هل يصح استخدام "واتس أب" في بيئات العمل؟
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخولوجدت الكثير من المؤسسات في مجموعات التواصل الاجتماعية ومن أبرزها "واتس أب" مبتغاها في تجميع موظفيها في بيئة افتراضية للتواصل وتبادل الآراء والنقاش، مستثمرة على محمل ظنها للمنجزات الرقمية في التحسين والتطوير، فباتت تنشأ وتتعدد المجموعات للمؤسسة الواحدة، حتى بات بعض الموظفين يسلك طريق "واتس أب" للتواصل مع زميله الذي يفصله عنه جدار أو قاصع زجاجي، فهل أحسنت المؤسسات تعاملها مع هذه التقنيات أم أنها باتت تحرق ذاتها بدافع التطوير؟
يعتبر الاتصال المباشر نوع الاتصال الأكثر جدوى وتحقيقا للأثر في العملية الاتصالية؛ نظرا لما يتضمنه من وفرة عناصر الإرسال والاستقبال، وحضور لغة الجسد التي تعزز من قدرة الكلمات المنطوقة في تحقيق المعنى، فالاتصال الوجاهي بين شخصين لا يشوشوه سوى معيقات البيئة المحيطة أو الذاتية لدى طرفي الاتصال أو أحدهما، ما يجعل من الاتصال الوجاهي على رأس أنواع الاتصال فعالية.
في ظل الاتصال الشبكي والافتراضي الذي أدخلته التكنولوجيا في عالمنا، تدرجت هذه التقنيات في إحداث التقارب في محاكاتها لنموذج الاتصال الوجاهي أو الشخصي، فانتقلت من الكتابة إلى الصوت والصورة والرموز التعبيرية التي تحاول سد الفجوة في لغة الجسد، إلا أنها لم تحقق التكاملية التي يستحوذ عليها الاتصال البشري المباشر، فما زالت قاصرة لأسباب قد تتعلق بالمرسل أو المستقبل أو التقنية ذاتها أو طريقة الاستخدام المثلى لها.
ليس موضوعنا الاتصال الثنائي الافتراضي، بل المجموعات الافتراضية التي تنتشر كثيرا في أوساط التجمعات والمؤسسات، والتي نشكل جزءا من مجتمعاتها وننتسب للكثير منها، ونعاين حجم المنافع والمصائب التي جلبتها لنا في ذات الوقت، نظرا لعدم إدراك كيفية التعامل الصحيح معها في ظل الاتصال الشبكي الذي يتطلب مهارات وخصوصية لكل تقنية أثناء الاستفادة منه.
مصدر المشكلات
أصبحت مجموعات "واتس أب" مصدرا للمشكلات والخلافات التي نعاينها بين الزملاء، فما إن يبدأ أحدهم نقاش موضوع ما، حتى تتشكل الأقطاب، ويبدأ الطرفان في استعراض ما لديهما، وصولا إلى السب والتجريح في بعض الأحيان، وخصومة في نهاية المطاف، لا بد وأن هذه الحالة مرت على كثير منا وعايشناها، وتسببت في خلافات ومشكلات في العمل المؤسسي.
اقرأ ايضا
أضحت مجموعات "واتس أب" منصات في بيئات العمل يعرض فيها الموظف ذاته وإنجازاته، ويتباهى أمام مرؤوسيه وزملائه، وهنا يتفاوت الاستثمار في ذلك بين موظف يحسن تسويق ما لديه وتضخيم ما أنجزه في عرضه لاستقبال الثناء والشكر، وبين موظف قد لا يملك تلك الدافعية في استعراض ما لديه حياء أو عدم قناعة أو لأسباب أخرى، على الرغم من تفوقه في إنجازاته على الأول، إلا أن البيئة الرقمية هي مساحة تشهر من يحسن استثمارها وليس من يصلح، ومثلها المجموعات الافتراضية.
لا تحتمل بيئات العمل لا سيما المكتبي أن تتعدد بيئات الاستقبال والاتصال مع استثناء بعض الأعمال لخصوصيتها؛ فالموظف يعمل في أوقات محددة وليس من حق مؤسسته إشغاله خارج وقت عمله، إلا أن المنصات الرقمية في بيئات العمل جعلت الموظف تحت تأثير توتر دائم ليلا ونهارا، فقد تصله رسالة أو طلب أو حتى سؤال يحتاج إجابة في غير وقت عمله، فيما ليس حقا لهم فيه، فضلا عن الكمّ الكبير من الرسائل التي تتدفق إلى جهاز الموظف، ويفترض مرسلوها وصولها إليه، وقد يترتب على ذلك حساب وعتاب، وكأنها أداة تواصل رسمي. فيما أن الاتصال الرسمي المؤسسي يجب أن يكون من خلال الاتصال المباشر أو بالإيميل الذي يعد مناسبا للبلاغات والكتب الرسمية وفي وقت العمل، فيما إن ما عداها من أشكال الاتصال التي باتت تستخدم في بعض البيئات بغية تحقيق سرعة الاستجابة ليست ذات شأن في الاتصال المؤسسي، ولا تعدو كونها مصدرا للتشويش يطال المؤسسة ويؤثر سلبا على بيئة العمل كلها.
