
كم مرة اتخذت قرارًا وقلت لنفسك: "لا أعلم لماذا فعلت ذلك"؟ الحقيقة أن كثيرًا مما نفعله، نختاره، أو حتى نؤمن به، لا ينبع من وعينا الكامل، بل من عقلنا اللاواعي. إنه العقل الصامت، لكن تأثيره ضخم.
فهل نحن فعلاً من يقود حياتنا… أم تقودنا أفكار لا نراها؟
ما هو العقل اللاواعي؟

- يحتوي على ذكريات الطفولة، التجارب السابقة، المخاوف، العواطف المكبوتة، والمعتقدات العميقة.
- يتحكم في ردود أفعالنا التلقائية، وانطباعاتنا الأولى، وحتى ميولنا تجاه أشخاص أو قرارات.
كما قال سيغموند فرويد:
"العقل اللاواعي هو المحرّك الرئيسي للسلوك الإنساني."
أمثلة من الحياة اليومية:

- اختيار الملابس:قد تختار لونًا معينًا لأنك رأيته على شخص تحبه في الماضي… دون أن تدرك ذلك.
- الانطباع الأول:تحكم على شخص خلال 3 ثوانٍ فقط. لماذا؟ لأن عقلك اللاواعي يربط ملامحه، صوته، أو رائحته بتجربة سابقة.
- تجنب فرص معينة:قد ترفض عرضًا جيدًا بسبب "شعور غريب"… غالبًا لأنه يذكّرك بلا وعي بتجربة فاشلة.
- العلاقات العاطفية:تنجذب لأشخاص معينين لأنهم يشبهون (في العمق) أنماطًا عرفتها في الطفولة، سواء كانت إيجابية أو سلبية.
كيف يتحكم اللاواعي في قراراتنا؟

- التحيّز المعرفي: قراراتك تميل دون أن تشعر لتأكيد معتقداتك السابقة (حتى لو كانت خاطئة).
- العادات والتكرار: قراراتك تتشكل من تجارب متكررة قام عقلك اللاواعي ببرمجتها.
- الرسائل المخفية والإعلانات: الشركات تزرع رموزًا ولافتات تعمل على العقل اللاواعي لتؤثر في سلوك الشراء.
كيف نعيد الوعي لقراراتنا؟

- التأمل والوعي الذاتيخصص دقائق يومية لملاحظة أفكارك دون حكم. سترى ما يدور في خلفية عقلك.
- الكتابة اليومية (Journal)تساعدك على كشف الأنماط اللاواعية من خلال تتبع أفكارك ومشاعرك.
- العلاج النفسي أو المعرفيأداة فعالة للغوص في الجذور القديمة التي تؤثر على قراراتك اليوم.
- استخدام التأكيدات الإيجابيةتساعد على "إعادة برمجة" اللاواعي تدريجيًا من خلال تكرار جمل تحفيزية.
إنّ فهمنا للعقل اللاواعي ليس مجرد ترف فكري، بل هو رحلة نحو التحرر الداخلي. في كل يوم، وفي كل لحظة، نحن نتخذ عشرات القرارات الصغيرة والكبيرة، نختار ماذا نأكل، من نصادق، ماذا نؤمن، وحتى متى نصمت أو نتكلم. لكن الحقيقة المُذهلة هي أن نسبة كبيرة من هذه الخيارات لا تأتي من عقلنا الواعي والمنطقي، بل من طبقات أعمق، خفية، غامضة… من أفكار زرعت فينا منذ الطفولة، من تجارب لم نحللها، ومن مشاعر دفناها في أعماق ذواتنا.
إنّ العقل اللاواعي ليس عدوًا، بل هو مخزن ضخم لما عشناه ونسيناه، لما صدقناه وتجاوزناه، لما خفنا منه وما تمنيناه في السر. وحين نبدأ في الاقتراب منه لا نتحرر فقط من قرارات لا نفهمها، بل نبدأ في اكتشاف ذواتنا الحقيقية، ذلك الجزء منّا الذي تم تجاهله طويلًا.

فربما لم تكن فشلك المتكرر في الحب بسبب "سوء الحظ"، بل لأنك تكرر نمطًا دفينًا من العلاقات. وربما لم تكن اختياراتك المهنية العشوائية ناتجة عن قلة الفرص، بل عن خوف لا واعٍ من النجاح أو الرفض.
عندما ننظر إلى اللاواعي بشجاعة، يصبح الحاضر أوضح، والمستقبل أهدأ. لا تعود قراراتنا مجرد ردود أفعال، بل تصبح أفعالًا نابعة من وعي ناضج وحر.
ابدأ بسؤال نفسك: لماذا أفعل ما أفعله؟ لماذا أُعيد أخطاء الأمس؟ لماذا أشعر بشيء غريب أمام مواقف معينة؟تلك الأسئلة ليست عبثية، بل هي مفاتيح صغيرة تفتح أبوابًا ضخمة نحو التغيير.
إننا لا نصبح أحرارًا حقًا حين نرفض القيود الخارجية فحسب، بل حين نكسر القيود الداخلية التي لا نراها لكنها تتحكم بنا. الحرية الحقيقية تبدأ من الداخل، من لحظة وعي، من قرار أن نراقب، أن نحلل، أن نعترف… ثم نعيد البناء من جديد.في النهاية، لا تنسَ أن عقلك هو أعظم أداة تملكها، لكن فقط
عندما تتعلم كيف تستخدمه بكامل طاقته: الواعية واللاواعية.فكما قال كارل يونغ: