محطات مأساوية في حياة ماري كوري....المرأة التي ملأت الأرض إشعاعات حتى أفناها

نشرت:
وقت القراءة: دقائق

ماريا سكوودوفسكا أو المعروفة باسم ماري كوري امرأة بولندية ولدت في وارسوا في 7 نوفمبر 1967م لعائلة امتهنت التعليم ونبغت به ولكن النابغة الأكبر بينهم كانت هي فماري تعد أول امرأة تحصل على جائزة نوبل وأحد شخصين حصلا على الجائزة في مجالين مختلفين وهي أيضا الشخص الوحيد الذي حصل على جائزة نوبل للعلوم في مجالين مختلفين حيث حصلت على واحدة في الفيزياء والأخرى في الكيمياء.

وضعت نظرية للنشاط الإشعاعي وإليها ينسب مصطلح نشاط إشعاعي كما ابتكرت نظرية لفصل النظائر المشعة واكتشفت بمساعدة زوجها بيير كوري عنصري البولونيوم والراديوم وتحت إشرافها أجريت أول دراسات لمعالجة الأورام باستخدام النظائر المشعة كما أسست معهدي كوري في باريس و وارسو.

محطات مأساوية في حياة ماري كوري....المرأة التي ملأت الأرض إشعاعات حتى أفناها

ورغم الحياة الحافلة بالإنجازات العلمية والمجد والنجاح إلا أنها أيضا كانت حافلة بالمشاق والصعاب والأحداث المأساوية لذا سنقود معا قطار حياة ماري لنمر على تلك المآسي لنعلم أن المجد يولد من رحم المعاناة.

لقاءاتٍ متعددة مع الموت

كان أول التحام لماري مع الموت مبكرا ففي عمر الثانية عشر فقدت والدتها التي كانت تعاني من مرض الدرن.


اقرأ ايضا

    محطات مأساوية في حياة ماري كوري....المرأة التي ملأت الأرض إشعاعات حتى أفناها

    ولم يكد يمر عاميين على فاجعة رحيل والدتها حتى باغتها الموت بلقاءٍ آخر اختطف فيه شقيقتها الكبرى تسوفيا متأثرة بمرض التيفوس.

    كانت الصدمة بالغة فزلزلت كيانها وغيرت موازينها فبعدما كانت تؤمن بكاثوليكية أمها تركتها وانتهجت اللاأدرية.

    ثالث لقاءٍ لماري مع الموت كان الأشد وطأةً والأكثر قسوة حينما فقدت زوجها ورفيق أبحاثها بيير كوري بعدما قُتل في حادث سير حيث صدمتها عربة تجرها الخيول فسقط تحت عجلاتها وتكسرت جمجمته تاركا لها طفلتين أكبرهما في التاسعة وأصغرهما في الثانية مما ترك ماري في حالة انهيار شديد وأصبحت تتعرض لنوبات من الاكتئاب لكن كل ذلك لم يثنها عن مواصلة رحلتها بل دفعها لقبول كرسي الفيزياء بجامعة السوربون خلفا لبيير أملا في إنشاء مختبر عالمي كتحية له.

    ماري وبيير كوريماري وبيير كوري

    بداية رحلة مع الفقر

    ذاقت ماري الفقر عندما فقدت عائلتي والديها ممتلكاتهم بعد انخراطهم في العمل الوطني وبعد تخرجها من المدرسة الثانوية كانت لأوضاع السياسية التي فرضتها روسيا على بولندا تقضي بمنع النساء من الالتحاق بالجامعات ولما لم تستطع إكمال تعليمها الجامعي في بولندا اتفقت مع شقيقتها برونيسلافا على أن تذهب برونيسلافا لدراسة الطب في باريس وتنفق عليها ماري ثم بعد عامين تتبادلان المواقع فعملت ماري كمربية لمدة خمس سنوات قبل أن تذهب إلى باريس وتلتحق بالسوربون وتبدأ رحلتها العلمية.

    ورغم انجازاتها والجوائز التي حصلت عليها إلا أنها لم تحظى بحياة مترفة حيث عرفت بأمانتها ونمط حياتها المعتدل فكانت هي وزوجها يرفضان الجوائز والميداليات كما أنها أنفقت معظم جائزتها الأولى على المحتاجين خاصة من طلابها وفي الحرب العالمية الأولى قدمت ماري جراما من الراديوم الخاص بها لعلاج الجنود واشترت سندات الحرب بقيمة ميداليتي نوبل الذهبيتين اللتين حصلت عليهما كما امتنعت عمدا عن تسجيل براءة اختراع فصلها للراديوم حتى يسهل على الباحثين دراسته دون عوائق لذا قد وصفها ألبرت أينشتاين بأنها ربما كانت الشخص الوحيد الذي لم تفسده شهرته.

