أيهما تختار : الحب أم الزواج؟

أيهما ستختار: الحب أم الزواج؟ 

في صباحٍ مُشرقٍ ذات يوم، ووسط غناء الطيور، خرجت فتاة جميلة تُدعى "مارغريت هولمز" إلى عملها كمعلمة موسيقى. هناك، التقت بفنانٍ وسيمٍ لكنه فقير وغير ناجح في عمله يُدعى "جوناثان". ومع مرور الأيام، بدأت "مارغريت" تُعجب بـ"جوناثان"، ثم تبادلا النظرات، فكان أول حوار بينهما، ليتحوّل سريعًا إلى انفجار حبٍّ سينمائي.
قرّرا الزواج، لكن عائلة "مارغريت" رفضت "جوناثان" لأنه فقير ويعيش حياة غير مستقرة. وتحت ضغط العائلة، تزوجت بشابٍ ثريٍّ وناجح يُدعى "ريتشارد" عام 1954. وفي يوم زفافها كتبت في مذكرتها:"اليوم اخترت الزواج، لا الحب. لا أعلم إن كان هذا سيقتل قلبي أم سينقذه."
كان زواجها ناجحًا بكل المقاييس؛ حياة مستقرة، عائلة سعيدة، وزوج محترم وذكي يقدّر الخلافات والمسافات بينهما. ومع ذلك، لم تشعر "مارغريت" يومًا بالحب تجاهه، وإن كانت سعيدة معه.
وفي عام 1965، التقت "مارغريت" بـ"جوناثان" صدفة في معرضٍ فني. لم تتوقع أن ينظر إليها كما كان ينظر في الماضي بعد كل تلك السنوات. تسللت إلى قلبها فكرة: هل أخطأت باختيار الزواج على الحب؟
لكن حين رأت أن "جوناثان" ما زال الفنان الفقير ذاته، بلا عائلة ولا حياة مستقرة، بدأت تفهم أن اختيارها كان صحيحًا. عادت إلى بيتها، ومع مرور الأيام بدأت تشعر بكل ما يقدّمه "ريتشارد" لها، وهناك فقط أحبته.
وفي عام 1978، وخلال مقابلة صحفية مع "مارغريت هولمز" ضمن دراسة ميدانية عن العلاقات الزوجية في جامعة فيرمونت، روت قصتها قائلة:"تعلمت أن الزواج قد ينجح بلا حب، وأن الحب وحده لا يكفي لبناء زواج. وأخطر لحظة في حياتي كانت حين اكتشفت أن قلبي ما زال يحب، لكن قدمي لن تغادر البيت الذي بنيته يدي."
بعد أن قرأت هذه القصة، سأطرح عليك سؤالًا:أيهما ستختار: الحب أم الزواج؟ وإذا كنت مكان "مارغريت"، ماذا كنت لتختار؟ الحب أم الزواج؟


ما الفرق بين الحب الحقيقي والحب العاطفي؟ 


يقول الدكتور "جاري تشابمان"، استشاري العلاقات الزوجية، في مقدمة كتابه لغات الحب الخمس:
"هناك شعور بالحب ساحر، يخطف القلوب ويعمي الأبصار ويهيج المشاعر. يحدث هذا عندما نقابل شخصًا تعجبنا صفاته الجسدية وسماته الشخصية بما يكفي لتوليد تلك الصدمة الكهربية التي تثير شرارة الحب داخلنا، فنشعر بالسعادة الغامرة. يُسمّى هذا الشعور بـ"تجربة الوقوع في الحب".
بعدها نبدأ بالتعرّف إلى هذا الشخص وربما نشاركه ما نحب، لتبدأ رحلة استكشاف مشاعرنا. ومع مرور الوقت، ومع ازدياد هذا الإحساس بالسعادة، نقول: "أعتقد أني واقع في الحب"، ثم نقتنع في النهاية أن هذا هو الحب الحقيقي، وغالبًا ما نتزوج بعدها.
لكن الحقيقة أن الحب الحقيقي هو العكس تمامًا؛ فهو فعل إرادي وليس مجرد مشاعر، وهو حب يعطي أكثر مما يأخذ، حب يلبي احتياجات الشريك الآخر، ويستمر رغم التغيرات والخلافات. إنه حب يوازن بين القلب والعقل. إن كان الحب العاطفي يبحث عن المثالية والكمال، فإن معجزة الحب الحقيقي تكمن في القدرة على عشق العيوب. 


