إعلان

قراءة في عصر الجواري بين الماضي والحاضر

نشرت:
وقت القراءة: دقائق

لطالما عانت المرأة في سبيل نيل ذاتها وحقوقها في مواجهة مستمرة من التسلط والجبروت منذ الأزل، وقد أظهرت قدراتها وذكائها بأنها قادرة على الوصول إلى أعلى مراتب العلم والمعرفة والحكم برغم جميع المصاعب والتحديات، و في الجانب المظلم من حياة المرأة على مر العصور التي انتهكت بها حقوقها وجعلت منها سلعة تباع وتشترى في سوق النخاسة لترتمي بحريتها وكرامتها في بلاط الأمراء والملوك أو في بيوت تسبى بها المرأة بعد جلبها من الغارات والحروب إلى أدنى مراتب الحرية.

قراءة في عصر الجواري بين الماضي والحاضر

تَبَدُّل الفكر لدى الجواري

و رغم معاناة النسوة في هذا العالم المتغطرس الذي فاض به الألم والظلم إلا أن العديد مِنْهُنَّ تميزنّ بالفطنة والذكاء، والانتقال من فكر الجواري إلى فكر الارتقاء بالمجتمعات الجديدة؛ لذلك أخذت المرأة دورها في التعلم و النبوغ بالأدب و البلاغة في الشعر، والحديث، والحنكة الأدبية. وأصبح لوجودهن ضرورة في حياة الأمراء والملوك من باب المشورة وطلب النُصح، و وصلنَّ إلى أعلى مراتب السلطة السياسية والاجتماعية بعد ما أصبحن أميرات وأمهات ملوك وسلاطين والبعض الأخر مِنْهُنَّ أصبحن جواري مقربات يؤخذ بمشورتهن في مجالس الحكم.

نماذج عن جاريات مثقفات عبر العصور

لطالما كرّم الدين الإسلامي المرأة، ورفع من قدرها ومكانتها، وأعطى لها حق هام في ممارسة كافة الأعمال بما يتناسب مع الضوابط الشرعية، فمن أشهر الجاريات في العصر الإسلامي والتي أصبحت أول ملكة في تاريخ الإسلام وهي شجرة الدر زوجة السلطان نجم الدين أيوب ولقد تولت القيادة والحكم بعد وفاة زوجها وحقق جيشها نصر كبير بمعركة دارت بينهم وبين القوات الصليبية في 14شعبان سنة 647 هجري بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع على مشارف مدينة المنصورة المصرية، فنرى هنا ما وصلت إليه المرأة من تأثير في صناعة السياسة في التاريخ الإسلامي، وعلى أثر ذلك ظهرت تسمية ثقافة الرقيق أي أن من خلال امتلاك المعرفة تبدأ السلطة و التحرر و الانعتاق الحقيقي، فقد تفسحت أمام الكثير منهن مجالس المعرفة والعلم، وتزايدت قيمتهن بمقدار ما يتمتعن به من مهارات ومعارف، وخاصة المهارات اللغوية كالأدب والشعر والغناء والخط والموسيقى بالإضافة إلى بعض اللغات مثل : التركية، والفارسية، والأرمنية، وغيرهن، وقد برع بعضهن في مجال التنظير والتأليف، فقد كان هذا الدور واضحا عندما وضعت الجارية بَذْل أول كتاب في فنون الموسيقى الشرقية، حيث نشأت تلك الجارية في المدينة المنورة، وتعلمت الموسيقى، والشعر، و وضع الألحان، بالإضافة إلى ذلك، فقد برزت معرفة البعض الآخر منهُنَّ في مجالات العلوم الشرعية، والعقلية : كالمنطق والفلسفة، وكان منهن أيضًا شيخات نقلن مرويات الأحاديث النبوية إلى أئمة كبار علوم الدين.

نظرة المثقفين للجواري

لا نستطيع أن نضع هؤلاء الجواري بالإطار الذي تحدث عنهم الكثير من كتب الأدب المعاصر، والفنون التشكيلية، والأعمال الدرامية. نقلا عن كتابات بعض المستشرقين الذين صوروا تلك الجواري بالصور الإباحية المختزلة والمنحطة، وزعموا بأنهن أوقعن الكثير من الأمراء والملوك في شراك المجون والتهور وضياع السلطة، فلقد تبين أن حياة الجواري أشد تعقيدا من إن تختصر في فكرة الخدمة والسخرة أو حياة اللهو والمتعة، وأن صمودهن ووصولهن لمراتب عليا في القصور والحياة السياسية والاجتماعية والأدبية إنجاز يستحق الإشادة به على أسس الثقافة وركائز المعرفة.