    خذلان حبيب

    قبل التحاق ماري بجامعة السوربون ونتيجة لاتفاقها مع شقيقتها عملت كمربية لدى عائلة تسورافسكي وهي عائلة ميسورة الحال تمت بصلة قرابة إلى أبيها وهناك وقعت في حب ابن تلك العائلة الشاب كازيمير تسورافسكي والذي صار فيما بعد من كبار علماء الرياضيات إلا أن عائلته رفضت ارتباطه بفتاة معدمة فقدت عائلتها جميع ممتلكاتها ولم يستطع كازيمير الوقوف بوجه عائلته واستغنت العائلة عن خدمات ماري فتوجهت للعمل في مدينة سوبوت شمال بولندا وظلت هناك لمدة عام حتى وجهت لها شقيقتها الدعوة للحاق بها في باريس لكن ماري رفضت الدعوة حيث كانت لا تزال تملك الأمل في الارتباط بكازيمير تسورافسكي فتوجهت للعيش مع والدها في وارسو وظلت هناك قرب العامين حتى وصلها خطاباً من كازيمير أنهى كل آمالها في الارتباط به فقبلت دعوة شقيقتها ورحلت إلى باريس حيث انهمكت بدراسة الفيزياء والكيمياء والرياضيات بجامعة السوربون.

    حب جديد وفضيحة مدوية

    في عام 1911 أُشيع أن ماري على علاقة عاطفية بالفيزيائي بول لانجفان تلميذ زوجها الراحل والذي يصغرها بخمس سنوات وكان لانجفان متزوجا ونافرا من زوجته لذا تسببت تلك الإشاعة في فضيحة صحفية مدوية استُخدمت ضدها في الترشيحات الأكاديمية حيث صورتها الصحف في صورة المرأة الأجنبية هادمة الزيجات.

    ماري كوري وابنتيها إيرين وإيفماري كوري وابنتيها إيرين وإيف

    كانت ماري حينها في بلجيكا وعند عودتها وجدت تجمهراً غاضباً عند منزلها فلجأت بابنتيها إلى منزل صديق وأدت تلك الفضيحة إلى انعزال ماري لبعض الوقت إلا أن ذلك لم يمنع فوزها بجائزة نوبل في الكيمياء في نفس العام كما أن من الطريف أنه بعد سنوات من الحادثة تزوجت حفيدة كوري بحفيد لانجفان.

    رفض عنصري وتعسف

    لقيت ماري الرفض والتهميش سواءً في موطن ولادتها أو في الموطن الذي حملت جنسيته ففي بولندا رُفضت لكونها امرأة فرفضت جامعة كراكوفيا طلب ماري الالتحاق بها وفي فرنسا رُفضت لكونها امرأة أجنبية فلم تعترف فرنسا بمجهودات ماري أثناء الحرب العالمية الأولى رغم كل تبرعاتها ومساهماتها التي ساعدت على علاج أكثر من مليون جندي ورغم شهرتها كعالمة تعمل لصالح فرنسا إلا أن موقف الجمهور الذي يميل لكراهية الأجانب دفع الصحافة لانتقادها بشدة لكونها أجنبية ملحدة وذلك أثناء انتخابات الأكاديمية الفرنسية للعلوم.

    في عام 1903 دعيت هي وبيير إلى المعهد الملكي في لندن لإلقاء كلمة عن النشاط الإشعاعي إلا أن ماري منعت من الحديث لكونها أنثى وسُمح لبيير فقط.

    في عام 1921 استقبلها رئيس الولايات المتحدة وارن هاردن وقبل الاجتماع ونظرا لهرتها العالمية المتزايدة وتحت وطأة الشعور بالحرج بكون ماري لم تكرم بأي تكريم فرنسي رسمي ترتديه في المناسبات العامة قدمت لها الحكومة الفرنسية وسام جوقة الشرف إلا أن ماري رفضته.

    علقت ابنة ماري كوري على النفاق العام تجاه والدتها فقالت: "الصحافة الفرنسية التي عادةً ما كانت تصور ماري على أنها أجنبية عندما يتم ترشيحها لتكريم فرنسي هي نفسها التي صورتها كبطلة فرنسية عندما فازت بجائزة أجنبية كجوائز نوبل".

    وفاة ماري كوري

    في الزمن الذي أجرت فيه ماري دراساتها العلمية لم تكن الأضرار المميتة للإشعاع قد عُرفت بعد ولم يكن العلماء على دراية باحتياطات السلامة اللازمة للتعامل مع العناصر المشعة فلطالما حملت ماري أنابيب اختبار تحوي نظائر مشعة في جيبها واحتفظت بها في درج مكتبها دون أن تدرك أخطارها كما تعرضت ماري للأشعة السينية من أجهزة غير معزولة أثناء تأدية خدماتها الصحية أثناء الحرب العالمية الأولى.

    محطات مأساوية في حياة ماري كوري....المرأة التي ملأت الأرض إشعاعات حتى أفناها

    نتيجة لذلك أصيبت ماري بفقر الدم اللاتنسجي (فشل نخاع العظم) وأدى ذلك إلى وفاتها في صيف عام 1934م ودفنت بجوار زوجها الراحل بيير كوري في مقبرة سو بفرنسا إلا أنه في عام 1995م نقل رفاتهما إلى مقبرة العظماء تكريما لهما لتكون بذلك ماري أول امرأة تحظى بهذا التقدير.

    لازالت جميع أوراق كوري وحتى كتاب الطهي الخاص بها محفوظة في صناديق مبطنة بالرصاص ويستدعي التعامل معها احتياطات خاصة باعتبارها مواد مشعة شديدة الخطورة.

    اقرأ ايضاّ