
فرض تأليفي عدد 2: 3 مواضيع إنشائيّة سنة سابعة ثلاثي 2 مع الإصلاح


الإصلاح
في رحلة لا تُنسى، زرت مدينة تمتزج فيها العراقة بالجمال، حيث تشهد معالمها على تاريخ طويل وحضارة زاخرة. منذ اللحظة الأولى، أسرتني هندستها المعمارية الفريدة، فقد بدت المباني كلوحة فنية تنطق بروح الماضي وأصالة الحاضر. الشوارع المرصوفة بالحجارة، والأبواب الخشبية المنحوتة، والنقوش التي تزين الجدران، كلها تحكي قصة مدينة صمدت أمام الزمن وظلّت شامخة بمعالمها وتراثها.
تجولت بين أسواقها العتيقة، حيث تتعالى أصوات الباعة وهم يعرضون منتجات تقليدية تحمل عبق التاريخ. في زوايا المدينة، وجدت مساجد قديمة وقصورًا فخمة تعكس براعة التصميم المعماري الذي يجمع بين الزخرفة الدقيقة والهندسة المتقنة. كنت أشعر وكأنني أسير في متحف مفتوح، حيث لكل ركن رواية، ولكل حجر ذكرى.
لم يكن العمران وحده ما أذهلني، بل أيضًا الطبيعة التي تحيط بالمدينة. الجبال المهيبة التي تعانق الأفق، والحدائق الغنّاء التي تبعث في النفس الراحة، والأنهار التي تجري بهدوء، كل ذلك جعل المكان ينبض بالحياة. كان الجو مشبعًا بنسمات نقية، وكأن الطبيعة تحتضن هذه المدينة وتحافظ على سحرها.
أما سكانها، فكانوا مثالًا للكرم والاعتزاز بالوطن. رأيت فيهم حبًا حقيقيًا لتراثهم، حيث ينقلونه جيلًا بعد جيل، محافظين على تقاليدهم بعفوية وإخلاص. حديثهم عن مدينتهم كان مفعمًا بالفخر، وكأنهم حراس على تاريخها المجيد.
غادرت المدينة وأنا أحمل في داخلي مشاعر متداخلة بين الإعجاب والانبهار. أيقنت أن وطني يزخر بكنوز ثقافية لا تُقدّر بثمن، وأن لكل مدينة طابعها الفريد الذي يجعلها جزءًا لا يتجزأ من هويتنا. هذه الرحلة لم تكن مجرد زيارة، بل كانت تجربة أثرت في وجداني، وأشعلت في داخلي رغبة في استكشاف المزيد من تراث بلدي العظيم.
الموضوع الثّاني:

الإصلاح
رِحْلَتِي إِلَى سِيدِي بُو سَعِيد:
لُقْيَا الْجَمَالِ وَالتَّارِيخِ
ذَاتَ صَبَاحٍ مُشْمِسٍ مِنْ أَيَّامِ الرَّبِيعِ، انْطَلَقْتُ مَعَ رِفَاقِي فِي رِحْلَةٍ إِلَى قَرْيَةِ **سِيدِي بُو سَعِيد**، الْتِي تَتَوَاثَقُ عَلَى رَبْوَةٍ مُطِلَّةٍ عَلَى الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ. كَانَتِ الرِّحْلَةُ مَزِيجًا مِنَ الْإِثَارَةِ وَالتَّوَقُّعِ، لِأَنَّنِي سَمِعْتُ كَثِيرًا عَنْ جَمَالِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الْبَيْضَاءِ وَالزَّرْقَاءِ، عَنْ أَزِقَّتِهَا الضَّيِّقَةِ الْمُلَوَّنَةِ بِالْوُرُودِ، وَعَنْ سِحْرِهَا الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ التَّارِيخِ وَالطَّبِيعَةِ.
