كيف تحسن قدرات عقلك على التعلم

آية  محمد توفيق
كاتبة مقالات ومترجمة
نشرت:
وقت القراءة: دقائق

في ظل التغيرات السريعة التي نواجهها اليوم في عصر تتزاحم فيه المعلومات ويتسابق فيه الناس على الفوز بمهنة الأحلام، يسعى كثير من الطلبة والخريجين للتعلم والمطالعة وزيادة الإنتاجية اليومية لمواكبة التقدم الهائل في عالم المعلومات الضخم، ولذلك أصبح من الضروري تحسين قدراتنا العقلية وتعزيز القدرات الذهنية لتحسين التعلم.

آلية العقل في عملية التعلم

قبل أن نبدأ لا بد من فهم طريقة عمل الدماغ البشري حتى نستطيع التحكم به قليلاً ونتمكن من التعلم بصورة أفضل. يتكون دماغ الإنسان من حوالي 86 مليار خلية عصبية، كل خلية تعمل عن طريق إرسال رسائل (إشارات) من المخ إلى جسم الإنسان. فمثلاً إذا كنت تريد الكتابة الآن، تقوم الخلية العصبية في الدماغ بإرسال إشارة "تحريك الأصابع" إلى الخلايا العصبية الموجودة في يدك. وكل خلية عصبية متصلة بعدد هائل من الخلايا الأخرى الذي يصل عددها إلى 10000 خلية أخرى مما يجعل المخ أشبه بشبكة عنكبوتية ضخمة.

أثناء عملية التعلم، تحدث بعض التغيرات في الدماغ ومن أهمها تكوين روابط جديدة بين الخلايا العصبية، تسمى هذه العملية بالمرونة العصبية. تقوى هذه الروابط العصبية مع استمرار التعلم، وكلما زادت قوة هذه الروابط تنتقل الرسائل أو الإشارات بسرعة متزايدة مما ينتج عنها عملية تعلم مثمرة. والعكس صحيح، عندما تتوقف عن التعلم تضعف الروابط بين الخلايا العصبية وتتفكك. ولذلك تجد أحيانًا صعوبة في العودة لقراءة دروسك بعد انقطاعك عن القراءة طوال فترة الإجازة.

ومع ذلك، قد تصبح بعض الشبكات العصبية قوية للغاية للحد الذي يجعل الروابط العصبية لن تختفي أبدًا. ذلك لأن التعلم يعيد تنشيط الخلايا العصبية التي تُظهر مدى مرونة المخ وقابليته للتغييرات مما يزيد من قدرة العقل على استيعاب وفهم المعلومات.

إذن كيف يمكنك مساعدة الخلايا العصبية على إنشاء وتقوية الروابط فيما بينها؟

5 أفكار لتعزيز قدرتك على التعلم

هناك العديد من الأساليب والمنهجيات التي يمكن اتباعها لتحسين أداء الدماغ وتعزيز قدرته على التعلم، ومن بينها:

ممارسة الرياضة بانتظام

لا شك أن للرياضة منافع عديدة على المستوى البدني، بالإضافة إلى ما توصل له علماء الدماغ إلى أهميتها في تحسين الذاكرة وتنشيط العقل. إذ أظهرت العديد من الدراسات أن الأشخاص الرياضيين أقل عرضة للإصابة بالزهايمر وتدهور وظائف دماغهم العقلية. ويرجع هذا الأمر إلى زيادة تدفق الدم إلى المخ أثناء ممارسة التمارين الرياضية. كما أنها تساعد في مواجهة نقص الروابط الدماغية المتزامنة مع التقدم في العمر.

ممارسة رياضة المشيممارسة رياضة المشي

تنشيط الدماغ واستعادة المعلومات

من الطرق الشائعة التي يفعلها المتعلمون أثناء الدراسة أن يمروا بأعينهم على المعلومات ويقعون في فخ القراءة السريعة أو تسريع مقاطع الفيديو للانتهاء من دروسهم سريعًا. ولكن هذه الطرق لن تجدي تنفعًا، لأن تقوية الروابط بين الخلايا العصبية وتنشيطها تتطلب تكرار المعلومات أكثر من مرة، أما لخلق روابط جديدة بين الخلايا والتعلم بصورة أعمق فلا بد من استعادة المعلومات.

