"إياح حتب" المرأة التي أنقذت مصر من الهلاك

"إياح حتب" المرأة التي أنقذت مصر من الهلاك

كتبت/ أسماء خليل

لم تكن امرأة عادية كأي امرأة بالعالم، فحينما نتحدث عن رمز وأيقونة الشجاعة والصمود والكفاح، فلن نجد أحق من تلك الملكة العظيمة " إياح حتب"، باسمها ليس مجرد اسم بالكتب تاريخية ولكنه رمز لامرأة ضحت بزوجها الملك" سقنن رع"، وكذلك ابنها الأكبر "كامس"، فقد وهبت دمائهما فداءً وتضحيةً لونها الغالي مصر.

تجسيد الشجاعة المرأة المصرية

إن "إياح حتب" تعد التجسيد الحقيقي لشجاعة المرأة المصرية بشكر خاص وأي امرأة بوجه عام، لقد كانت حياتها مليئة بالتحديات، قامت بطرد الهكسوس من مصر

دور الملكة" إياح حتب" في تخليص مصر من الهكسوس

لقد بدأ "سبحان رع" زوج الملكة " إياح حتب " كفاحه ضد الهكسوس الذين سجل التاريخ اسمهم من نار لبشاعتهم وهمجيتهم، إنهم يشبهون المغول والتتار، حاول سقنن رع- بكل ما أوتي من قوة- أن يطرد هؤلاء الغزاة العتاة من مصر، ولكن بعد شن حروب متتالية عليهم لم ينجح في إخراجهم من البلاد.

لم تقف الملكة العظيمة مكتوفة الأيدي تندب حظها على وفاة زوجها؛ بل قدمت ابنها "كامس" أيضا قربانًا لتراب بلدها، وشجعته على استكمال ما بدأه والده من حرب التحرير، خاض الفتى المعارك العاتية -مثل أبيه- والهدف واحد؛ لكنه لقي مصرعه على يد الهكسوس الطغاة، الذين يريدون سلب خيرات البلاد والاستيلاء عليها ولا هدف غير ذلك، حتى لو كلهم الأمر ذبح كل المصريين!.

في الطريق للتضحية بالثالث

هل استسلمت "إياح حتب" الزوجة والأم المكلومة؟..لا ..إنها استكملت المشوار وجمعت شتات قومها ولمت الفارين في كل مكان استعدادا للحرب..ولو كان ثمن النصر أن تظل وحيدة بمفردها مدى الحياة. شجعت الملكة الأم ابنها الأصغر" أحمس" على خوض الحرب؛ فقام من فوره بتجهيز الجيوش والمجلات الحربية- التي أدخلها الهكسوس في مصر تزامنًا بمجيئهم- ونفذ خططًا محكمة، وبالفعل انتصر أحمس وكان ذلك أكبر نصر للمصريين.

وسام الشجاعة الحربية

لم ينسَ أحمس أبدا الدور العظيم الذي قامت به أمه ومساعدته في الانتصار على الهكسوس، واستكماله مسيرة أبيه سقنن رع وأخيه الأكبر كامس، فأهدى والدته- كملك للبلاد- وسام الشجاعة الحربية تقديرا لدورها الباسل وشجاعتها وبسالتها، واعترافًا بالدور الذي قامت به، وذلك الوسام كان أعلى وأقيم وسام عسكري يمكن منحه لذوي الأدوار البارزة بالدولة من القادة والعسكريين، ومن قام بآداء دورًا بطوليًّا لأنقاذ دولته، وأصبحت بذلك أول امرأة تحصل على ذلك الوسام، بالإضافة إلى منحها مشغولات ذهبية وأساور نادرة.

ألقاب في حياة الملكة

لُقبت "إياح حتب" بالعديد من الألقاب عبر مسيرتها بالحياة؛ من أمثلتها "الزوجة الملكة العظيمة أم الملك"، وكذلك " سيدة البلاد وسيدة جزر الحب.... وذلك يدل على مدى تقدير شعبها لها تقديرا لدورها السياسي الذي قامت به.

مقبرة إياح حتب

مقبرة الملكة موجودة وتابوتها موجود بخبيئة الدير البحري، وتم تغطية جسمها بشكل ريشي التصميم، حيث يشبه توابيت نفرتاري وميريت آمون، ومازال الجدل حتى الآن بين الباحثين حول مقبرة أخرى لإياح حتب لم يتم اكتشافها بعد.

من هم الهكسوس

في البداية أتى الهكسوس إلى مصر من أرض كنعان بآسيا للتجارة مع المصريين، ولم تكن العلاقة المُتبادلة سيئة في البداية، حيث كانوا يجلبون من بلادهم الخشب والبخور وبعض احتياجات عملية التحنيط، وحينما التمسوا بأنفسهم العادات والتقاليد المصرية الحسنة التي أدهشتهم هاجروا إليها بأعداد مهولة، كان ذلك بنهاية الأسرة الثانية عشر، استوطن الهكسوس بدلتا مصر وأدخلواالعديد من الصناعات والمعدات الجديدة عليها؛ مثل صنعة الفخار والعطور وزراعة الزيتون والرمان، وكذلك أدخلوا بمصر العجلات الحربية التي تطرحها الخيول والسيوف المقوسة والخناجر والفئوس الحربية.

اندماج وهلاك

بدأ الهكسوس الانصهار في بوتقة الشعب المصري بعاداته وتقاليده ومعبوداته، وبلغ الانتشار العظيم لهم بمصر حتى تقلدهم العديد من المناصب بالدولة كمستشارين ووزراء على سبيل المثال، كان ذلك تربح من الهكسوس حتى تسنح لهم الفرصة بالاستيلاء على الحكم، وبالفعل كانت الفرصة الحقيقة بنهاية الأسرة الثالثة عشر؛ حيث عانت مصر في تلك الحقبة الزمنية من ضعف اقتصادي وعسكري وصراعات بين حكام الأقاليم، وبالتالي حدث فراغ سياسي.

وبدون نقطة دم واحدة كما ذكر المؤرخون انقلب الهكسوس على سدة الحكم واستطاعوا السيطرة على البلاد، وقاموا باتخاذ مدينة" أواريس" بالقرب من فاقوس بمحافظة الشرقية بدلتا مصر عاصمة لهم، لم يكن المصريين يتخيلوا أن يستولي الهكسوس على شمال وشرق مصر، فقد كانوا يعاملونهم كمهاجرين وكانوا يسمونهم " عمو" نسبةً للبدو العموريين، وتم استثناء جنوب مصر من نفوذ الهكسوس نظرًا لقوة حكام طيبة.

أعوام وأعواماحتل الهكسوس مصر لمدة مائة وثمانية عامًا وكانوا يعملون بالتجارة، تعمق في تلك الفترة كره المصريين واستيائهم الشديد لحكم الهكسوس، وساءت المعاملة المشتركة بين الطرفين، وفجأةً أرسل ملك الهكسوس رسالة إلى " سقنن رع" ملك الوجه القبلي للبلاد بطيبة، وكان مضمون الرسالة أن أفراس النهر بطيبة تقلق نومه بأواريس رغم البعد بين المنطقتين الذي يقدر 800 كيلومترات تقريبًا، هنا أدرك الملك" سقنن رع" الخبيئة وراء تلك الرسالة وما تحويه من تهديد، من هنا بدأت المعارك تنشب، وانتهت المعركة الأولى بأسر ومقتل الملك المصري ومش رأسه بالفئوس، يبدو ذلك من جمجمته، طبقًا لما ذكره خبير الآثار المصري" د. زاهي حواس".. وتوالت وحشية الهكسوس حتى خلص الملك" أحمس" شعبه منهم، بتشجيع من أمه الملكة العظيمة، التي حثته على الأخذ بالثأر لكل مصري.علاقة الملكة إياح حتب بفانوس رمضان وفقًا للروايات التاريخية فإن جملة " وحوي يا وحوي" التي يقولها الأطفال وهم يحملون فوانيس رمضان ابتهاجًا بحلوله؛ يعود معناها ل" تعيش تعيش إياح" للاحتفال بالنصر على الهكسوس، حيث كلمة وحوي تعني أهلا أو مرحبًا، وكلمة إياح تعني أهلا ومرحبا بالقمر. وذكرت روايات التاريخية القبطية أن معنى تلك العبارة هي الاقتراب من رؤية الهلال، بالقمر.  وبذلك يكون اسمها قد ارتبط عند المصريين بذلك الشهر العظيم 
وجدير بالذكر، أنَّ تاريخ فانوس رمضان يعود إلى العصر الفاطمي، حيث ارتبط بخروج المصريين لاستقبال المعز لدين الله الفاطمي" إظهارًا للرح والسرور بتأسيس خلافة مستقلة يتزعمها خليفة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهنا حمل المصريون الشموع والمشاعل في أثناء استقبال الخليفة وكان ذلك بشهر رمضان، وتطور الأمر وصولًا لدخول تلك المشاعر والشموع داخل فوانيس؛ فكان فانوس رمضان.على هامش السيرة
إن الملكة إياح حتب كانت نموذجًا للمرأة القوية، التي لم تكتفِ بكونها زوجة وأم، بل حملت مسئوولية شعب، شعب عظيم صنع حضارة على ضفاف نهر النيل العظيم، وساهمت في تحرير وطن، إن قصتها ليست مجرد سرد تاريخي في بضع سطور، ولكنها رمز للصمود والتضحية، إن قصة الملكة" إياح حتب" تعد رسالة لكل امرأة أنَّ داخلها قوة عظيمة ربما تظهر يومًا وقت المِحَن.
وأخيرًا ماذا لو
ماذا لو لم تشجع الملكة إياح حتب ابنها الأضغر" أحمس " على مواجهة وحشية الهكسوس؟!..ربما ظل المصريون مئات أخرى من الأعوام محتلين من هؤلاء العدو حتى يأتي بطل آخر، وربما لم يأتِ أي بطل آخر ويستفحل الهكسوس في حكم وظلم البلاد، وأعلنت مصر من ويلات الظلم حتى الآن!.ربما..ربما..ستختلف " السينايوهات" ولكن طالما هناك عظيمات على مر العصور تشجع الأبطال؛ فسوف يظل النصر حليفًا لكل جزء بالعالم مهما طال البغي والظلم.