الطَّبِيعَةُ:
انْتِهَاءُ الْحُدُودِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ
مَا إِنْ وَطِئَتْ أَقْدَامُنَا أَرْضَ الْقَرْيَةِ حَتَّى اسْتَقْبَلَتْنَا مَنْاظِرُ تَخْطِفُ الْأَنْفَاسِ بُيُوتٌ بَيْضَاءُ مُزَيَّنَةٌ بِالْأَبْوَابِ وَالشُّبَّاكِ الزَّرْقَاءِ، تَتَدَلَّى مِنْهَا أَغْصَانُ الْبُوغَنْفِيلْيَا الْوَارِفَةِ بِلَوْنٍ وَرْدِيٍّ وَبَنَفْسَجِيٍّ، وَهَوَاءٌ عَذْبٌ يَحْمِلُ عَبَقَ الْبَحْرِ. مِنْ عَلُوِّ الْقَرْيَةِ، كَانَ الْمَنْظَرُ الْبَانُورَامِيُّ لِلْبَحْرِ يَتَجَلَّى كَلَوْحَةٍ فَنِّيَّةٍ؛ مَاءٌ أَزْرَقُ لَامِعٌ يَلْتَحِمُ مَعَ لَازَوَرْدِ السَّمَاءِ، وَقَارِبٌ شَعْبِيٌّ يَخْرُقُ الْأَمْوَاجَ بِلُطْفٍ.
الْآثَارُ:
رِحْلَةٌ فِي قُلْبِ التَّارِيخِ
تَجَوَّلْنَا فِي أَزِقَّةِ سِيدِي بُو سَعِيد الضَّيِّقَةِ الْمَبْلُوطَةِ بِالْحَجَرِ، وَكَأَنَّنَا نَعُودُ بِالزَّمَنِ إِلَى عَصْرِ الْحُكْمِ الْعُثْمَانِيِّ. مَرَرْنَا بِـقَصْرِ النَّجْمَةِ الزَّهْرَاءِ الَّذِي يَضُمُّ مُتْحَفًا لِلْمُوسِيقَى، وَسَمِعْنَا حِكَايَاتِ الْمُرْشِدِ عَنْ تَارِيخِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ مَلْجَأً لِلْفَنَّانِينَ وَالْمُفَكِّرِينَ. لَمْ أَسْتَطِعْ مُقَاوَمَةَ إِغْرَاءِ الْجُلُوسِ فِي مَقْهًى تَقْلِيدِيٍّ، حَيْثُ شَرِبْنَا الشَّايَ الْمَنْتُوعَ وَتَذَوَّقْنَا الْكَعْكَ التُّونُسِيَّ بَيْنَمَا كُنَّا نَسْتَمِعُ إِلَى أَنْغَامِ الْعُودِ تَتَصَاعَدُ مِنْ زَاوِيَةٍ قَرِيبَةٍ.
السُّكَّانُ:
كَرَمٌ يَصْهَرُ الْقُلُوبَ
لَوْحَةُ الْجَمَالِ لَمْ تَكْتَمِلْ إِلَّا بِـكَرَمِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ لَمَسْنَا فِيهِمْ الْبَسَاطَةَ وَالْوَدَاعَةَ فَعِنْدَمَا ضَلَلْنَا طَرِيقَنَا، أَرْشَدَتْنَا سَيِّدَةٌ عَجُوزٌ بِبِشْرَةٍ وَضَّاحَةٍ وَعِنْدَمَا زُرْنَا دُكَّانًا لِلْحِرَفِ الْيَدَوِيَّةِ، حَكَى لَنَا الْبَائِعُ قِصَصًا عَنْ صُنْعِ الْفُسَيْفِسَاءِ وَالْخَزَفِ. كَانَ الْأَطْفَالُ يَلْعَبُونَ فِي الْأَزِقَّةِ بِبَرَاءَةٍ تَذْكُرُنَا بِطُفُولَتِنَا، وَكَانَتِ الْبَسَمَاتُ لِغَةً مُشْتَرَكَةً تَجْعَلُ الْغَرِيبَ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ فِي بَيْتِهِ.
خَاتِمَةٌ:
ذِكْرَى لَنْ تُمحى
عِنْدَمَا حَانَ وَقْتُ الرَّحِيلِ، كُنَّا نَحْمِلُ مَعَنَا أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّدِ صُوَرٍ؛ كُنَّا نَحْمِلُ قَلْبًا امْتَلَأَ بِالْجَمَالِ وَرُوحًا تَعَلَّمَتْ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَعِيشَ بِبَسَاطََةٍ وَيُبْدِعَ فَنًّا. سِيدِي بُو سَعِيد لَمْ تَكُنْ مَجَرَّدَ وَجْهَةٍ سِيَاحِيَّةٍ، بَلْ كَانَتْ رِحْلَةً إِلَى جَوْهَرِ تُونُسَ: أَرْضٌ تَنْبِضُ بِالتَّارِيخِ، وَسُكَّانٌ يَجْعَلُونَكَ تُحِبُّ الْحَيَاةَ. وَصْفِي لَهَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْكَلِمَاتِ، أَمَّا رُوحُهَا فَتَسْكُنُ الْقَلْبَ.