على سبيل المثال، إذا كنت تتعلم مسألة حسابية جديدة فلن يكفي مجرد قراءة خطوات حل المسألة، بل من الأفضل استدعاء الحل من ذاكرتك حتى لو كان الحل خاطئ فلن تتعلم إلا من خلال التجربة والخطأ. إذ يقول العلماء إن المعاناة تحسن من عملية التعلم لأنك عندما تتحدى نفسك فهذا مؤشر على أن دماغك يبني روابط جديدة. ولاحظ العلماء أيضًا أن الاختبارات والتمارين تحسن من تذكر المعلومات أكثر من المطالعة فقط.

المحافظة على اليقظة الذهنية

كيف تحسن قدرات عقلك على التعلم

إن عقل الإنسان كما العضلة، ينمو ويكبر مع التمارين والممارسة وعند إهماله يضعف وينكمش. وأظهرت الدراسات أن الأنشطة العقلية تحفز نشاط الروابط الجديدة بين الخلايا العصبية، بل وربما تساعد في خلق خلايا جديدة تطور من عملية المرونة العصبية وتبني احتياطي وظيفي يوفر الحماية ضد فقدان الخلايا في المستقبل. وهناك العديد من الأفكار الجيدة لتنشيط عقلك طوال الوقت، مثل: القراءة والرسم والتلوين وحل الكلمات المتقاطعة وألعاب البطاقات والألغاز وتعلم لغة جديدة.

ومن الحيل الجيدة أيضًا استخدام يدك غير المستخدمة (غير المُهيمنة) في الأنشطة الروتينية، مثل: فرش الأسنان أو تمشيط شعرك أو تشغيل الأضواء. يمكنك أيضًا أن تجرب طريقًا مختلفًا للذهاب إلى مكان عملك أو جامعتك أو التسوق من مكان جديد أو أن تتحدى نفسك بفتح باب غرفتك وأنت مغمض العينين. كل ذلك يعزز من مرونة العقل والقدرة على التعلم، المهم حاول أن تتحدى نفسك بشيء جديد كل يوم.

التغذية السليمة

"العقل السليم في الجسم السليم" من منا لم يسمع هذه المقولة من آبائنا أو حتى من معلمينا في المدرسة، رغم بساطة هذه الجملة إلا أنها تنطوي على حقيقة علمية مثبتة. إذ إن كل ما تأكله يؤثر على عقلك سواء بالسلب أو بالإيجاب، لذلك من الضروري أن تتبع حمية غذائية تحتوي على خضروات وفاكهة مع التقليل من الوجبات السريعة واللحوم المصنعة، لتساعد في تنشيط عقلك والمحافظة على سلامته. فيمكنك تناول خضروات مثل البروكولي والسبانخ والطماطم والفراولة لتقوية الذاكرة وتحسين أداء وظائف المخ.

كما أن الأطعمة الغنية بالأحماض الدهنية أوميجا 3 تحافظ على الوظيفة الإدراكية وتحمي العقل من التعرض للاكتئاب والقلق والتوتر. وتحتوي البروتينات على مستويات عالية من الأحماض الأمينية التي تنتج الناقلات العصبية المرتبطة باليقظة العقلية. بالإضافة إلى حمية البحر المتوسط التي تركز على تناول الأطعمة النباتية والحبوب الكاملة والأسماك والدهون الصحية كالمكسرات وزيت الزيتون.

تخصيص وقت للاسترخاء

يجب الحفاظ على التوازن بين العمل والراحة وتحديد فترات محددة للراحة لتفادي الإجهاد واستعادة نشاطك مرة أخرى. ولقد لاحظ العلماء أن فترات الراحة بين جلسات التعلم تُحسن من قدرات الذاكرة واستيعاب المعلومات. ويفضل أن تتم عملية التعلم على جلسات متعددة يتخللها فترات من الراحة، فبدلاً من الجلوس للدراسة لمدة 3 ساعات متواصلة يمكنك تقسيم الجلسة الواحدة إلى 3 جلسات بينهم فواصل للحصول على قسط من الراحة لتسمح لعقلك بتقوية الروابط التي كونتها أثناء الدراسة لتزيد من كفاءة التعلم.

