المترهل وذو الأنف الكبير

معرض الصور

صورة 1

اود في البداية ان اخبركم اني متنمر تائب وهذا المقال سيجعلكم تفكرون بطريقة مختلفة تجعلكم تحترمون كل العيوب التي من الممكن ان تتنمروا عليها وانا اعتقد ان التنمر مثل اي عادة سيئة تحتاج ان تجاهد لأجل الإقلاع عنها

سأبدأ مقالتي بموقف طريف من أحد الأطفال معي حين كنت أعمل مدرساً لمادة الموسيقى وكنت ذات يوم مرهقاً فقررت أن أكتفي بعرض فيلم كرتون يسمى (سندريللا ) وكان في هذا الفصل ولد سمين يدعى (زين) وانا حينها كنت لا أزال متنمراً وكان في أحد مشاهد فيلم الكرتون مشهد فيه زوج من الفئران أحدهم ثمين جداً والأخر نحيف جدااا والاثنان مثيران للضحك فنظرت للاولاد بروح المتنمر الخبيث ثم قلت يا اولاد الا يذكركم هذا الفأر بشخص ما ؟! وكنت اشير الى الفأر الثمين فقام أحد الاولاد الظرفاء وقال لي نعم انه يشبه ( زين ) فضحكت جداً ثم جاء مشهد للفأر النحيف فقال لي نفس الطفل وهذا الفأر النحيف يشبهك أيضاً يا مستر فتجمدت الضحكة في وجهي ليقطعها ضحكات الفصل كله 

وذات مرة ايضاً كدت أن أتنمر على شخص ثمين ذو قوام مترهل جداً  ثم توقفت لحظة لأتذكر أنني أشبه الشاليموه ووجهي ذو أنف كبير أيضاً وأكاد أن أشبه شخصية  (بينوكيو ) ربما حين كذب ألف كذبة

وكثيراً ما تنمر على أنفي المتنمرين أمثالي

وتذكرت كم أني كنت أراهم وقحون حين يفعلون هذا حتى ولو كان على سبيل المزاح كنت أتظاهر أني لا ابالي بل وكان من الممكن أن أبادلهم تعليقات أكثر إضحاكاً من تلك التي يتنمرون بها على شكل أنفي أو جسدي النحيف

كنت أتنمر معهم على شكلي ولست أعلم لماذا كنت أفعل هذا

ربما كنت أفقدهم لذة تنمرهم أو ربما أأكل نفسي قبل أن يأكلوني بما أنه لا مفر من التنمر فكنت أبادر به أنا فخير لي أن اتنمر أنا على نفسي من أن يتنمر أحدهم

إنه أشبه بأن تلطم نفسك فذلك أكثر كرامة من أن يلطمك شخص آخر

وبالطبع كنت مخطئ آنذاك

فقد كنت أطعن معهم ثقتي بنفسي دون وعي

وكنت أضحك في العلن وأبكي في الخفاء

ثم فكرت في الأمر حين نتنمر على شكل أو ملامح أو هيئة شخص ما

وتذكرت هذا الثمين المترهل الذي كنت على وشك التنمر أو الاسفاف عليه

فأدركت أنه لا يمكن لنا أن نقذف الناس بالحجارة بينما بيوتنا من الزجاج

  وفكرت في هذا المثل مرة أخرى ثم قلت في نفسي:

ولماذا نقذف الناس بالحجارة من الأساس حتى وإن لم تكن بيوتنا من الزجاج ؟!

لسنا مضطرين لفعل هذا

وإذا فكرنا سنجد كيف أنه أحياناً ما نحسبه نوعا من أنواع ( التشوه الظاهري) أو بعض العيوب الظاهرية الجسدية فربما قد تكون لحكمة ما أو بهدف حمايتنا من الكبرياء المؤدي إلى الحماقة وحافز لنا لقبول واحترام الآخر بدلاً من التنمر عليه أيا كان شكله

وتخيلت كم من القبح والكبرياء كان من الممكن أن تكون عليها بعض الشخصيات إن كانت وسيمة جداً،

أدركت أن الجمال يكمن في ما هو أعمق من الشكل وأدركت  جزء من سؤال كثيراً ما حيرني وكثيراً ما أردت أن أسأل الله عنه

لماذا ليس كل البشر على درجة عالية من الجمال أو الجسم المثالي ؟!

لماذا أختلت بعض الجينات الوراثية في البعض مما أدى إلى ظهور بعض العيوب أو التشوهات الخلقية؟!

لماذا أحدهم ثمين وآخر نحيف وآخر بشرته سمراء وآخر عنقه قصير وآخر قامته قصيرة،

ولماذا ولماذا ولماذا ......؟!

وأدركت أنه ليس من المنصف أن ننقد الناس أو أنفسنا  في ما هو ليس بقدرتنا أن نتحكم فيه

فالتشوهات تكون في ما صنعته أيدينا وفيما باستطاعتنا أن نغيره

فأعتقد أن التشوهات تكون بالأحرى في الأخلاق والمبادئ وفي طريقة  نظرتك للأمور وللأشخاص ولنفسك

فرأيت أن النرجسية تشوه

والكبرياء تشوه

والتنمر و السخرية تشوه

وقلة الذوق واللامبالاه تشوه

الحسد، الغيرة، النميمة، الحقد جميعها أيضاً تنتج من أشخاص مشوهين

الكره والإنتقام والضغينة وفرض السيطرة على الضعيف

الجشع والطمع، التبجح، الفضول، المكر، تعد من القبح والتشوهات الحقيقية أيضاً

التشاؤم أو التفاؤل الزائد (اللا واقعية) تشوه

ولكل منا نسبة من هذه التشوهات وهذه النسب هي التي من شأنها أن تجعلك تتصف بالجمال أو القبح

