لماذا نتجنب قول "لا"؟ بين المجاملة وفقدان الذات
مقدمة

في عالم مليء بالعلاقات الاجتماعية المتشابكة، يواجه الكثير منا صعوبة في قول "لا". كلمة قصيرة مكونة من حرفين فقط، لكنها محمّلة بثقلٍ نفسي واجتماعي كبير. نتردد في نطقها خوفًا من رفض الآخرين، أو حتى من تأنيب الضمير. لكن، لماذا؟ ولماذا تتحول المجاملة إلى عادة تستنزفنا نفسيًا وتدفعنا للتنازل عن حاجاتنا ورغباتنا؟ في هذا المقال، نستعرض جذور هذا السلوك، وتأثيره على صحتنا النفسية، وكيف يمكننا استعادة القدرة على الرفض دون شعور بالذنب.
الخوف من الرفض الاجتماعي
منذ الصغر، يتم تلقيننا أن الرفض يُعتبر سلوكًا سلبيًا، نُكافأ عندما نُطيع، ونتعرض للوم إذا عبّرنا عن رغبات مختلفة أو اعتراضات، ينمو داخلنا شعورٌ بأن الرفض يعني الأنانية أو قلة الاحترام، خصوصًا في المجتمعات التي تقدّس الجماعة والانسجام الاجتماعي على حساب الفرد.
تشير الأبحاث النفسية إلى أن دماغ الإنسان يتفاعل مع الرفض الاجتماعي بالطريقة نفسها التي يتفاعل بها مع الألم الجسدي، مما يفسّر سبب تجنّبنا للرفض حتى وإن كان بسيطًا أو غير منطقي (Eisenberger et al., 2003).
المجاملة كأداة للهروب من المواجهة
نحن لا نقول "نعم" دائمًا بدافع الكرم أو اللطف، بل أحيانًا بدافع الخوف من المواجهة. فنحن نفضل خسارة الوقت أو الجهد على الدخول في حوارٍ قد ينتهي برفض أو صدام. هذا السلوك يُظهر أننا نستخدم المجاملة كوسيلة لحماية أنفسنا من التوتر الآني، بينما نراكم ضغطًا نفسيًا طويل المدى.
أثر قول "نعم" على حساب الذات
الاستمرار في الاستجابة الإيجابية على حساب حاجاتنا يؤدي إلى عدد من المشكلات النفسية، من أبرزها:
- الإرهاق العاطفي: حيث يشعر الإنسان بأنه دائم العطاء دون مقابل.
- انعدام التوازن بين العمل والحياة الشخصية.
- الاحتراق النفسي(Burnout) نتيجة الالتزامات الزائدة.
- فقدان الهوية الفردية نتيجة التنازل المستمر عن الرغبة الشخصية.
بحسب دراسة نُشرت في Journal of Occupational Health Psychology، فإن الأشخاص الذين لا يملكون القدرة على الرفض يتعرضون لمستويات أعلى من الضغط والتوتر مقارنةً بمن يضعون حدودًا واضحة.
لماذا "لا" ليست سلبية؟
كلمة "لا" هي وسيلة لحماية الذات، وهي جزء من مهارة تُعرف باسم "توكيد الذات". إنها لا تعني التمرد أو العدوانية، بل تشير إلى احترام الشخص لحدوده الشخصية ووقته ومشاعره.
القدرة على الرفض تعزز من احترام الذات، وتُعلّم الآخرين احترامنا. عندما تقول "لا" لما لا يناسبك، فإنك تفسح المجال لنعم حقيقية تُعبّر عنك.
كيف تقول "لا" دون أن تشعر بالذنب؟
- استخدم عبارات لبقة: كأن تقول "أقدّر دعوتك ولكن لا أستطيع هذه المرة".
- لا تبرر كثيرًا: التفسير المفرط يعطي المجال للطرف الآخر للضغط عليك.
- تذكّر أولوياتك: هل هذا الطلب يتماشى مع أهدافك الشخصية أو المهنية؟
- تمرّن على الرفض: ابدأ برفض الأمور الصغيرة لتعتاد التعبير عن نفسك.
بين اللطف والاستغلال: أين الخط الفاصل؟
اللطف لا يعني السماح للآخرين باستغلال وقتك وطاقتك. هناك فرق بين تقديم المساعدة بإرادتك، وبين التنازل المتكرر لإرضاء الجميع. المفتاح هو أن تكون مساعداتك نابعة من رضاك الذاتي، لا من خوفك من نظرة الآخرين.
إقرأ أيضًا عن: ما هو الرفض وأنواعه، وكيفية التعامل معه
خاتمة: الحرية تبدأ من "لا"

في قول "لا" تكمن حرية لا يدركها الكثيرون، إنها علامة على النضج النفسي، وعلى إدراكٍ عميق لقيمة الذات. تذكّر أن الرفض ليس موقفًا ضد الآخرين، بل هو موقف مع نفسك. و"نعم" الحقيقية لا تُقال إلا حين تكون خالية من الإجبار والضغط.
دعوة للتفاعل:
هل تجد صعوبة في قول "لا" في حياتك اليومية؟ وما المواقف التي شعرت فيها أنك تقول "نعم" بينما كنت تتمنى الرفض؟ شاركنا تجاربك وآراءك في قسم التعليقات، فنحن نؤمن بقوة الحوار في إحداث التغيير
المصادر:
Shereen Montaser
ادارية تكنولوجية وكاتبة، سكرتارية وسجل طبيانا شيرين تخصص ادارة تكنولوجية وسكرتارية وسجل طبي، أم لطفلتين ولدي الشغف والمحبة لكتابة المقالات في مختلف انواع المجالات ايضا ما يخص الصحة للاطفال والذكاء الاصطناعي