" قمران ......
عالمان .......
فتاة ........
فتى .........
قصة حب ........ "
تقرأ تلك الكلمات على الغلاف الخلفي للكتاب ، تتشوق قليلاً وتقرر أن تقرأ القليل من تلك الصفحات لترى إن كانت تشدّ فعلاً كما المختصر ، فتسحبك فوّهةٌ سحرية تأخذك بعيداً في عالمٍ لم تتخيله من قبل، وتقريباٍ لم ولن يستطيع أحدٌ نسجه سوى خيال موراكامي الخصب، لن تشعر بنفسك إلا عندما تنتهي من 1657 صفحة من الإبداع السردي والخيال المثير حدَّ عدم القدرة على التوقف !
رواية 1Q84
رواية يابانية للكاتب هاروكي موراكامي المبدع في مجال العوالم الموازية والماورائيات، وتذخر هذه الرواية بمظاهر شتى لتلك الشطَحات التي تميّز قلم هاروكي عن سواهُ من الروائيين ! وهي مقسمة لثلاثة أجزاء مستقلة بكتب كلُ على حدى .
تجري أحداث الرواية في عام 1984 ، وتدور حول فتاة في الثلاثين من عمرها عزباء اسمها "أومامه" وشاب في الثلاثين أيضاً اسمه "تانغو" .
"أومامه" أخصائية في العلاج بالتدليك، لديها يدين ماهرتين في إنهاء الآلام وتحسس موضعها بدقة نادرة ، وإلى جانب عملها هذا هي "قاتلة مأجورة" ، وهو المصطلح الذي لا تفضله، بل تستخدم مصطلحاً آخر هو مهمة إرسال الرجال إلى الجانب الآخر ، ببساطة .
وأما "تانغو" فهو مدرس للرياضيات وكاتب، شغفه في الكتابة جعلها مصدر دخل رديف في حياته، وكان يخطط أن ينشر كتابه الخاص تحت إشراف ناشر صديقه يدعى "كوماتسو" ، إلا أن هذا الأخير بادره بعرضٍ آخر وهو إعادة صياغة رواية كتبتها فتاة شابة اسمها "فوكا-إري"وحازت على جائزة الكُتّاب الجدد ، يفكر بالموضوع ويرى دفعاً مُلحّاً من معلّمه، فيوافق على المشروع الكتابي دون اعتراضه على الشرط الأساسي وهو عدم ذكر اسمه في الرواية .
معرفة أومامه وتانغو
يعيش كل من أومامه وتانغو في عالمَين مختلفين دون أدنى تشابهات بينهما، وفي الأصل كانا في صف واحد في الصف الرابع وفقط، لم يتكرر جمعهم في أية صفوف أخرى،وفي ذلك الفصل كانت أومامه عبارة عن فتاة غامضة قليلة الاحتكاك بأقرانها، ولهذا كانت منعزلة وهادئة لا يُسمع لها أي صوت أو كلام، وكان تانغو على العكس تماماً الفتى النشيط المتألق الذي يرغب الجميع بالقرب منه والاحتكاك فيه.
ومرةً قام أحد الأطفال بالسخرية منها أمام الطلاب مما جلعها تُحرج ولا تعرف كيف تتصرف، وحينها تدخّل تانغو مدافعاً عنها ومحذراً من الاقتراب من الفتاة بسوء، وفعلاً بقي بجانبها في التجمعات الطلابية ولم يتجرأ أحدٌ من الطلاب المساس بأومامه بعد ذلك.
كانت تنظر له من بعيد ، يلفت نظرها وتضمر إعجاباً سرياً به لا تجرؤ على البوح به كلاماً ولا نظَراً، إلى أن جمّعت كل شجاعتها في نهاية حصة مدرسية حين خلا الصف من الطلاب الا منه ومنها، ذهبت إليه بخطا حثيثة وهي تنظر في عينيه مباشرة وأمسكت بيده داخل كفها الصغير، وبقيا هكذا لثوانٍ ، إلا أن هذه الثواني هي التي أبقت كل منهما في قلب الآخر إلى أن بلغا الثلاثين من عمرهما، تلك اللمسة الدافئة حملت الكثير وجعلت بينهما رابطاً لم ينفك ، بل ازداد وثاقه في البعد والزمن ، كأحد عجائب الدنيا !
الرابط الذي نشأ وغيّر القدَر !
