فجوة كبيرة بين التمييز ضد الاعاقة وسوق العمل
فجوة كبيرة بين التمييز ضد الإعاقة وسوق العمليواجه الأشخاص ذوو الإعاقة تحديات جسيمة في الاندماج بسوق العمل، وهو ما يعكس فجوة عميقة بين ما تنص عليه القوانين والتشريعات من حقوق، وبين ما يجري على أرض الواقع. فعلى الرغم من إقرار الدستور المصري في عام 2018 قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، الذي يهدف إلى ضمان حقوقهم في مجالات متعددة، ومن بينها الحق في العمل، إلا أن التطبيق الفعلي ما زال يشهد قصورًا واضحًا.
ففي المادة (29) من القانون ذاته، حُددت نسبة 5% من الوظائف في القطاعين العام والخاص لتكون مخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة. غير أن التحدي الأكبر يتمثل في كيفية تحويل هذه النسبة إلى فرص حقيقية وعملية تُمكّنهم من المشاركة الفعلية في بيئة العمل.
---
المجتمع والعجز عن الاندماج
تكمن المشكلة الجوهرية في صعوبة اندماج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع، ليس على صعيد العمل فحسب، بل في شتى مجالات الحياة اليومية. فما زال المجتمع، في معظمه، يفتقر إلى الوعي الكافي بحقيقة التحديات التي يواجهونها، كما أن البيئة المحيطة بهم غالبًا لا توفر الدعم والتشجيع اللازمين.
ويمتد هذا التمييز ليشمل المؤسسات والشركات التي لا تراعي – في كثير من الأحيان – احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، ولا تُهيئ لهم بيئة عمل عادلة ومشجعة.
وعلى المستوى الشخصي، أجد صعوبة شديدة في الاندماج داخل سوق العمل، ليس لقصور في كفاءتي، بل لاختلاف وسائل التواصل بيني وبين الآخرين. وعلى الرغم من إعلان الدولة التزامها بتوفير بيئة مناسبة لذوي الإعاقة، فإن التطبيق العملي لهذه الالتزامات ما زال يعاني من ضعف واضح.
---
التحديات في التواصل والتوظيف
يُعد التواصل من أبرز التحديات التي تعيق فرص الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل، ولا سيما في المراحل الأولى من التوظيف مثل المقابلات الشخصية. ففي حين يتمكن الأشخاص السامعون من الاعتماد على المكالمات الهاتفية أو المقابلات المباشرة، يجد الأشخاص ذوو الإعاقة السمعية صعوبة في ذلك، وهو ما يضعهم في موقف غير منصف.
فعلى سبيل المثال، يتمتع العديد من ضعاف السمع بمهارات استثنائية في مجالات مثل التصميم الجرافيكي، التصوير الفوتوغرافي، أو الكتابة الإبداعية، لكنهم غالبًا ما يواجهون رفضًا متكررًا من أصحاب العمل، لا لقصور في قدراتهم، وإنما لغياب ثقافة التفاهم وغياب تهيئة وسائل تواصل بديلة داخل المؤسسات.
---
التمييز في سوق العمل
تتجلى الفجوة بوضوح في المعاملة غير العادلة التي يتعرض لها ذوو الإعاقة داخل سوق العمل. ففي بعض الحالات، تكتفي الشركات بتعيينهم شكليًا بغرض استيفاء النسبة القانونية أو للحصول على امتيازات، دون أن تتيح لهم فرصًا حقيقية للنمو أو المشاركة الفاعلة في بيئة العمل.
كما أن رفضهم في المقابلات الوظيفية غالبًا ما يُبنى على مبررات واهية مثل ضعف مهارات التواصل أو قلة الخبرة الاجتماعية، بالرغم من امتلاكهم كفاءات مهنية متميزة في مجالات متعددة.
---
أثر التمييز على الأفراد
لقد عايشتُ بنفسي تجارب مؤلمة خلال مسيرتي الدراسية والعملية، حيث تأخرت في إنجاز بعض المواد الدراسية بسبب إعاقتي السمعية. ورغم ذلك أكملت دراستي بإصرار وعزيمة. لكن بعد التخرج، واجهت عراقيل عديدة في الحصول على فرصة عمل مناسبة، إذ كان الرفض في المقابلات يتكرر دائمًا بسبب "ضعف مهارات التواصل"، وهو معيار لا يعكس بأي حال من الأحوال القدرة الفعلية على أداء المهام الوظيفية.
---
القانون كحل
من الناحية النظرية، يحظر القانون المصري رفض توظيف شخص من ذوي الإعاقة من دون مبرر قانوني مشروع. وفي حال حدوث ذلك، يحق للمتضرر اللجوء إلى الهيئة القومية لشؤون الإعاقة أو المحاكم للمطالبة بحقوقه. إلا أن الإشكالية الكبرى تكمن في ضعف آليات التنفيذ، ما يخلق فجوة بين النصوص القانونية والتطبيق الواقعي.
---
الختام
لا يزال مجتمعنا بحاجة ماسّة إلى تغيير جذري في طريقة التعامل مع ذوي الإعاقة، يقوم على الإيمان الحقيقي بقدراتهم ومنحهم الفرص العادلة التي يستحقونها. إن الإعاقة ليست عجزًا، بل هي اختلاف يتطلب فهمًا ودعمًا. فالأشخاص ذوو الإعاقة يمتلكون طاقات فكرية ومهنية قد تفوق أقرانهم إذا أُتيح لهم المناخ المناسب.
إن تحقيق الدمج الحقيقي يتطلب وعيًا مجتمعيًا، وسياسات واضحة، وتطبيقًا صارمًا للقانون، حتى يصبح ذوو الإعاقة شركاء فاعلين في سوق العمل والحياة اليومية على حد سواء.
