكل الهرمية ويتميز بعدد قليل من المستويات الإدارية قدر الإمكان لكن على عكس الهيكل المسطح بالكامل، ويحتفظ "Flatarchy" ببعض المكونات الهرمية الضرورية والهدف هو الجمع بين استقلالية الموظفين ومرونة اتخاذ القرار، مع الحفاظ على بعض الهيكلية لضمان الكفاءة والمساءلة، وتشير دراسة في مجلة "Corporate Rebels" إلى أن الهياكل المسطحة تزيد من استقلالية الموظفين وسرعة اتخاذ القرار، مما يجعلها خياراً جذاباً للمؤسسات التي تسعى إلى التجديد.
4ـ الهياكل اللامركزية (Decentralized Structures):
يوضح "جيمس ج. مارش" (James G. March) في نظرياته عن صنع القرار أن تفويض السلطة إلى المستويات الأدنى يعزز من سرعة الاستجابة للمشكلات ويزيد من فعالية الأداء، هذا المبدأ هو جوهر الهياكل اللامركزية التي تُمكن الموظفين من اتخاذ القرارات بشكل مستقل، مما يحفز الإبداع والابتكار.
د ـ مكونات الهيكل التنظيمي الاحترافي الحديث:
يتطلب الهيكل التنظيمي الاحترافي أن تكون لدى الإدارة المؤسسية القدرة العالية على فهم الواقع بشكل عميق ودراية كافية وإدارة التوقعات الخاصة بالمؤسسة وشئونها المستقبلية بصورة تحليلية والتعرف على دوافعها الحقيقة وراء انشاء هيكل تنظيمي احترافي، ولبناء هيكل تنظيمي يعكس هذه المبادئ، يجب التركيز على المكونات التالية:
1ـ فرق العمل متعددة التخصصات (Cross-Functional Teams):
بدلاً من تجميع الموظفين في أقسام وظيفية جامدة، يتم تشكيل فرق عمل تضم أفراداً من تخصصات مختلفة مثال: (فريق يضم مسوقين ومبرمجين ومصممين) للعمل على مشروع مشترك هذا النهج الذي تبنته شركات مثل Spotify وGoogle يكسر "الصوامع التنظيمية" (Organizational Silos)، ويعزز الابتكار من خلال تبادل وجهات النظر المتنوعة.
2ـ القيادة التحويلية (Transformational Leadership):
يجب أن ينتقل دور القائد من "المدير الذي يراقب العمليات" إلى "الموجه "الذي يلهم ويدعم أعضاء فريقه"، وهذا النمط من القيادة الذي قدمه "برنارد باس" (Bernard Bass) في أبحاثه حيث يركز على تحفيز الموظفين وتقديم رؤية واضحة مما يعزز من التزامهم وأدائهم وزيادة معدلات الإنتاجية لديهم ويحقق الربح والتقديم والاستدامة في عمل المؤسسة.
3ـ الهياكل المفتوحة و"الابتكار المفتوح" (Open Innovation):
لم تعد المؤسسات تعمل بمعزل عن العالم الخارجي فالهياكل المفتوحة تشجع على التعاون مع شركاء خارجيين مثل (الجامعات، الشركات الناشئة، أو حتى العملاء) للاستفادة من أفكارهم وقدراتهم هذا المفهوم الذي قدمه "هنري تشيسبرو" (Henry Chesbrough) حيث يُعد حجر الزاوية في استراتيجيات الابتكار الحديثة.
هـ ـ الخطوات الاساسية لبناء هيكل تنظيمي احترافي؟
إن بناء هيكل تنظيمي يجمع بين الاحترافية والمرونة ليس بالأمر الهين ولكنه ضروري لضمان استدامة المؤسسة، لذا يتوجب التركيز على المكونات التالية:
1ـ اللامركزية في اتخاذ القرار:
في الهيكل الاحترافي الحديث يتم تفويض السلطة من الإدارة العليا إلى المستويات الأدنى هذا النهج يسرّع من عملية اتخاذ القرارات ويزيد من شعور الموظفين بالملكية والمسؤولية ويسمح بالاستجابة السريعة للمشاكل بدلاً من الاعتماد على مدير واحد يتخذ جميع القرارات، بحيث يتم تمكين الفرق لتكون مسؤولة عن مهامها وتحدياتها في بيئة العمل.
2ـ فرق العمل المتمحورة حول المشاريع:
بدلاً من تجميع الموظفين في أقسام وظيفية جامدة أصبح حديثاً هو تشكيل فرق عمل مؤقتة أو دائمة تركز على مشاريع أو منتجات محددة هذه الفرق تكون متعددة التخصصات (Cross-functional)، وتضم أعضاء من أقسام مختلفة (تسويق، تطوير، مبيعات) للعمل معاً نحو هدف مشترك هذا بطبعه يكسر "الصوامع التنظيمية" (Organizational Silos) ويعزز الابتكار.
