من دمشق.. هنا القاهرة! معكم عبد الهادي البكّار-1956. من غزة.. من هناك؟ معكم الوجدان الإنساني-2025.
من دمشق.. هنا القاهرة! معكم عبد الهادي البكّار-1956. من غزة.. من هناك؟ معكم الوجدان الإنساني-2025.
صوت العرب: نوفمبر 1956

في أواخر أكتوبر 1956.. وقع عدوان تاريخيّ على "مصر" تحالفت فيه فرنسا، و بريطانيا، و الكيان الصّهيوني من أجل الإطاحة بالرّئيس جمال عبد النّاصر كهدف مشترك بعد تأميمه لقناة السّويس، و من أجل أهداف مختلفة كلّ حسب موقعه الجيوسياسي. كانت بريطانيا تسعى إلى استعادة قوّتها و نفوذها في مصر اللّذان اهتزّا و اضطربا بعد تسلّم جمال عبد النّاصر لزمام الأمور. و كانت فرنسا تسعى إلى إبعاد "مصر" قدر المستطاع عن ثورة "الجزائر" حتّى تبقيها معزولة و تتمكّن من كسرها. و كان الكيان يسعى إلى جعل "مصر" تتوقّف عن دعم المقاومة الفلسطينيّة.
قامت القوّات الصّهيونية في 29 أكتوبر 1956 بقصف شرق قناة السّويس، و صحراء سيناء، و قطاع غزّة، لتتبعها فيما بعد القوّات البريطانية، و القوّات الفرنسية.
تمّ قصف مبنى إذاعة "صوت العرب" بالقاهرة، و توقّفت الإذاعة التي كانت تبثّ إلى كلّ العرب و بوجدان كلّ العرب عن البثّ؛ ليرتفع من "دمشق" صوت يومها قالوا -و لا زالوا يقولون- أنّ صاحبه مذيع و صحفيّ سوريّ اسمه عبد الهادي البكّار:
"من دمشق.. هنا القاهرة!"
"من دمشق.. هنا القاهرة!"
رغم الدّمار، و رغم الخراب، و الشّهداء، و الجرحى...، و رغم كلّ مشاهد الحرب التي كانت تعيشها تلك الشّعوب التي غدت مكمّمة بخسارتها لذلك الصّوت؛ الصّوت الذي كان يعبّر عنها و باسمها، إلا أنّ ذلك الصّوت الذي صدح من "دمشق" أتى إليها بمجدٍ عظيم.
و اليوم...
الإبادة في قطاع غزّة باستخدام التّجويع كسلاح حرب:
و هي تكابد سكرات الموت بعد أن قاوم جسدها النّحيل المخمصة لأيّام، تتساءل عجوز طاعنة في السّنّ:
- أين الوجدان الإنسانيّ؟
- أين الضّمير البشريّ؟
أ رأيتم؟ هي أيضا تؤمن بالعولمة..
تفصيل دقيق من تفاصيل هذه الحرب جعلها تؤمن بأنّ العالم ما هو إلا قرية صغيرة.. الأرجح أنّه غياب من كان يستوجب عليهم الحضور..! كان من المفترض ألّا يكونوا غائبين، إلّا أنّ عدم حضورهم جعل القريب و الغريب في كفّة واحدة فتوحّد العالم، و صار فقط يشاهد..! و اكتملت العولمة!.. العالم كلّه يشاهد..! العالم كلّه يندّد..! العالم كلّه مكتفٍ بالمشاهدة و التّنديد!!.. و حرب الإبادة باستخدام التّجويع كسلاح حرب متواصلة...
..................................
المــــــــــــأزق:
تجدر الإشارة إلى أنّ عبد الهادي البكّار المذيع و الصّحفيّ نفسه الذي قدّم صوته "مجدًا" لتلك الشّعوب التي فقدت صوتها قد قدّم كتابا بعنوان: "المأزق" ... ! لعلّه كان يملك هواية أخرى عدا موهبة الصّوت و سرعة البديهة.. أو ربّما كان يفقه الضّرب بالرّمل حتّى يحضّر هذا العنوان الكبير "المأزق" ليكون الكلمة الوحيدة المناسبة للتّعبير عن "غزّة" التي تأكل الرّمل، و عن العجوز التي تسلّم روحها إلى بارئها في "غزّة"بعد أن قاوم جسدها النّحيل المخمصة لأيّام و أيّام، و عن العالم الذي يكتفي بالمشاهدة، و عن العولمة... !