أسباب فشل العلاقة الزوجية؟ 


يقول الدكتور جاري تشابمان عن الحب العاطفي، أو ما يسميه "تجربة الوقوع في الحب":
"هذا النوع من الحب لا يستمر أكثر من سنتين. بعد زواله، نبدأ في رؤية العيوب والخلافات التي لم نكن نلاحظها من قبل؛ لأن أسوأ ما في الحب العاطفي أنه يمنحنا إحساسًا خادعًا بأن الشريك مثالي، وهو ما قد يدمر المؤسسة الزوجية. فجأة، تصبح بعض صفات الشريك مثيرة للسخط، وأفعاله مصدرًا للضيق، وعيوبه غير محتملة، وهنا نكون قد هبطنا إلى أرض الواقع."
لكن لا يجب أن نحمّل هؤلاء مسؤولية الفشل وحدهم، فقد وقعوا في فخّين:
مرة عندما أحبوا بعضهم.
ومرة أخرى عندما وقعوا فريسة للرأسمالية وخدعة السينما.

وهنا يأتي كلام الدكتورة إيفا إيلوز التي تقول:
"الحب كما نتصوره اليوم ليس شعورًا طبيعيًا خالصًا، بل نتيجة لقرن كامل من الأدب والسينما والإعلام التي صنعت صورة مثالية للرومانسية."
وتضيف:"الحب الرومانسي في العصر الحديث ارتبط بالاستهلاك: الهدايا، السفر، العشاء الفاخر... فتحول الحب إلى منتج يُعبّر عنه بالشراء والطقوس."


📊 دراسة تاريخية:يظهر هذا الرسم البياني معدل الطلاق لكل 1000 امرأة متزوجة منذ عام 1898 حتى عام 2024. يتضح فيه أن معدلات الطلاق ارتفعت تدريجيًا منذ عام 1898 حتى بلغت ذروتها عام 1980 بنسبة 22.6 لكل 1000 امرأة متزوجة.
السبب العميق لهذه القفزة مرتبط بنموذج الحب الذي روجت له السينما. ففي عام 1898 ظهر أول مشهد رومانسي في تاريخ السينما، مدته 18 ثانية، عبارة عن قبلة على خشبة المسرح. أثار هذا المشهد جدلًا واسعًا في المجتمع الأمريكي المحافظ، وفتح الباب أمام إدخال المشاهد العاطفية كعنصر جاذب في الأفلام.
توالت بعد ذلك الأفلام الصامتة في أوائل القرن العشرين بقصص رومانسية مثالية. وفي عام 1913 ظهر أول فيلم رومانسي طويل The Student of Prague، وتلاه فيلم Camille عام 1915، ومع توسع هذا النوع من الأفلام ارتفعت معدلات الطلاق تدريجيًا حتى وصلت إلى أكي عام 1980 ب 22.6 لكل 1000 امرأة متزوجة.
📌 إحصائيات حديثة:
في الولايات المتحدة، حوالي 45% من حالات الزواج الأولى تنتهي بالطلاق.
ترتفع النسبة إلى 60% في الزواج الثاني، و73% في الزواج الثالث (جاري تشابمان).
تشير الدراسات إلى أن 45% من أسباب الطلاق تعود إلى التوقعات غير الواقعية، وهو رقم يفوق تأثير ضعف التواصل.
دراسة على 285 طالبًا جامعيًا كشفت أن "المشاهدة المكثفة للبرامج الرومانسية ترتبط بتوقعات غير واقعية للزواج"، مما يزيد معدلات الطلاق.

⚠️ عوامل أخرى تساهم في هشاشة العلاقات:
انتشار الإباحية وتشويهها للتوقعات الجنسية.
نقص مهارات الحياة نتيجة أنظمة التعليم الصناعي.
ضعف التواصل الحقيقي في عصر التكنولوجيا.
سهولة الوصول للجنس الآخر عبر الإنترنت.
الضغوط الاقتصادية وتغير الأدوار الاجتماعية.
التأثيرات الثقافية الغربية الحديثة التي تروّج للمثلية والنسوية المتطرفة.

