فيلم The life list: ماذا لو كانت أحلامك هي ميراثك؟
مستوحى من الرواية الأكثر مبيعًا للكاتبة لوري نيلسون، جاء فيلم The Life List حاملًا العنوان نفسه ليأخذنا في رحلة درامية رومانسية مفعمة بالمشاعر. يَعِد الفيلم مشاهديه بأن يوقظ فيهم الرغبة لمطاردة الأحلام التي طالما وُضِعت على رفوف النسيان.الحبكة تنسج خيوطها من موضوعات تمسنا جميعًا: الحب، الحزن، انكسارات الروح، قوة العائلة، والشجاعة التي تدفعنا للاستمرار.

إنّها قصة تعد بالكثير، وربما بفيض من الدموع أيضًا.لكن يبقى السؤال: هل سينجح الفيلم فعلًا في الوفاء بوعده ويأسرنا كما تنجذب الفراشة إلى الضوء؟ أم سيتعثّر في الطريق ويتركنا في منتصف الرحلة؟
إرث من الأمنيات
يروي فيلم The Life List حكاية أليكس، امرأة تبلغ الثلاثين من عمرها، تائهة في الحياة بلا بوصلة واضحة ودعت شغفها عندما تخلت عن حلمها. فجأة تجد نفسها مضطرة إلى العودة إلى مراهقتها، حين كتبت قائمة أمنيات وهي في الثالثة عشرة. ليس لرغبة خالصة منها في استكشاف حياتها، بل خطة وضعتها والدتها إليزابيث قبل رحيلها بسبب السرطان. تترك الأم وصية غير تقليدية: لا ميراث لابنتها قبل أن تنجز كل ما كتبته في تلك القائمة، مهمةً مهمة، قبل نهاية العام، تحت إشراف محامي العائلة الشاب مراد (كايل أيلين) على تنفيذ الوصية.
وبينما تنتظر أليكس ترقية في شركة والدتها لمستحضرات التجميل، تتلقى صدمة مختلفة تمامًا؛ إرثها الوحيد رسائل من أمها محفوظة على أقراص DVD، وورقة مألوفة كتبتها منذ زمن: تذكّرها بأن الحياة أكثر من مجرد وظيفة وروتين. القائمة تضم بعض المهمات الصعبة،مثل: عزف مقطوعة كلاسيكية على البيانو، قراءة رواية موبي ديك، العثور على الحب الحقيقي.
ورغم أن الحبكة توحي بإيقاع سريع وصراع مع الزمن، إذ تقف أليكس بين ماضيها المراهق ومستقبلها المرهون بإنجاز تلك الأمنيات، إلا أن الفيلم يسلك مسارًا معاكسًا. السرد يأتي بطيئًا، مثقلًا بالتفاصيل، ما يجعل المشاهد يتساءل: هل ينجح الفيلم في بث الحيوية الموعودة، أم يكتفي بالوعظ ويمضي ببطء يطفئ جذوة الحلم؟
سرد بطيء يفسد وعد الإثارة
قد يبدو أن فيلمًا يحمل حبكة جياشة المشاعر هو الفرصة المثالية أمام المخرج والكاتب آدم بروكس، خصوصًا أنه يعرف هذا النوع السينمائي عن قرب، بحكم مشاركته في أعمال راسخة مثل Definitely, Maybe. لكن المفاجأة أن النتيجة جاءت عكس التوقع تمامًا؛ فبروكس عجز عن نقل شخصيات الرواية الأكثر مبيعًا من الورق إلى الشاشة بروح حقيقية، وبقيت شخصياته أشبه بظلال باهتة لا تترك أثرًا.
ويظهر ذلك بوضوح في الإفراط في فرد مساحات هائلة لأحداث ثانوية على حساب الزخم العاطفي الذي وعدت به الحبكة منذ البداية. الفيلم يقدّم موضوعات يمكن أن يتماهى معها الجميع:
- الخوف من العيش متجمدين بدلًا من الحياة.
- التكيف مع علاقات لا تناسبنا.
- و الأثر المدمر لفقدان أحد الوالدين.
موضوعات كفيلة باستدرار الدموع وانتزاع التعاطف اللذين يتوق الفيلم إليهما. لكن التنفيذ جاء سطحيًا، يخلو من العمق الإنساني، لتبدو الأحداث بلا حرارة حقيقية.
الأدهى أن نسخة نتفليكس امتدت لأكثر من ساعتين، محاولة دمج حبكتين في آن واحد: قصة رومانسية سطحية عن البحث عن النصف الآخر، وحكاية امرأة مجبرة على استعادة حياتها لتنال ميراثها. والنتيجة؟ لا هذا ولا ذاك. السرد بطيء متشعب،الإيقاع يشوبه الملل، والمغامرات التي تخوضها البطلة بدت بلا معنى ولا إقناع، أشبه بمهامّ تُنجز بعلامات صح على ورقة، لا رحلة نضج أو اكتشاف ذات. وهكذا فشل الفيلم في أن يمنحنا ذلك الإشباع الوجداني الذي وعد به، وبدل أن يتركنا محمّلين بالأمل والدموع، تركنا بخيبة تساؤل: كيف ضاعت من بين يديه فرصة كهذه؟
بطلة بعصا سحرية
المثير للتأمّل أن قائمة البطلة تعجّ بتحديات صعبة، مهامّ كان يفترض أن تُثقل خطواتها وتشكّل رحلة نضج مؤلمة لكنها تستحق. لكن ما نشاهده على الشاشة مختلف تمامًا؛ البطلة تتنقّل بين هذه التحديات وكأنها تمتلك عصًا سحرية: تتقن العزف فجأة، تنهي رواية ضخمة بلا عناء، وتتنقل بين مغامرات الحب كنحلة تتنقل بين الأزهار.
