
السلام الداخلي هو ذلك المرفأ الهادىء الذي ترسو إليه سفينة النفس بعد رحلة مضنية في بحر الحياة المتلاطم الأمواج، إنه حالة من الطمأنينة والانسجام والرضا تنبع من داخل الإنسان، فلا تؤثر فيها تقلبات الظروف الخارجية، ولا تزعزعها عواصف المحن والأحداث.
ولبلوغ هذا السلام المنشود، ينبغي للإنسان أن يسلك طرقاً عدة، ويجتهد في مجاهدة نفسه، ومن هذه السبل:
أولاً: معرفة الذات والاتصال معها:
فلا يستطيع المرء أن يجد السلام مع عالمه الخارجي قبل أن يصالح عالمه الداخلي، وذلك يكون بالتأمل والوقوف مع النفس، ومعرفة نقاط قوتها وضعفها، وتقبلها كما هي، والعمل على تطويرها دون جلد للذات أو لوم قاس.
ثانياً: تنقية القلب من الأحقاد:
فالنفس التي تحمل الطغائن والأحقاد تشبه الأرض القاحلة التي لا تنبت زرعاً، ولا تثمر ثمراً، والسلام الداخلي ثمرة من ثمار العفو والتسامح، فمن غفر للناس زلاتهم، وتجاوز عن إساءاتهم، حرر نفسه من سجن الماضي وأثقاله، فانشرح صدره، وصفا قلبه.
ثالثاً: العيش في اللحظة الحاضرة:
كثيراً مايعيش الإنسان أسيراً لهواجس الماضي بندمه وأحزانه، أو مخاوف المستقبل بقلقه وتوتره، أما الحكيم فيدرك أن الحياة في هذه اللحظة التي يعيشها الآن، فيستغرق فيها بعمق، ويستلذ بها، ويستخرج منها الجمال والمعنى، فلا يفسد عليها بإسقاطات الماضي أو مخاوف الغد.
رابعاً: الامتنان والشكر:
فالنظر إلى ما منّ الله به عليك من النعم، كبيرها وصغيرها، يملأ القلب غبطة ورضا، والامتنان يزيد النعم ويثبتها، ويذكّر الإنسان بأنه محاط بالخير من كل جانب، فيطرد شبح السخط والتذمر، ويستبدل بهما شعوراً بالغنى الداخلي والاكتفاء.
خامساً: الإيمان والاتصال بالله تعالى:
فلا سلام حقيقياً للنفس إلا بأن تأنس بخالقها، وتتوكل عليه، وتستمد منه العون والقوة، والإيمان يمنح الإنسان معنى للحياة، ويشرح صدره، ويعرفه بقدره وغاية وجوده، فيرضى بقضاء الله وقدره، ويطمئن قلبه بذكره.
خامساً: العطاء والتواصل الإنساني:
فالنفس الشحيحة المنطوية على ذاتها لاتعرف السلام، أما من يبذل من وقته وجهدّه وماله في خدمة الآخرين، ويسعى في إسعادهم، فإنه يجد لذّة وسعادة لاتوصفان، فتسمو روحه، ويرتقي بإنسانيته، فيجد السلام في بذله وعطائه.
وفي الختام، فإن طريق السلام الداخلي رحلة شخصية لا تنتهي، تبدأ بخطوة صادقة، وتستمر بالمثابرة والصبر، وهي ليست غياباً للمشاكل، بل هي القدرة على مواجهتها بروح هادئة وقلب مطمئن، فابحث عن سلامك في داخلك، تجده إن شاء الله.