واقع حال الجواري في العصر الحالي

حال الجواري سواء في العالم العربي أو الغربي هو على حد سواء من الظلم والبؤس، ونستطيع القول أن الجواري في العالم العربي أقل بؤسًا وتشردًا من الجواري في العالم الغربي، فالكثيرات من الجواري من إفريقيا والدول الفقيرة انتقلن إلى العمل في بلاد أخرى كأمريكا وأوروبا، وقد كان البؤس والظلم والحرمان هم السجن الذين يعيشونه في الحياة اليومية، فهناك تستنزف طاقاتهن، وحرمانهن التعليم وحرية الرأي، والاستبداد ضدهن حسب العرق والدين واللون، ونرى أن قانون الجواري بات واضحًا في السنوات الأخيرة، وكأن عجلة الزمان عادت إلى الوراء في دائرة الحروب التي عاشتها البلدان العربية أخيرًا مع ظهور فكرة الدواعش، والتطرف الإسلامي، ورجوع السبي، وتجارة العبيد. ففي عالمنا الحديث بالرغم من تنوع الثقافات، وارتفاع نسبة التعليم، والوعي الحضاري، والبناء الفكري المتقدم في العالم. فانتشرت هذه الظاهرة في البلدان التي عانت من هذا الزحف المتطرف؛ لذلك تعرضت المرأة والأطفال الصغار لهذه الانتهاكات البشعة، والانتقال بنا إلى عوالم من الظلم والجهل والاستبداد النفسي للروح البشرية، وكان السباق واضحًا في عالم الإنترنت بمثل هذه الأفكار التي تجعل من الإنسان وخاصة المرأة سلعة رخيصة للبيع.

الخاتمة

ولمثل هذا الغزو البشع الذي يحاول أن يطيح بكرامة المرأة التي كرمها الله في الكتب السماوية، وجعل الجنة تحت أقدام الأمهات. ومحاولة احتقارهن بأبشع الصور، وإذلالهن تحت غطاء الدين، والعرق، والجنس، واللون ، فالمرأة كانت ومازالت هي الوطن، والسلام والحب، والدفء، والعائلة. جواري اليوم ليس كالأمس، و نتحدث بصورة أوضح بطرق جديدة موصولة بالفكر ،والحداثة، والتطور في الحصول على جواري، ومنهن لسنا أسرى ولا سبايا حرب بل الكثيرات منهن اتخذن طريق العبودية برغباتهن كسبًا للشهرة والمال والحضور الإعلامي عبر وسائل التواصل، فالعبودية ليست في تجارة العبيد، والجواري فقط. بل هي عبودية خالصة للجاه والمال والوصول إلى الشهرة، وهذه تعتبر من أخطر المراحل التي قد تصل إليها المرأة، وهي تجر نفسها بنفسها في عالم السبي والجواري في يومنا هذا. فالعالم اليوم عالم واسع غريب يتخذ من منظور المرأة المتحررة التي تبحث عن الإغراء والنجومية. وهي تشعر بالفخر في إثراء نفسها لعالم مليء بالسحر والمجون. وطرق مشبوهة تحت ستار العولمة الحديثة ولمن يرى الواقع الجديد فإن عالم الجواري يظهر بشكل جديد. وبراق مليء بالإغراءات الكثيرة بإطار يجعل من المرأة للأسف الشديد جارية للمال والابتذال والشهرة الفاسدة، وبالرغم من أن المرأة اليوم تحتكر الكثير من مواقع السياسية والعلمية والأدبية، إلا أن عالمنا اليوم مليء بالأوهام والألوان المخادعة، فليس كل ما يلمع ذهبًا وليس كل الطرق تؤدي إلى الشمس.

المراجع

  • محمود شلبي، حياة شجرة الدر، بيروت: دار الجيل، 1987
  • نساء الخلفاء المسمى بجهات الائمة الخلفاء من الحرائر والإماء. تأليف ابن الساعي. تحقيق مصطفى جواد. طبعة دار المعارف بمصر

دجلة العسكري

كاتبة

دجلة العسكري ، مهندسة معمارية ولكن باللغة العربية وجدتٌ شغفي فالتزود بالمعرفة والقراءة ونقلها هدف أطمح له من خلال تحقيق غاية تطوير وتغيير نفسي بالشر والأدب وإثراء المحتوى العربي

تصفح صفحة الكاتب

اقرأ ايضاّ