وبدل أن نشاهد صراعًا حقيقيًا يبرّر إهدارها نصف عمرها قبل مواجهة هذه الأمنيات، نجد سلسلة من الإنجازات السهلة المقدمة على طبق من فضة، المعالجة السطحية، فرغت الرحلة من معناها، وجعلتها مجرد خطوات نضع أمامها علامة الإنجاز وحسب.
حين تلتهم المثالية الفوضى المنتظرة
أليكس، البطلة التي تؤديها صوفيا كارسون، يفترض أن تكون شابة تائهة في حياتها؛ حياتها باهتة، مملة، بلا شغف، بعدما تخلّت عن حلمها في التدريس لتعيش في منطقة راحتها، وتعمل في شركة والدتها، مرتبطة بعلاقة عاطفية رتيبة مع حبيبها الكسول. الشخصية مكتوبة لتكون فوضوية، عفوية، تقول دائمًا ما لا يجب قوله، وتفشل في ترتيب حياتها رغم جاذبيتها اللطيفة وروحها الكوميدية.

لكن المفارقة أن أداء صوفيا كارسون لم ينجح في عكس هذه الفوضوية. ماضيها كنجمة ديزني في سلسلة Descendants ما زال يطاردها؛ صورة الفتاة المثالية، الخالية من العيوب، تطغى على حضورها.
والنتيجة أن شخصية كان من المفترض أن تفيض بالعشوائية والحياة، ظهرت مرتبة أكثر مما ينبغي، وبلا تلك الشرارة غير المتوقعة التي تجعل المشاهد يتماهى مع بطلة تبحث عن ذاتها.
مثلث حب باهت
معظم الشخصيات المحيطة بـ"أليكس" مسطحة وأحادية البعد إلى درجة الملل. فلا يجد المشاهد سببًا حقيقيًا للتعلق بها ولا يعطينا المخرج مساحة لمتابعة مصائرها، باستثناء الرجلين اللذين يكوِّنان معها مثلثًا عاطفيًا مبتذلًا. بقية الشخصيات تبدو مجرد ديكور يخدم حضور البطلة، فصديقتها "ميجن" مثلًا لا تظهر إلا في مشاهد معدودة تكتفي بإظهارها كصديقة سيئة، بينما يظل شقيقا البطلة غامضين طوال الأحداث، قبل أن يقرر الفيلم كشف الحجاب عن دوافعها في اللحظة الأخيرة، جعله أقرب إلى "حشو ما قبل النهاية" منها إلى بناء درامي مقنع.
أما "أليكس"، فرغم أن مبرراتها للركون إلى وظيفة لا تشبهها وعلاقة عاطفية لا تناسبها ربما تكون مفهومة، فإن كتابتها جاءت سطحية إلى درجة تجعل التعاطف معها مهمة صعبة. صحيح أن بعض لحظاتها الكوميدية مع المحامي الوسيم "إيلين" تضفي على العمل لحظات انتعاش وبهجة، لكنها لا تنقذ شخصية صُممت في الأساس لتدور حول ذاتها. وحتى عندما تُمنح فرصًا حقيقية للنمو، فإنها لا تنضج، بل تكتفي بإضافة "رتوش" جديدة لشخصيتها دون أي تطور جوهري.
هكذا، بينما يوهمنا الفيلم أنه عن مطاردة الأحلام واستعادة الشغف، نجد تركيزه الفعلي ينصب على حياة "أليكس" العاطفية السطحية، أكثر من مسيرتها المهنية أو علاقتها بأسرتها أو حتى نموها كإنسانة. ورغم أن طموحها في التدريس يُذكر في البداية، فإنه يُهمل سريعًا كسائر الخيوط الدرامية، ليظل السؤال الذي يطرحه الفيلم: "مع من ستنتهي البطلة؟" بدلًا من "من ستصبح البطلة في النهاية؟"
مشاهد بصرية تنقذ الحبكة
كلما ضعف السرد، كان بروكس يلجأ إلى عدسته بحثًا عن الخلاص. فيبدع في عدة مشاهد بصرية، ومن أبرزها: الانتقال الذكي من لقطة علوية دافئة تجمع الأم بابنتها في السرير، إلى مشهد بارد تنام فيه أليكس على السرير متقوقعة على ذاتها بعد وفاة والدتها وجنازتها.
كما تتكرر لمسات شاعرية أخرى؛ كضوء ذهبي يتسلل إلى الشاشة ليضيء خط يد طفولي على قائمة الأمنيات، وكأنه يستدعي حنينًا غامرًا إلى ماضٍ مفقود ويغمرنا بإحساس نوستالجيا لذيذ.
ويأتي المشهد الذي يجمع "أليكس" بوالدها في الشارع، بينما تمر السيارات المسرعة بينهما، ليجسد بوضوح الهوة العاطفية التي تفصل بين الأب وابنته.
فيلم The life list كان بذرة مشروع ناجح، لكن السطحية التي طغت على بطلته جعلت من الصعوبة التعاطف معها أو استدرار دموع الحزن لمعاناتها، والفرح لنجاحها في تحقيق أمنياتها.