فكل ما هو به خلل أو عدم إتزان فهو مشوه

وعلى إثر هذا المنطق اكتشفت كم أن جميعنا نعاني من التشوهات فلا داعي للتنمر

أما عن الشكل فكل عضو من أعضائنا هو معجزة حتى وإن لم يكن شكله مثالياً

فلا يبدو شكل الأعضاء من الداخل جميلاً فتأملوا معي مثلا شكل الهيكل العظمي

إنه يبدوا مخيفاً وقبيحاً وكثيراً ما استخدموه في أفلام الرعب

ولكن بدونه لأصبحنا كقطعة هلامية لا شكل لها

إنه قبيح 💀 ولكنه بطانة لجمالك

لا أعتقد أيضاً أن الأمعاء شكلها يبدوا عاطفياً فهي تبدوا مقززة أكثر

ولكن بدونها لما كان هناك حياه ولا نمو ولا إتمام لعمليات الهضم ولا إخراج الفضلات التي إذا طال وجودها لقتلتك بالتسمم

بل وأيضا بعض أنواع البكتيريا والكائنات المجهرية التي لا ترى بالأساس وحين رآها الباحثين تحت

المجهر فلم تكون لها أشكال على أي درجة من الجمال

كانت أشكالها غير مفهومة ولكن وظائفها جبارة فهي تدخل في عمليات تحليل الكائنات والخلايا الميتة وبعض البكتيريا الأخرى التي تدخل في بعض العمليات الكيميائية في الجسم وتساعد في عمليات التخمر وعمليات الهضم وعمليات أخرى كثيرة لها دور في مناعة الأجسام ومقاومة الأمراض فتدخل في صناعة الأدوية وأشياء أخرى قد أعجز عن حصرها أو شرحها ولكنه مثلا بسيطاً لأشياء أدت أدواراً ورسالة أبلغ من أي شكل

وأيضاً بعض الحشرات حين تنظر إليها فهي مقززة جداً ولكن لها دور في التوازن البيئي لا يستهان به وقد تتوقف عليها الحياه وتتأثر بوجودها الطبيعة ولهذا خلقها الله

فلا نقدر أن ننكر الدور الذي يقوم به النحل هو وأنواع أخرى من الحشرات في تلقيح النباتات بمجرد التنقل بين الازهار فقط وهذا  بدوره يجعل هذه الأزهار والأشجار تنبت ثماراً وحياه

ولكن هذا إذا تحدثنا على صعيد الحشرات

فكم بالحري إذا تحدثنا عن الانسان الذي لا نقدر أن نحسر قيمته كصورة لله في شكله فقط

أتٱمل كيف جعل الله هذه الأمثال في مخلوقاته ليعلمنا أن القيمة والرسالة أفضل من الشكل دائماً

فكم رأينا متبرجات على (التيك توك)  ومواقع التواصل الإجتماعي يتباهون ويستعرضون بأشكالهم وأجسامهم

ونعم ربما يبدون فاتنات وجميلات وبصرف النظر عن أي فلاتر أو مساحيق تجميل أو أي بوتيكس وأشياء من هذا القبيل  ولكن ما الرسالة التي قدموها ؟! وما الفضل لهم في جمال ملامحهم  ؟!

بالنسبة لي فإن جمال أي لوحة فنية خلابة وفائقة الجمال تكمن في صانعها وفي خياله وحرفيته ودقته وإبداعه وليس في اللوحة في حد ذاتها فهي في النهاية لم تصنع نفسها  فهي مجرد لوحة عبارة عن مجموع من الخطوط والألوان على قطعة ورق أو جلد

ألسنا جميعاً من طين خلقنا ؟!  وكما أن قيمة اللوحة  تكمن في أنها أخذت من يد وعقل وموهبة وإلهام إنسان عبقري ولهذا فهي غالية الثمن

نحن أيضا تكمن قيمتنا في أن من صورنا هو الله الفنان الأعظم فكل لوحاته عظيمة حتى وإن لم ندرك تفاصيلها ونقاط جمالها

لفت نظري أن بعض اللوح لبعض الرسامين العالميين تباع بملايين رغم أنك حين تنظر لها حرفيا تشعر أنها كانت مجرد عبث بالقلم ولا ترى سوى مجموعة خطوط عشوائية متقاطعة ولكن إيمانهم أن هذا الفنان لن يرسم شيئ عبثاً أو بلا قيمة هو ما جعلهم يدفعون الملايين بلا تردد فقيمة هذه اللوحة من قيمة الفنان نفسه

ومثال آخر على هذا حين ينقبون عن الذهب لا يجدونه على شكل سلاسل وخواتم جميلة بل على شكل حصاوى صغيرة ليس لها شكل معين ولا على أى درجة من الجمال ولكن القيمة هنا تكمن في خواص هذه المادة وليس في شكلها فهي تظل ثمينة لأنها معدن الذهب وليس لأن لها شكل جميل

وهناك اكسسوارات أخرى مصنوعة من معادن رخيصة ولكن لها أشكال جميلة ولكنها تظل رخيصة بالرغم من جمالها وهذا دليلا قاطعاً يظهر أن خواص المعادن أثمن من شكلها

وأنت أيضاً جميل لأنك إنسان لك رسالة وقيمة نبيلة في الحياه حتى وإن لم تكن وسيماً

وحتى إن لم تكوني جميلة

مقال بقلم / مينا شاكر