
عندما نكون في في مقعدٍ ما جالسون عليه بوضعية صحيحة جاعلين منه مكاناً مشغولاً، نكون مدركين تماماً أن لا مكان لشخص آخر في هذا المقعد أو الكرسي أو المكان الذي نشغره، لأن لا اتساع لشخص آخر، ولا يمكن أن يتواجد شخصان على كرسي واحد بجلسة مريحة ويسيرة فهذا هو المنطق .
لكن لو نظرنا للحياة وظروفها، نرى أننا لا نتعامل هكذا مع ما نريده فيها، لا نترك مجالاً وفراغاً لما نريد ونطلب وجوده، نبقى في فوضى من اللامكان متسببين بمزيد من الضغط والسلبية لأنفسنا ، فكيف يحدث هذا؟؟
كتاب السماح بالرحيل

من اسمه يظهر أن الكتاب يتناول المعنى العميق لأكثر ما يفعله الإنسان في هذه الحياة، وهو التشبث والتعلق، سواءا بعلاقة أم بظروف أم بأشياء محددة في الحياة ، وهذا التعلق هو السبب الرئيسي في عدم حدوث ما نريد، فإننا ممتلئون والأماكن في دواخلنا مكتظة، فكيف لها أن تستقبل أي شيء جديد؟
إقرأ أيضاً : مراجعة لرواية 1Q84
يتحدث الكتاب بشكل رئيسي عن فهم المشاعر والأفكار في داخلنا تلك التي تدعونا للتمسك بما لم يعد يفيدنا بسبب انتهاء مرحلته معنا أو تغيرنا نحن، وهذا الشيء الطبيعي في الحياة فالتغير هو الشيء الثابت الوحيد في الحياة، وليس من المنطقي أن نبقى منتفعين بشكل مستمر من كل شيء دون أدنى تغيير في أهميته في حياتنا، لأن هذا إن دلّ على شيء فهو أننا عالقون في خطوة واحدة من المرحلة لا يتبدل أي شيء فينا، وكذلك الخوف من التغيير والمجهول أمر طبيعي، ولكنه حتمي إن كنا نرغب في تجربة فريدة وغنية على هذه الأرض.
طاقة الخوف اعلى من طاقة اللامبالاة، لان الخوف على الأقل يحفزنا على التصرف ، ومن خلاله يمكننا أيضًا أن نتخلى عن الخوف لنرتقي إلى الغضب أو الفخر أو الشجاعة ، وكلها حالات أعلى من اللامبالاة
إفساح المكان (آلية السماح بالرحيل)

يقول المتصوفة قديماً مقولة لخّصت الكثير من العلوم الحديثة في الطاقة والقوانين الكونية وهي " في التخلّي التجلّي " ، ومعناها أن ما تتخلى عن عن التعلق به والهوس الدائم به فإنه يأتيك .
كانت وما زالت فكرة صحيحة دون أدنى شك، رغم أنهم لم يتطرقو للتفاصيل الحديثة التي توصل إليها العلم مؤخراً ، إلا أنهم كانوا أكثر قدرة منا في قيادة الروح والنفس البشرية للحصول على أفضل النتاج في الحياة.
عندما تصبح مهووساً بشيء ما فإن ذلك ينتج طاقة تشغر الأماكن الفارغة لدى فكرك وطاقتك الكلية، وبالغالب هي طاقة سلبية غير جيدة ويقال في علم الطاقات أنها منفرة، لأنها مملوءة بالشك وعدم الإيمان باستحقاقك لهذا الأمر ، ولهذا السبب أنت متعلق به حد الهوس، لأنك تشعر أنك لن تملكه أبداً وهذا يزيد من تعلقك .
- ماذا يحدث حين تتوقف عن ذلك التفكير ؟
عندما تتوقف عن هذا التفكير وتفكر في هذا الشيء بموضوعية أكبر ووعي أعلى، تجد أنك أدركت شيئاً ما، وهذا الإدراك هو المفتاح .
تقول الدكتورة سمية الناصر الباحثة في أسرار النفس البشرية و يكمن في دواخلها : " ليس هناك قوة تضاهي *قوة أن تعرف* فمنها يبدأ التغيير دوماً" ، هذا يجعلك تقفز إلى درجة الاستحقاق، كأن تسأل نفسك " لماذا أركض لاهثاً بهذا الشكل المجنون خلف ذلك الشيء أو الشخص؟ هناك خطأ !؟ "
وحينها، تتوقف الطاقة المنبعثة منك في هوس ذلك الأمر ويصبح مكانها فارغاً، مستقبلاً لطاقة جديدة أن تملأه ، وبالغالب يكون الشيء نفسه قد أتاك بصورة تلقائية وكالعادة تقول : " عندما توقفت عن التفكير بكذا قد حدث !"
إقرأ أيضاً : كتاب القرن، "مفتاح لكل الأبواب"، مفتاح الحياة الحقيقية
هذا هو ما نفعله بأيدينا في تعطيل طريق كل ما نرغب به إلينا، المكان مشغول! كيف يمكن لأشياء أخرى بالمكوث في مكانٍ ممتلئٍ أصلاً، لابد من التخلي عن أشياء، السماح برحيلها، تجديد الأفكار التي لا تحتوي عليها بعد الآن، إنه تفريغ حقيقي لتستقبل الجديد، فلا يمكن لك أن ترتدي ثلاث قمصانٍ فوق بعضهم وتطالب بارتداء الرابع ! إلا إن كنت شخصاً لا يرغب بالقليل من زيادة الوعي والتغيير ، لأنك تعتقد أنك تفعل الأنسب والأفضل ولا سواك يعرف مصلحتك، فهذا يعود إليك ولنوعية الحياة التي ترغب أنت في صوغها وعيشها .
عدم الإدراك أساس الظروف الرديئة

أول ما يسببه عدم الإدراك هو التكرار، أن تكون عالقاً في مكانٍ ما أو مرحلة ما دونما أي خطوة تذكر للتجديد ، وهذا يبقينا حيث نحن من حيث الظروف السيئة التي نشكو منها ونشكو عيشنا لها، غير واعيين أننا نملك بإدراكنا لها الكثير من الفائدة والوقود للتحرك .
ويحتاج الإدراك منا اننفتاحاً وليونة ، فالمتمسك بالقناعات القديمة رافضاً تغييرها يبقى مستسلماً لظرفه، لأن اعتقاده يخبره أن لا حل أو مخرج مما هو محتوم ، لذلك يصعب عليه إدراك أي شعور ينبثق مما يحيط به لأنه قد اعتبره مسبقاً إحدى العوامل الطبيعية لهذا الظرف ، أن تشعر بالسوء مثلاً، فهذا طبيعي عندما تكون فقيراً وبائساً ولا بهجة في حياتك ، فيرى أن الأمور السلبية هكذا مترابطة ولا داعي للتحرك اتجاه أي تغيير، منطقة الراحة المؤلمة أفضل من التجديد المجهول.
تقييم الكتاب

كتاب حياتيّ معرفيّ، لا يعلمك كيف يجب أن تكون الحياة، بل كيف يجب أن تكون أنت فيها، فإن كنت رديئا من داخلك ستكون هي رديئة والعكس صحيح، لذلك تعاليم هذا الكتاب تصوغ داخلك لترى خارجك ما هو جيد وتستحقه ، لأنك لا تستحق أقل من الأفضل دوماً تذكر ذلك .
الكتاب يستحق 9.5/10 ، رائع جداً وذي تأثير ملموس وبراهين منطقية ، إن لم تكن قد قرأته بعد فأنصحك به كثيراً وأؤكد لك تأثيره الفعّال.