💬 ويختتم الدكتور مصطفى محمود شهادته عن علاقة والديه قائلًا:
"والدي ووالدتي عاشا معًا ثلاثين عامًا لم أسمع لهما صوت شجار قط، على الرغم من أننا أسرة مكونة من ثمانية أفراد وتحت ظروف اقتصادية صعبة. ومع ذلك، استمر زواجهما ثابتًا أمام كل الضغوط الداخلية والخارجية."


كيف تجعل زواجك ناجحاً؟

”أنه من السهل عليك أن تغير من نفسك على أن تقوم بتغير الآخرين“ ديل كارنيغي ستيفن ار. كوفي 
— https://share.google/images/vC3J3x19gR2IBVkUv

قال الدكتور مصطفى محمود:"كي ينجح الزواج، يجب على كل طرف أن يتقبّل الآخر كما هو، وذلك يستلزم تنازلات، والتنازلات تستلزم قدرًا من النفس الخيّرة."الخطوة الأولى لإنجاح العلاقة الزوجية هي أن تُدرك أن التغيير الحقيقي في العلاقة يبدأ منك أنت، فلا تحاول إصلاح الطرف الآخر قبل أن تُصلح نفسك. ويجب عليك أن تتقن هذه المبادئ :
كيف تتفاهم، لا أن تُشكّك.
كيف تسامح، لا أن تترصّد الأخطاء.
كيف تتنازل وتتحلى بنفسٍ خيّرة، يكمن في داخلها مودة ورحمة.كما قال الله - تعالى -:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم: ٢١]
كيف تحترم وتُقدّر الآخر، وتُشجّعه وتهتم بما يهتم به.
كيف تتواصل بشكل جيّد وفعّال.
أن تدرك أن الحب الحقيقي هو فعل إرادي، لا مجرد مشاعر.
كيف تُتقن فهم لغات الحب الخمس التي أشار إليها الدكتور "جاري تشابمان"، وتأثيرها العميق على العلاقة الزوجية.
كيف تقتنع بأهمية وجود شريك حياتك في حياتك.
كيف تتعايش مع المشكلات الزوجية الدائمة ؛ كما يقول د. جون جوتمان، الخبير في علم نفس العلاقات الزوجية، 69٪ من المشكلات الزوجية هي “مشكلات مستمرة” ، أي أنها لا تُحلّ بالكامل، وإنما يتعلم الطرفان كيفية التعايش معها وإدارتها داخل العلاقة. بينما فقط 31٪ من المشكلات تُعد قابلة للحل بشكل واقعي ومستدام.

 ويقول الدكتور ستيفن آر. كوفي في كتابه "العادات السبع للناس الأكثر فعالية" أن هناك ستة أمور مهمة لاستمرار أي علاقة إنسانية:
1. فهم الفرد: أن تفهم ما يحبّه ويكرهه الطرف الآخر.

2. الاعتناء بالأمور الصغيرة: وكما قال "كوفي": "عندما يتعلق الأمر بالعلاقات، تصبح الأمور الصغيرة لفتات كبيرة."

3. الوفاء بالعهود: لأنها مصدر الثقة، والثقة أساس لأي علاقة ناجحة.

4. توضيح التوقعات: لتجنّب خيبات الأمل، ومعرفة ما هو متوقّع منك ومن الطرف الآخر.

5. إظهار الأمانة الشخصية: وهي أيضًا تعبير عن الثقة.

6. الاعتذار من القلب بعد الخطأ بسرعة : الاعتذار الصادق، السريع، يعيد الأمور إلى نصابها، بشرط أن يكون نابعًا من القلب.


اكتساب هذه الصفات يُسهم بشكل كبير في نجاح العلاقة الزوجية، لكن لا يمكن اكتسابها إلا إذا بدأت بتغيير نفسك أولًا، ومن ثم تتغيّر العلاقة بأكملها.
لكنني أؤمن أيضًا أن العلاقة الزوجية قد تكون ناجحة منذ البداية، إذا تم اختيار الشريك المناسب.