الموضوع الثّالث:

رِحْلَةُ الْمَدْرَسَةِ إِلَى مَدِينَةِ تُونِسَ: رِحْلَةٌ بَيْنَ الْجَمَالِ وَالذِّكْرَيَاتِ
الِانْطِلاقَةُ: بَيْنَ الْحُمَاسِ وَالتَّوَقُّعِ
فِي أُولَى سَاعَاتِ الصَّبَاحِ، اجْتَمَعْنَا أَمَامَ مَدْرَسَتِنَا، حَقَائِبُنَا مَحْمُولَةٌ بِالْأَمَلِ وَالْفَرَحِ. كَانَ الْجَوُّ مُعْتَدِلًا، وَالشَّمْسُ تَنْشُرُ دِفْئَهَا بَيْنَمَا نَرْكَبُ الْحَافِلَةَ نَحْوَ مَدِينَةِ تُونِسَ. طَرِيقُنَا كَانَ مَلِيئًا بِالْأَنَاشِيدِ وَالضَّحِكَاتِ، كُلُّنَا يَتَسَاءَلُ: مَاذَا سَنَرَى؟ كَيْفَ سَتَكُونُ هَذِهِ الْمَدِينَةُ التَّارِيخِيَّةُ؟
الْوُصُولُ: اسْتِقْبَالٌ يُذَكِّرُنَا بِالْكَرَمِ التُّونُسِيِّ
عِنْدَمَا وَصَلْنَا، اسْتَقْبَلَنَا أَهَالِي الْمَدِينَةِ بِـبَشَاشَةٍ وَتْرْحَابٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُمَا. رَافَقَنَا مُرْشِدٌ سِيَاحِيٌّ شَابٌّ، حَكَى لَنَا بِفَخْرٍ عَنْ عَرَاقَةِ مَدِينَتِهِ، وَبَدَأْنَا جَوْلَتَنَا بَيْنَ شَوَارِعِهَا الضَّيِّقَةِ الْمُلْتَفَّةِ، الَّتِي تَشْهَدُ عَلَى قِدَمِ الْعَصْرِ الْإِسْلَامِيِّ وَالْعُثْمَانِيِّ.
جَمَالُ الْمِعْمَارِ: حَكَايَاتُ الْحَجَرِ
أَوَّلُ مَا لَفَتَ أَنْظَارَنَا الْجَامِعُ الْأَعْظَمُ، بِمِئْذَنَتِهِ الشَّامِخَةِ وَزَخَارِفِهِ الْمُعَقَّدَةِ الَّتِي تَحْكِي قِصَصَ قُرُونٍ مَضَتْ. ثُمَّ زُرْنَا الْمَدِينَةَ الْعَتِيقَةَ، حَيْثُ الْبُيُوتُ الْقَدِيمَةُ بِأَبْوَابِهَا الْخَشَبِيَّةِ الْمَنْقُوشَةِ، وَالنَّوَافِذُ الْمُزَيَّنَةُ بِالْجِبْسِ الْمَنْحُوتِ عَلَى هَيْئَةِ أَزْهَارٍ وَأَشْكَالٍ هَنْدَسِيَّةٍ. كَانَ الْجَمِيعُ يَتَصَوَّرُ كَيْفَ عَاشَ الْأَجْدَادُ بَيْنَ هَذِهِ الْجُدْرَانِ، وَكَيْفَ حَفِظَتِ الْحِجَارَةُ سِرَّ الْزَّمَنِ.