النوم الكافي

يعد النوم المتقطع من أهم مسببات نقص التركيز وضعف الذاكرة، حيث أثبت العلماء أن النوم يساعد في إزالة البروتينات غير الطبيعية وترسيخ الذكريات وتحسين الذاكرة وصحة الدماغ بشكل عام. يحتاج البالغون ما بين 7 أو 8 ساعات من النوم المتواصل كل ليلة لتحقيق فوائد كبيرة ولأداء مهامهم بأعلى قدرة ممكنة خلال اليوم. لذا حاول كل ليلة أن تأخذ قسطًا وفيراً من النوم المتواصل لأنه يعمل على تثبيت الذكريات وتخزينها.

عادات سيئة تضعف نشاط الدماغ

معرفة الداء نصف الدواء، من المهم أن نتعرف على العادات السيئة التي تؤثر على أدمغتنا مثلما تعلمنا الأساليب الصحية لتعزيز نشاط الدماغ.

القلق والتوتر

القلق هو طاعون العصر الحديث حيث يعاني أغلب سكان العالم اليوم من القلق المزمن، وهذا بدوره يؤدي إلى قتل الخلايا ويضعف قشرة الفص الجبهي للدماغ المسؤولة عن الذاكرة والتعلم. بالإضافة إلى أن القلق يزيد من ضغط الدم ويضعف الجهاز المناعي ويسبب الاكتئاب ويزيد من احتمالية الإصابة بالضباب الدماغي نتيجة للإجهاد الذهني. ونتيجة لذلك لا يمكن لعقل مجهد أن يفكر تفكيرًا سليمًا أو يركز على أي شيء.

ولكي تتعامل مع القلق والتوتر بشكل سليم، عليك التحلي بالمرونة أثناء ردات فعلك. بمعنى أنك إذا كنت تشعر أنك ستدخل في نوبة الغضب خذ نفس عميق وذكّر نفسك دائمًا أنك لا تعرف كل شيء ومن الوارد أن تخطئ وتقبل أن تكون اقتراحات الآخرىين ربما تكون جيدة. ولتجنب القلق من الأمور المستقبلية، فكر جيدًا فيما أنت مقدم عليه وخطط للمواقف غير المتوقعة وتدرب على ردة فعلك عند حدوث أسوأ سيناريو.

الجلوس لفترات طويلة

الجلوس لفترات طويلةالجلوس لفترات طويلة

كشفت بعض الدراسات أن البالغون يجلسون لمدة 6 ساعات ونصف يوميًا، وكل هذا الوقت يحدث فيه عددًا من التغيرات في أدمغتهم. ففي دراسة أجرتها مجلة (بلس ون) في عام 2018 وجدت أن الجلوس لمدة طويلة مرتبط بالتغيرات التي تحدث في فص المخ المسؤول عن الذاكرة. واستخدم الباحثون فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي لفحص الفص الصدغي الأوسط - منطقة في الدماغ مسؤولة عن صنع ذكريات جديدة - على أشخاص تتراوح أعمارهم بين 45 و75 سنة، ثم قارنوا الفحوصات بمتوسط عدد الساعات التي يجلس فيها هؤلاء الأشخاص. وجدوا أن الأشخاص الذين يجلسون في أماكنهم عدد ساعات أكبر تتقلص لديهم مناطق الفص الصدغي الأوسط ويمكن أن يكون تقلص هذه المناطق تمهيدًا للتدهور المعرفي والخرف.

ولمواجهة الأضرار الناجمة عن الجلوس الطويل، حاول أن تتحرك كل 15 - 30 دقيقة وقم بعمل بعض التمارين الخفيفة أو المشي حول المنزل أو الوقوف والتمدد بشكل متكرر

عدم وجود حياة اجتماعية

من الأمور الشائعة في الوقت الحالي الانعزال والانفصال عن المجتمع وأصبح كل فرد يدور حول نفسه بمعزل عن الآخرين وتطور هذا الأمر خاصة بعد فيروس كورونا مما أدى إلى زيادة معدلات الاكتئاب إذ إن الوحدة مرتبطة بسوء الحالة المزاجية. وجدت دراسة أجريت في يوليو 2021 في مجلة (the Journals of Gerontology) أن الأشخاص المنعزلين هم أكثر الناس عرضة لفقد المادة الرمادية المسؤولة عن معالجة المعلومات.