كلٌّ في حياته وعمله ومنشغل ومنغمس، ومع ذلك لا ينسى القلبان بعضهما أبداً على مدى عشرين عاماً ، أصبحت الطفلة امراة والطفل رجل، ويسكن كل منهما الآخر بشكل لم يفهمانه قط، والعجيب أنهما مستسلمين لذلك الحب الغريب دون محاولة أي منهما البحث عن الآخر.
ولكن عندما ظهرت الفتاة الغريبة "فوكا-إري" في حياة تانغو بدأ كل شيء بالتغيّر، فقد كانت فتاة غير عادية بالمرة وروايتها تصف العالم الغريب الذي أتت منه وجعلته مرئياً للجميع مما أغضب زعماء ذلك العالم والذي تلقّبهم ب "الناس الصغار" ، وبصياغته للرواية يجد تانغو نفسه في هذا العالم المليئ بالألغاز ، من يدخله يرى قمرين في السماء و يصبح في سنة Q841 بدلاً من 1984 !
وعلى الجانب الآخر كانت أومامه قد وُكّلت بقتل والد "فوكا-إري" صاحب السلطة في العالم الغريب ، ويخبرها بالرابط الذي بينها وبين تانغو منذ عشرين عاماً حتى اللحظة ، ولأنه كما ابنته ليس شخصاً عادياً ويمتلك قوى استثنائية يخبرها بالكثير عنها وعن تانغو أيضاً مما يحيي الحب في قلب أوامه اتجاه تانغو الذي اعتقدت أنه نسيَها تماماً ولا يتذكّرها، وبعد مقتل الزعيم تتصل الروابط بين تانغو وأومامه عن طريق "فوكا-إري" ، ويبدأ الاثنان بالبحث عن بعضهما بعد عشرين عاماً .
هل يجدان بعضهما فعلاً ؟
تبحث أومامه في مخبأها من تابعين الزعيم المقتول على تانغو، ويبحث تانغو عن أومامه بوله بعد أن أخبرته فوكا إري أن أومامه ليست بعيدة ويستطيع العثور عليها لو بحث عنها، وكانت صدمته كبرى حين اكتشف أن السماء بها قمران ! فأصبح يصعد كل يومٍ لأعلى الزلاقة كي يراهما ويتأكد أن نظره سليم، وبسبب تلك العادة تتمكن أومامه من لمحه والتعرف عليه ن وبعد ثلاثة أجزاء ذاخرة بجميع أنواع الأحداث والتشويق بين الاثنين حتى يصلا لتلك اللحظة، فعلاً يقرر الاثنين الخروج من ذلك العالم من المدخل الذي دخلاه منه وهو درَج للطوارئ تحت الطريق السريع .
يتمكنان من الخروج فعلاً ويتأكدا أنهما في العالم الحقيقي حين يرفعان رأسيهما للسماء فيجدا قمراً واحداً يزيًن السماء، فيعرفان أن تلك المغامرة العصية على الفهم لم تحدث معهما إلا ليجدا بعضهما مرة أخرى ويصبحان معاً للأبد كما كانا يحملنا منذ عشرين سنة .
المشاعر التي تثيرها الرواية
- التشويق المستمر حيث أن كل الأحداث مرتبطة ببعضها على مدار الأجزاء الثلاثة.
- جمالية الحب اللامشروط، كيف يكتفي الإنسان بالحب الصادق داخل قلبه.
- أفضلية البوح دوماً، الكتمان يضيع الكثير من الفرص في هذه الحياة.
- تصديق ما نشعر به في داخلنا ، حتى لو لم نفهمه بعقلنا وتفكيرنا المنطقي ، فهو بالغالب صحيح.
إذا أحببت أحداً حباً خالصاً من كل قلبك، حتى وإن كان ضخصاً واحداً، فذلك هو الفوز في هذه الحياة، حتى إذا حيل بينك وبين لقاء ذلك الشخص
تقييم الرواية
هذه الرواية بأجزائها الثلاثة ( الأول : 557 صفحة ، الثاني : 495 صفحة ، الثالث : 605 صفحة) احتلتّ أجزاء بعقلي وذاكرتي وأثرت بها تأثيراً لم تستطع روايةٌ أخرى مماثلتها فيه ، فهي مميزة لكل مافيها من سرد وربط وخيال وبساطة، فأسلوب هاروكي عجيب يجمع البسيط مع المقعد بطرق أشبه بالسحر!
تقييمي للرواية 9.5/10 بسبب بعض التحفظات التقليدية على هاروكي ، ولولاها لكانت فعلاً أفضل رواية قد تقرأها على الإطلاق دون منازع !
عن الكاتب
رغد حمزة
محامية، كاتبة
محامية شابة ، تخدم القلم والكتاب