3ـ الهياكل المفتوحة (Open Structures):
تتبنى بعض الشركات مثل "Costco"، هياكل لامركزية تمنح فروعها استقلالية كبيرة في الإدارة واتخاذ القرار هذا يسمح لها بالاستجابة بمرونة عالية لظروف السوق المحلية، وهذا التوجه نحو الهياكل المفتوحة هو الذي يتضمن الابتكار المفتوح (Open Innovation) حيث تتعاون الشركة مع شركاء خارجيين مثل (الجامعات والشركات الناشئة)، ويُعد أحد أهم ملامح الهيكل التنظيمي الاحترافي.
وـ التحديات والحلول:
التحول إلى هيكل تنظيمي مرن ليس خالياً من التحديات ومن أبرزها التالي:
1ـ مقاومة التغيير: قد يتردد الموظفون والإدارة في التخلي عن الهياكل المألوفة، والحل: تبني ثقافة تشجع على التجريب والمخاطرة المحسوبة، مع توفير التدريب اللازم على المهارات الجديدة.2ـ غموض الأدوار: قد تؤدي اللامركزية إلى تداخل في الأدوار والمسؤوليات، الحل: وضع خطة انتقالية واضحة تحدد بوضوح الأدوار والمسؤوليات الجديدة، مع آليات للتنسيق والاتصال الفعال.3ـ الحاجة إلى أدوات تكنولوجية: تتطلب الهياكل المرنة أدوات تكنولوجية متقدمة لتسهيل التواصل وإدارة المشاريع، الحل: الاستثمار في برمجيات إدارة المشاريع والعمل الجماعي التي تدعم الفرق متعددة التخصصات.
ورغم المزايا الكبيرة للهياكل التنظيمية الحديثة، إلا أنها لا تخلو من التحديات. على سبيل المثال، قد تؤدي اللامركزية المفرطة إلى نقص التنسيق أو تضارب الأدوار، خاصة في الشركات الكبيرة. أيضاً، الهياكل المسطحة قد تؤدي إلى غموض في الأدوار وتحديات في إدارة أعداد كبيرة من الموظفين، وللتغلب على هذه التحديات، يجب على المؤسسات اتباع التالي:
1ـ وضع خطة انتقال واضحة: عند التحول من هيكل تقليدي إلى هيكل حديث يجب أن يكون هناك تخطيط دقيق يوضح الأدوار والمسؤوليات الجديدة.2ـ تعزيز ثقافة التواصل: يجب تصميم الهيكل بحيث يسهل تدفق المعلومات بجميع الاتجاهات بدلاً من اتجاه واحد من الأعلى إلى الأسفل.3ـ الاستثمار في التدريب: يتطلب العمل في بيئة مرنة ومتمحورة حول الفرق بمهارات جديدة مثل (القيادة الذاتية وإدارة المشاريع).4ـ قياس الأداء بشكل مستمر: يجب تقييم أثر الهيكل الجديد على الأداء المؤسسي بشكل دوري لتحديد نقاط الضعف والتحسين.
ثالثاً: التوصيات:
بناءً على ما تقدم، نوصي المؤسسات باتباع الممارسات التالية لتطوير هياكلها التنظيمية:1ـ تبني اللامركزية في اتخاذ القرار: تفويض السلطة إلى المستويات الأدنى لزيادة سرعة الاستجابة للمشكلات وتنمية شعور الموظفين بالمسؤولية.2ـ تشكيل فرق عمل متعددة التخصصات: كسر الصوامع الوظيفية من خلال تجميع أفراد من تخصصات مختلفة للعمل على مشاريع مشتركة مما يعزز الابتكار والتنسيق.3ـ الاستثمار في بناء ثقافة الابتكار: تشجيع الموظفين على التجريب والمخاطرة المحسوبة، وتوفير بيئة عمل آمنة وإعطاء الفرص للموظفين للتعلم من محاولات الفشل والاستفادة من محاولات التجربة.4ـ تطبيق القيادة التحويلية: تدريب القادة على دورهم كمرشدين ومحفزين بدلاً من مجرد مراقبين مما يزيد من التزام الموظفين ورضاهم.5ـ الاستعانة بالتكنولوجيا: استخدام الأدوات الرقمية التي تسهل التواصل، وإدارة المشاريع ومشاركة المعرفة وتعزيز التواصل، وتبادل المعرفة، وتنسيق العمل بين الفرق الموزعة جغرافيًا.6ـ تقييم وتعديل الهيكل بشكل دوري: يجب أن يكون الهيكل التنظيمي ديناميكياً وقابلاً للتعديل لمواكبة التغيرات الداخلية والخارجية بدلاً من اعتباره هيكلاً ثابتاً.7ـ المرونة فوق كل شيء: يجب أن يكون تصميم الهيكل التنظيمي مرناً وقابلاً للتكيف مع التغيرات الداخلية والخارجية.8ـ تمكين فرق العمل: منح فرق العمل الاستقلالية والسلطة في اتخاذ القرارات خاصة تلك المتعلقة بمهامها اليومية.9ـ تبني ثقافة ريادية: تشجيع الموظفين على تقديم الأفكار الجديدة وتجريبها مع توفير آليات واضحة لدعم الابتكار.10ـ التكامل والجمع بين الهياكل: لا تتردد المؤسسات في الجمع بين أكثر من نموذج هيكلي (مثل الهيكل المصفوفي والهيكل الشبكي) بما يتناسب مع طبيعة عملها واحتياجاتها.11ـ التدريب المستمر: توفير برامج تدريبية للقادة والموظفين حول مهارات العمل الجماعي، والقيادة التحويلية، وإدارة المشاريع، لمواكبة متطلبات الهياكل الجديدة.
