آخر يوم في العادات السرية




آخر يوم في العادات السرّية:
كان الصباح مختلفًا عمّا اعتدت عليه؛ فقد استيقظتُ ذلك اليوم على شعورٍ غريبٍ يجمع بين الهدوء والقلق، وكأنّ قلبي يعلن بداية مرحلة جديدة دون أن أدرك تمامًا ملامحها. وقفتُ أمام المرآة، فنظرتُ إلى وجهي طويلًا. لم أكن أرى ملامحي فحسب، بل رأيت رحلة سنواتٍ من التقلّب بين العزم والضعف، بين محاولات الإقلاع والعودة، بين الرغبة في التحرّر وشعور الانسياق. يومها أدركت ــ ربما للمرة الأولى ــ أنّ آخر يوم في العادات السرّية لا يبدأ بالامتناع، بل بالوعي.

عدات سرية

كتيب
— يوتيوب 

📚 المراجع

- YouTube

Auf YouTube findest du die angesagtesten Videos und Tracks. Außerdem kannst du eigene Inhalte hochladen und mit Freunden oder gleich der ganzen Welt teilen.

تصفح المرجع ↗


قيودٌ لا تُرى:
لم تكن العادة بحدّ ذاتها مجرد فعلٍ لحظي، بل كانت نوعًا من الهروب. هروبٌ من الوحدة، من الفراغ، من القلق الذي لم أجرؤ يومًا على تسميته. لم أكن أعترف لنفسي بذلك، وكنت أظن أنّ الأمر مرتبط بالرغبة الجسدية فقط؛ لكنّ الحقيقة أنّها كانت أكثر دهاءً من ذلك.لقد كنتُ في كل مرة أعود فيها إليها، أشعر بثِقَلٍ في صدري، وبأنّ جزءًا منّي يتساقط، لكنّني كنت أستمر رغم ذلك، لأنّ الإنسان أحيانًا يختار ما يريحه لحظيًا على حساب ما ينهكه طويلًا.
وفي تلك الليلة التي سبقت “اليوم الأخير”، وجدتني مستنزفًا. ليس بسبب الفعل نفسه، بل بسبب الإحساس الداخلي بالعجز. عندها قلت لنفسي:“إن كان لا بدّ من السقوط، فليكن سقوطًا أخيرًا يليه نهوض ثابت.”


اللحظة الفاصلة:
جلستُ في غرفتي ذلك الصباح، وفتحت نافذتي لأتنفّس هواءً باردًا يوقظ شيئًا نائمًا في داخلي. قررت أن أكتب، فبدأت أسجّل كل ما كنت أشعر به: الخسائر، والندم، والفراغ، وحتى تلك اللحظات التي ظننتُ فيها أنّ العادة هي ملجئي الوحيد. ومع كل كلمةٍ أكتبها، كنت أحسّ بأنّ حاجزًا ينكسر.
لم يكن الهدف أن ألوم نفسي، بل أن أفهمها.فالفهم هو بداية الشفاء، واللوم لا يصنع إلا دائرة جديدة من الضعف.
وبينما كنت أكتب، أدركتُ أنّ التغيير لا يبدأ من الخارج؛ لا من قرارٍ مفاجئ، ولا من انفعالٍ عابر، بل من إعادة بناء العلاقة مع الذات. كنت بحاجة إلى أن أرى نفسي بعينٍ رحيمة، لا بعينٍ قاسية، وأن أؤمن بأنّ القدرة على النهوض ليست بعيدة كما ظننت.
معركة داخلية
لم يكن اليوم الأخير يسيرًا. إذ لمجرد أن أتّخذ قرارًا لا يعني أن المعركة قد انتهت.فالعقل اعتاد نمطًا من الهروب، والظروف كانت نفسها، والفراغ نفسه، والصمت نفسه.
كانت الرغبة تتسلّل إليّ كضيف ثقيل، تطرق الباب بين الحين والآخر. لم أحاول أن أهرب منها، بل واجهتها بهدوء. قلت لنفسي:“هذه الرغبة ليست أنت. إنها ظلّ عادةٍ قديمة، وأنت الآن تعيد تشكيل نفسك.”
فكانت أول خطوةٍ عملية أن أغيّر روتيني اليومي. خرجتُ للمشي، مارستُ الرياضة، رتّبت غرفتي، وحاولت أن أشغل عقلي بما هو أنفع. ليس هروبًا، بل استبدالًا واعيًا لما كان يحتلّ وقتي وطاقتي.

علاج



اكتشاف الذات من جديد:
في اليوم الأخير، اكتشفتُ أنّ المشكلة لم تكن في الفعل وحده، بل في الفراغ الداخلي الذي جعلني أبحث عن أي وسيلة لملئه. اكتشفتُ أنّ علاقتي بجسدي وبنفسي لم تكن علاقة احترام، بل علاقة استهلاك لحظي.وبينما كنت أحاول إعادة ترتيب حياتي، بدأت أعود تدريجيًا إلى معنى كنت قد فقدته: الكرامة النفسية.
صرتُ أتأمل أكثر، وأدركت أنّ الإنسان حين يُهمل روحه، يستعبدها أيّ شيء.وحين يبدأ في العناية بها، تستعيد روحُه حريّتها تدريجيًا، حتى دون أن يشعر.
سقوطٌ أخير… ونهوض:
في نهاية ذلك اليوم، جلستُ في مكاني الهادئ المعتاد، وأغمضت عينَي.لم يكن الأمر انتصارًا كاملًا، ولم أكن واثقًا أنني لن أضعف في المستقبل، لكنّني كنت متأكدًا من شيء واحد:لقد تغيّرت نقطة داخلي، نقطة القرار.
أدركت أنّ “اليوم الأخير” ليس يومًا بلا رغبة، بل يومٌ بلا استسلام.ولا يشترط أن يكون خاليًا من الصراع، بل من الهروب.
اليوم الأخير هو اليوم الذي تقول فيه لنفسك:“أنا أستحقّ أن أعيش بوعي، وأن أحترم نفسي، وأن أختار ما يجعلني أقوى لا أضعف.”
بعد الرحلة
لم أكتب هذا اليوم لأتفاخر بنفسي، بل لأذكّرها، ولأذكّر كل من يقرأ، أنّ التحرّر من أي عادةٍ سيئة يبدأ من الداخل.يبدأ حين نفهم أنّنا بشر، نخطئ وننهزم ونقوم من جديد، وأنّ الإرادة ليست صخرة لا تنكسر، بل نبتةٌ نرويها كل يوم.
آخر يوم في العادات السرّية لم يكن نهاية حرب، بل بداية سلام.سلامٌ مع نفسي، مع جسدي، مع أفكاري، ومع الطريقة التي أريد أن أحيا بها.
حبيبكم:كتيب