يمكنك التفكير في التواصل الاجتماعي لصيانة الدماغ كالتمارين الرياضية للحفاظ على صحة الجسم. يتطلب قوة دماغية لا تقتصر على تذكر أسماء الأشخاص فقط وإنما لمعرفة مهنتهم وعدد أطفالهم والتعرف على هواياتهم. هذه المحادثة تجبر دماغك على الاستماع إلى كلمات المتحدث والانتباه إلى نبرة صوته ولغة جسده لتخمين ما سيقوله لك.

إذا كنت قد فقدت حماسك للتواصل مع الآخرين خاصةً بعد جائحة كورونا، يمكنك التواصل مع الناس من جديد من خلال البدء بمجموعة صغيرة مكونة من فردين أو ثلاثة أفراد تريد أن تشاركهم اهتماماتك وأحداث يومك واحرص على اختيار أفراد يهتمون بك حقًا ليشجعوك على التواصل معهم. وإذا كنت موظف عن بعد وتعمل من خلال منزلك، فيمكنك قضاء بعض الوقت في مقهى أو مكتبة حيث يمكنك رؤية أشخاص جديدين والتواصل معهم بعفوية.

تناول السكريات والمشروبات الغازية

هناك العديد من الدراسات التي أجريت لتقييم تأثير السكريات والحلويات المصنعة والمشروبات الغازية على جودة التعلم، وتشير هذه الدراسات إلى أن استهلاك السكريات والمشروبات الغازية بكميات كبيرة يمكن أن يؤثر سلبًا على جودة التعلم.

الحلوى المصنعةالحلوى المصنعة

في دراسة أجريت في عام 2017، وجد الباحثون أن الطلاب الذين شربوا المشروبات الغازية قبل الاختبارات الخاصة بهم حصلوا على درجات أقل من الطلاب الذين لم يتناولوا هذه المشروبات. وفي دراسة أخرى أجريت في عام 2020، وجد الباحثون أن استهلاك السكريات يمكن أن يؤدي إلى تراجع في الذاكرة والتركيز والانتباه.

بالإضافة إلى ذلك ، يمكن أن يؤدي تناول كمية كبيرة من السكريات والمشروبات الغازية إلى زيادة الوزن والسمنة وارتفاع ضغط الدم ، وهذه الأمور يمكن أن تؤثر على جودة التعلم بشكل غير مباشر.

لذلك، من المهم الحفاظ على نظام غذائي صحي ومتوازن ، وتجنب تناول السكريات والمشروبات الغازية بكميات كبيرة ، وخصوصًا قبل الدراسة أو العملية التعليمية. بالإضافة إلى ذلك ، يجب التركيز على تناول الأطعمة الصحية والغنية بالفيتامينات والمعادن التي يحتاجها الجسم للحفاظ على صحة الدماغ والوظائف العقلية الأخرى.

في النهاية، يمكن القول أنه يمكن تحسين قدراتك على التعلم ببعض التغييرات البسيطة في نمط حياتك. إذا كنت تتبع النصائح الصحية الأساسية مثل ممارسة الرياضة والتغذية السليمة واستعادة المعلومات وتجنب العادات السيئة، فستشعر بتحسن عام في صحتك العقلية والجسدية. علاوة على ذلك، قد يساعد الاهتمام بصحتك العقلية على تحسين علاقاتك الاجتماعية وزيادة إنتاجيتك ورفاهيتك الشخصية.

المراجع

آية  محمد توفيق

آية محمد توفيق

كاتبة مقالات ومترجمة

منذ صغري أرى الحروف تتلألأ على الورق مثلما تتلألأ النجوم في السماء، أهوى اللغات وأعشق الكتابة، ففي الكتابة أجد نفسي في عوالم مختلفة وعندما أمسك بالقلم أشعر أنني أتحكم بمجرى حياتي.

تصفح صفحة الكاتب

اقرأ ايضاّ