نَشَاطُ الْأَسْوَاقِ: حَيَوِيَّةٌ تَذُوبُ فِيهَا الْحَوَاسُّ
لَمْ تَكْتَمِلِ الرِّحْلَةُ إِلَّا بِزِيَارَةِ سُوقِ الْعَطَّارِينَ، حَيْثُ تَمَازَجَتْ رَوَائِحُ الْبُهُورَاتِ وَالزَّعْتَرِ وَالْهَالِ، وَانْعَكَسَتْ أَلْوَانُ الْفُسَيْفِسَاءِ عَلَى أَوَاعِي النُّحَاسِ الْمُعَلَّقَةِ. تَوَقَّفَ بَعْضُنَا عِنْدَ دُكَّانٍ لِلْحَلْوَيَاتِ التُّونُسِيَّةِ، وَتَذَوَّقْنَا الْمَقْرُودَ وَالْبَنِينَ، بَيْنَمَا انْجَذَبَ آخَرُونَ نَحْوَ دُكَّانِ الْأَقْمِشَةِ الْمُلَوَّنَةِ، حَيْثُ اخْتَارُوا أَقْنَاعًا تَقْلِيدِيَّةً كَتَذْكَارٍ.
لُقْيَا الْأَهَالِي: دَفْءٌ يُجَسِّدُ مَعْنَى الْإِنْسَانِيَّةِ
فِي إِحْدَى الْزَّوَاوِيَاتِ، صَادَفْنَا جَدَّةً تَجْلِسُ عَلَى بَابِ مَنْزِلِهَا، تَحْكِي لِلْجِيرَانِ قِصَصًا عَنْ مَدِينَتِهَا. لَمْ تَتَرَدَّدْ فِي دَعْوَتِنَا لِشُرْبِ الْقَهْوَةِ التُّونُسِيَّةِ، وَحَكَتْ لَنَا عَنْ تَغَيُّرَاتِ الْمَدِينَةِ وَذِكْرَيَاتِهَا فِيهَا. كَانَتْ لُغَةُ الْعَيْنَيْنِ وَالْبِشْرَةِ كَفِيلَةً بِكَسْرِ حَاجِزِ الْغُرْبَةِ.
الْعَوْدَةُ: ذِكْرَى تَنْحَتْ نَفْسَهَا فِي الْقَلْبِ
عِنْدَ مُغَادَرَتِنَا، كَانَتِ الْوُجُوهُ تَحْمِلُ بَيْنَ طَيَّاتِهَا شُعُورًا مُتَضَارِبًا: فَرَحٌ بِمَا رَأَيْنَاهُ، وَحُزْنٌ لِفِرَاقِ مَكَانٍ شَعَرْنَا فِيهِ بِالْأُنْسِ. فِي طَرِيقِ الْعَوْدَةِ، تَطَلَّعَ الْجَمِيعُ إِلَى صُوَرِهِمْ مَعَ الْأَهَالِي وَالْمَعَالِمِ، كَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ تَثْبِيتَ اللَّحْظَاتِ قَبْلَ أَنْ تَذُوبَ.
أَثَرُ الرِّحْلَةِ: دُرُوسٌ لَمْ تُكْتَبْ فِي الْكُتُبِ
لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الرِّحْلَةُ مُجَرَّدَ نُزْهَةٍ، بَلْ كَانَتْ دَرْسًا حَيَّاً عَنِ التَّارِيخِ وَالْإِنْسَانِ. تَعَلَّمْنَا أَنَّ الْجَمَالَ لَيْسَ فِي الْبُنْيَانِ فَقَطْ، بَلْ فِي قُلُوبِ مَنْ يَسْكُنُونَهُ. وَعَدْنَا أَنْفُسَنَا بِأَنْ نَكُونَ سُفَرَاءَ لِهَذِهِ الذِّكْرَيَاتِ، نَنْقُلُهَا لِمَنْ لَمْ يَرَ تُونُسَ بَعْدُ.
هل كان هذا المقال مفيداً؟

نزار لطفي
كاتب ومحرّر مقالات في جريدة أسبوعيّة محلّيّةنزار لطفي كاتب ومحرّر مقالات في جريدة أسبوعيّة محلّيّة، يتميّز بأسلوبه الواضح والعميق في تناول المواضيع التاريخية. تُعرف كتاباته بالدقة والبحث المدقّق، حيث يعمل على إبراز التفاصيل الدقيقة والأحداث المهمة التي شكلت التاريخ. يُقدّم نزار رؤى تحليلية تسلّط الضوء على الجوانب الإنسانية والسياسية والاجتماعية للتاريخ، مما يجعل مقالاته مرجعًا قيّمًا للقرّاء الذين يبحثون عن فهم أعمق للماضي وتأثيره على الحاضر.
تصفح صفحة الكاتب