من السلبيات التي يتسبب فيها استخدام واتس أب في العمل المؤسسي، إثقال الهاتف بالملفات الإدارية وسهولة ضياعها وفقدانها، فضلا عن عدم أخذها بصورة جدية رسمية، ناهيك عن فقدان عامل مهم في العمل المؤسسي وهو الأرشفة، التي تتيح سهولة الرجوع للمواد والخطابات والكتب والرسائل.
خصوصية المنصات
إن لكل منصة افتراضية استخدام خاص بها، ينبغي أن يحسن اختيار المنصة والتقنية المناسبة واستخدامها في المجال المحدد بها، وعليه وجب التفريق بين منصات التواصل الاجتماعي التي يقتصر دورها على التواصل الاجتماعي الإنساني دون العمل، وبين المنصات الخاصة بالاجتماعات والعمل والتعليم وما شابه، والتي يمكن الاستفادة منها في تحسين جودة العمل وتسريعه في عصر باتت السرعة أهم مزاياه، لا سيما الاجتماعات التي وفرت المنصات الافتراضية الوقت والجهد والسفر، فأتاحت إمكانات متقدمة في عقد الاجتماعات والمؤتمرات والتعليم وغيره.
نظرا للنقص في الإشارات والدلالات في الاتصال الافتراضي، فإن الرسائل في البيئات الافتراضية لا يفترض بها أن تصل بصورة فعالة كما يريدها المرسل، بل هي خاضعة للتأويل من قبل المستقبل بناء على فهمه ومزاجه وسياقات أخرى تؤثر فيها، وعليه، فإن استخدام الاتصال الافتراضي في بيئات العمل ينبغي أن يكون في حالات محددة وهي التي يصعب أن تكون مباشرة، والاتصال السريع الذي لا يستدعي شرحا وتفصيلا ونقاشا.
إن من أسوأ المجموعات تلك التي يتم إنشاؤها في البيئات التعليمية بين الأساتذة والطلاب، والتي تجرؤ الطالب على أستاذته، وتبيح له التواصل معهم في أتفه الأمور، لذا لا يصح مطلقا الاعتماد على مجموعات "واتس أب" في البيئة التعليمية، فهي مصدر خلق للمشكلات واقتحام للخصوصيات واستباحة للمقامات وهيبتها.
إن البيئة التعليمية كبيئة مؤسسية لا يصلح أن تدار وتمارس في "واتس أب"، وكارثة بعض المؤسسات أنها لا تدرك أنها تحرف الثقافة التعليمية في استخدامها لهذه المنصة في التواصل، وتستبدل التواصل بالطرق الرسمية والمتزنة مثل الإيميل بمراسلات "واتس أب"، ما يتسبب في المشكلات التي سبق وتم ذكرها.
متى نستخدم "واتس أب" وكيف نتصرف مع المجموعات النقاش؟
"واتس أب" وسيلة تواتصل اجتماعي وليس مهني، لكن مع انتشارها يمكن استخدامها في بيئة العمل بين الزملاء على نطاق محدود جدا وسريع، وبصورة التحويل لأداة اتصال أخرى وليس كشكل اتصال كامل، خاصة فيما يتعلق بالاتصال المكتوب وفي المجموعات على وجه الخصوص، فيما أن الاتصال الصوتي والمرئي هو أقل ضرارا لا سيما على المستوى الفردي، وإن كانت هناك منصات خاصة ومهيئة للاتصال المرئي الجماعي بصورة مناسبة.
إن مجموعات "واتس أب" هي مصدر للكثير من المشكلات لا سيما وأن كثير منها لا تدار بطريقة صحيحة، لذا فإن التعامل معها ينبغي أن يكون وفق المحددات الآتية (في البيئات العامة غير المؤسسية بطبيعة الحال):
- التخصصية في المجموعة، واحترامها من قبل منسوبيها وعدم إغراقها بالمواد ليس ذات الصلة.
- عدم طرح قضايا للنقاش مطلقا.
- النشر المتزن والمنضبط وعدم إثقال كاهل الأعضاء بالمواد التي تسبب نفورهم منها.
- عدم السماح للأشخاص الذين لديهم ميول ورغبة في الاستعراضات لذاتهم بالسيطرة على النشر في المجموعة.
- اقتصار مجموعات العمل إن كان لا بد منها على التواصل السريع غير التفصيلي.
أخيرا، إن استخدام وسائل التواصل يتطلب مهارات ومعرفة خاصة للوسيلة المناسبة للاتصال وفق معطيات تتعلق ببيئة الاتصال والمستقبل، لذلك تنوعت المنصات الرقمية التي تعنى بالتواصل بين منصات تواصل اجتماعي ومنصات تواصل في بيئات العمل والتدريس والتدريب وإيميلات، لذا يجدر اختيار الوسيلة المناسبة وعدم الخلط، وحسن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كـ "واتس أب" عند الاضطرار للتواصل في شأن خارج السياق الاجتماعي.