كيف تختار شريك حياتك المناسب؟ 


قال الشيخ محمد متولي الشعراوي مخاطبًا الزوج:
> "إذا كنت تريد حياة دائمة، وحياة مستقرة، وحياة تستقبل طفولات متعددة، فعليك باختيار الزوجة المدبّرة في شؤون البيت، الأمينة في بيتك ومالك، النزيهة في تعاملاتها، العفيفة في نفسها، ذات الأخلاق الحسنة."


وقال رسول الله ﷺ مخاطبًا أهل الزوجة:
> "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ."


إن العامل الأساسي في اختيار الزوج أو الزوجة في الدين هو الخُلُق قبل الخَلق. فقبل أن تُرضي عينك أو شهوتك بجمال الطرف الآخر، تذكّر أن الزواج مشروع حياة، وأن شريكك سيكون أبًا أو أمًا لأبنائك. فاسأل نفسك: كيف تريد أن يكون أثره على مستقبلهم وأخلاقهم؟فإن أردت أبناءً أذكياء، فاختر شريكًا ذكيًّا، وإن أردتهم صادقين، فاختر شريكًا أمينًا... وهكذا.
ويبقى السؤال الذي تقف عليه معظم الزواجات الحالية : هل الأفضل أن يكون الزوجان متشابهين أم مختلفين؟يرى علماء النفس أن الإجابة ليست مطلقة، بل تعتمد على طبيعة "الاختلاف" و"التشابه". فالاختلاف في الأذواق والهوايات قد يضفي على الحياة نكهة خاصة ويجعل التجربة أجمل، أما الاختلاف في القيم والمعتقدات الأساسية — كالدين، والأخلاق، ونظرة كل طرف للحياة — فغالبًا ما يزرع بذور خلافات يصعب تجاوزها.
ولهذا ينصح الدكتور جون جوتمان بما يسميه: "التشابه القيمي مع التنوع الشخصي"، أي أن تتفقوا على الأساسيات التي تبني البيت وتربي الأبناء، بينما تتركوا مساحة للاختلافات في التفاصيل لتكون مصدر إلهام وإثراء، لا سببًا للانقسام.



وختامًا، الزواج ليس نقيض الحب، بل هو اختبار لنضجه. وقد أدركت مارغريت هولمز أن الحب قد يولد من الاحترام والالتزام، ومن الاختيار اليومي بأن نحب من اخترنا، لا من نشعر بالشغف تجاهه فقط.أما أنا، فلو كنت مكان مارغريت لاخترت ما اختارته، لأن الحب يولد بطبيعته في أي علاقة ناجحة. والسؤال الأهم ليس: "الزواج أم الحب؟" بل: "كيف أحوّل زواجي إلى حب حقيقي يدوم.

المراجع والمصادر:

📚 المراجع

Review Essay: Reading Eva Illouz – Modern Love and its Discontents

Eva Illouz is arguably the most prominent sociologist of emotions of all time. This review essay synthesizes and engages with her work on romantic love.

تصفح المرجع ↗
Divorce: More than a Century of Change, 1900-2022

Family Profile No. 11, 2024 Author: Jaden Loo Although the divorce rate in the United States increased throughout much of the twentieth century, it has declined

تصفح المرجع ↗

📚 المراجع

- YouTube

Auf YouTube findest du die angesagtesten Videos und Tracks. Außerdem kannst du eigene Inhalte hochladen und mit Freunden oder gleich der ganzen Welt teilen.

تصفح المرجع ↗
Managing Conflict: Solvable vs. Perpetual Problems

Gottman research proves the difference between a solvable problem, a perpetual problem, and a gridlocked perpetual problem.

تصفح المرجع ↗
Research Findings

Research Findings  The question of how the masters are different from the disasters of relationship has guided our research. Contrary to Bach’s idea that airing resentments solves everything, we discovered that gentleness is the key to dealing with conflicts. Equally important, we learned

تصفح المرجع ↗
- YouTube

Auf YouTube findest du die angesagtesten Videos und Tracks. Außerdem kannst du eigene Inhalte hochladen und mit Freunden oder gleich der ganzen Welt teilen.

تصفح المرجع ↗
Do Opposites Attract or Similarities?

Most couples are more dissimilar than similar, and that's something to celebrate. A relationship of opposites can thrive despite differences.

تصفح المرجع ↗