رابعا: الخاتمة:
إن تصميم هيكل تنظيمي احترافي لم يعد مجرد عملية فنية بل أصبح تحدياً استراتيجياً في ظل التغيرات المتسارعة، لذا يتوجب على المؤسسات التخلي عن النماذج الجامدة لصالح هياكل مرنة، لامركزية ومتمحورة حول الأفراد وتعزز الابتكار، والهيكل التنظيمي الحديث ليس هدفاً في حد ذاته، بل هو أداة لتمكين المؤسسة من تحقيق أهدافها، وتعزيز قدرتها التنافسية، وخلق بيئة عمل محفزة ومبتكرة، فالمؤسسات التي تفشل في تكييف هياكلها مع متطلبات العصر الجديد ستجد نفسها عاجزة عن مواجهة المنافسة والابتكار مما يعرضها للخطر.فلم يعد الهيكل التنظيمي مجرد رسم بياني جامد بل أصبح أداة استراتيجية ديناميكية يجب تصميمها بذكاء في ظل التغيرات السريعة، فإن المؤسسات التي تلتزم بالنماذج الهرمية التقليدية ستواجه صعوبات في البقاء والنمو، والهياكل الاحترافية هي تلك التي تتبنى المرونة واللامركزية وتوفر البيئة المناسبة للابتكار وريادة الأعمال المؤسسية، إن النجاح في العصر الحديث ليس حكرًا على المؤسسات ذات الحجم الكبير، بل هو حليف المؤسسات التي تستطيع تكييف هياكلها التنظيمية مع متطلبات بيئتها المتغيرة.كما أن بناء هيكل تنظيمي احترافي لم يعد مجرد عملية إدارية بل أصبح استراتيجية تنافسية حاسمة فالمؤسسات التي تتجاوز التفكير الهرمي الجامد وتتبنى الهياكل المرنة، وتُمكن موظفيها، وتُشجع على ريادة الأعمال الداخلية، ستكون الأكثر قدرة على الابتكار، والنمو، وتحقيق النجاح في عالم دائم التغير.ولم يعد الهيكل التنظيمي مجرد أداة إدارية روتينية، بل يُعتبر عنصراً استراتيجياً حاسماً، فالمؤسسات التي تتبنى هياكل مرنة لامركزية ومتمحورة حول الابتكار ستكون لديها قدرة أكبر على التكيف مع بيئة الأعمال المتغيرة وتحقيق النمو المستدام. ومن خلال الاستفادة من النماذج الحديثة مثل الهياكل المصفوفية والشبكية، وتطبيق مبادئ الإدارة الريادية، يمكن لأي مؤسسة أن تبني هيكلاً احترافياً يكون قادراً على المنافسة والازدهار في عالم اليوم.
خامسا: المراجع:
ـ عبد الفتاح، إبراهيم عبد الغفار. (2018). "ريادة الأعمال: المفاهيم والاستراتيجيات"، دار النهضة العربية.ـ العسكري، محمد حسين. (2012). "الهياكل التنظيمية المتقدمة"، دار الشروق للنشر والتوزيع.ـ إبراهيم، إسماعيل. (2005). الإدارة: المبادئ والأسس، دار الشروق للنشر.ـ السلمي، علي. (2002). إدارة الموارد البشرية، دار غريب للطباعة والنشر.