م.ى
انكفأ صوانُ م.ى على أذنيه، وأسبلَ رَمشاهُ على عينيه، وأطبقتْ شفتاه على لسانه، فلا يصل لسمعه إلا نقرات أزرار، ولا يقع على بصره إلا شاشات ثنائية الأبعاد،وأصبح كلامه مجرد أكواد برمجية، لا يهمه سماع آهات مكلوم، ولا يدمي قلبه رؤيا مقتول، ولا يلهج لسانه بالابتهال.

م.ى
آثر سماع صرير المفاتيح على صراخِ الجريح، وارتمى في حضن الآلة، وألقى بإنسانيته في الأرض لتسفها الريح.وأبى إلا أن يشارك المحتل ببرمجيات، ساهمت في قصف الدور على رؤوس ساكنيها، فصمّ أذنيه عن النواح، وأغلق عينيه عن الجراح، وسوّغت له نفسه أنه ما ضغط زناد السلاح. كم مرّةً مرّ أمام الشاشة، ورأى صورَ الركام والأشلاء، رأى وجوهاً شاحبة، وأياديَ صغيرة خارجة من تحت الحطام، فأدار ظهره، وقال: "ليس هذا من اختصاصي فلست أنا من أشعل الفتيل!
كم مرّةً مرّ أمام الشاشة،
ورأى صورَ الركام والأشلاء،
رأى وجوهاً شاحبة، وأياديَ صغيرة خارجة من تحت الحطام،
فأدار ظهره، وقال: "ليس هذا من اختصاصي، فلستُ أنا من أشعل الفتيل!"
أيها المبرمج

أما آن لك أن تنصت لقلوبٍ أنهكها القصف؟
أما آن أن تفهم أن الذكاء بلا ضمير، جريمة، وأن البرمجة التي أنشأتها، سلاح دمارٍ تجعلك شريكًا للقاتل الذي ضغط زر OK،
ألم تعلم أن الأكواد التي تكتبها يمكن أن تكون على أرض الواقع أكثر فتكاً من الرصاص؟
ألم تتساءل أبدًا عن أثر عملك في الإنسان قبل الآلة؟
نعم، ربما ليس عليك أن تفتح عينيك على مشاهد الدماء،
لكن هل يمكن أن تسكر أذنيك عن ترددات الوجع؟
هل يمكن أن تغلق قلبك عن صرخات الأرض؟
أم أن الهروب هو خيارك الأسهل، أن تختار أن تكون مجرد آلة أخرى؟
لكن تذكر… الآلات لا تعرف الفرق بين الصواب والخطأ،
بين الحياة والموت، بين الظلم والعدل.
فكر يا م.ى
- لعلّ في التفكير نجاة،
- لعلّ في التراجع حياة،
عارٌ عليك يا م.ص، إذ لم ترجع…
إذ ظننت أن الذاكرة تمسح نفسها مثل سطرٍ في كود لكن التاريخ… لا يُمحى بـ Backspace. —
هل تدري ما هي الخسارة الحقيقية؟ إنها خسارة الإنسان فينا، الذي ضحى بعواطفه ليكون مجرد آلة محكومة بالمنطق البرمجي...

أبو شلبي اليوسفي
كاتب شرعي وقاونيحللت أهلا ونزلت سهلا هيا بنا معا في رحلة سعيدة نتعرف فيها معا على مواضيع ماتعة مفيدة، فجليسك سيحدثك عن مواضيع متنوعة متعلقة في مجال البحث العلمي وبعضا عن بعض طبقات العلماء والمفكرين وسيرهم، ومواضيع أخرى مراعيا الإيجاز والأصالة ومبتعدا عن الإطناب والإعادة