عيش حياة سعيدة وناجحة: أسرار من عالم التنمية البشرية

إيمان الحياري
كاتبة محتوى تقني ومنوع
نشرت:
وقت القراءة: دقائق

يساهم تطوّر الإنسان وتقدمه في مختلف مجالات الحياة بالوصول إلى تقدم المجتمعات ككّل، فإن الخيارات والقدرات تصبح أكثر توسعًا وشمولًا، ويشار إلى أن التنمية البشرية مظلة متكاملة تدرج تحتها العديد من المفاهيم منها كفالة الحقوق والحرية، المساواة وتوسع الدخل، وتوفير البيئة السياسية والاجتماعية وغيرها الكثير من التفاصيل لضمان حياة فضلى؛ فإنها جميعها تتكاتف معًا لتوفير حياة جيدة للإنسان.

انطلاقًا من ذلك فإن التنمية البشرية أصبحت علمًا قائمًا تحتاج الدراسة والأبحاث والنظريات والمقاييس والمؤشرات التي لا بد من أخذها بعين الاعتبار وتطبيقها للخروج بنتائج مثالية تؤثر إيجابيًا في حياة الإنسان والبشرية جمعاء.

لذلك سنقف سويًا في رحاب مقالنا هذا على مفهوم التنمية البشرية وأهدافها، مقوماتها، مهاراتها، معوقات تطبيقها، والكثير من المعلومات التي تهمك حتمًا.

مفهوم التنمية البشرية Human Development

عيش حياة سعيدة وناجحة: أسرار من عالم التنمية البشرية

تتعدد التعريفات التي جاءت لتوضح مفهوم التنمية البشرية Human Development على مر السنين، إلا أنها تتفق بمجملها على ضرورة تعظيم الأمور التي من شأنها تحسين حياة الإنسان من كافة النواحي دون استثناء.

التنمية البشرية منهج بأكمله قادر على ترسيخ جذور حريات الناس وتعظيم الفرص أمامهم ليصل الأمر في نهاية المطاف إلى الرفاهية والحياة الكريمة، بالمجمل فإن الأمر يتمحور حول الحرية الحقيقية للإنسان بأن يتخذ قراره أيضًا بأي منحى من مناحي الحياة سواء ماذا أو كيف أو متى، لذلك فإنها توسيع نطاق القدرات البشرية وخياراتهم والعمل على تجسيد حقوق الإنسان بأرقى صورها.


اقرأ ايضا

    تدل الكثير من التعريفات إلى التنمية البشرية تتطلب توسيع الدخل؛ وذلك بتحسين وتطوير الطرق والأساليب التي من شأنها نمو الدخل؛ فإنه أساسي ومهم لضمان تطوير مناحي الحياة الإنسانية من حريات اجتماعية وبيئية وسياسية وغيرها، لذلك كان لا بد من نشأة مؤشر التنمية البشرية Human Development Index (HDI)، الذي يعتبر المقياس الأمثل على الإطلاق للإنسانية وتنميتها لاعتباره أكثر من معيار يرتكز على الدخل الفردي من أصل الناتج المحلي الإجمالي.

    بذلك فإن تحقيق التنمية البشرية فعليًا يقتضي إلزاميًا وجود وتوفير كل من الحياة الطويلة والصحة الجيدة والرفاهية والتعليم وضمان الحريات الأساسية ومختلف التفاصيل التي تسهم في تعميق جذور الاحترام للذات وتؤكد تثمين الوجود الإنساني.

    أهداف التنمية البشرية

    عيش حياة سعيدة وناجحة: أسرار من عالم التنمية البشرية

    لتوسيع مفهومها وإظهار معناها من خلال تحقيق الأهداف المنشودة منها سواء اجتماعيًا أو اقتصاديًا، لذلك فقد خرجت عن نطاق دورها في تمثيل نمو نصيب الفرد من الدخل الإجمالي، حتى توسع الاهتمام بأهداف أخرى مثل التخلص من الظلم ومحاولة إيجاد الحلول التي تحد من الفقر وعدم المساواة؛ في محاولاتٍ لإحلال كل من العدالة والثراء والرفاهية وغيرها بطريقةٍ أو بأخرى.

    من أهداف التنمية البشرية أن توجه الأنظار وتمركزها فقط على الإنسان ورفاهيته؛ بحيث يكون الإنسان في المقام الأول، ومتى تحقق هذا الأمر فإنها حقًا تنمية بشرية، وما يؤكد ذلك أنه أصبح أكثر وعيًا فإن المفهوم قد شمل تفاصيل تخطت حاجز الدخل الفردي تحت تأثير تغيير ثوري ملحوظ انبثق في اتلسعيانت بواسطة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ وشمل وقتها بيئة السياسات أيضًا التي تتخذ بها الحكومات دورها وتتكلف به، لذلك فقد احتضن تحته مفهوم التنمية الاقتصادية أيضًا التي تهدف تلقائيًا إلى توسيع القدرات البشرية.

    ليس ذلك فحسب؛ فإن التنمية البشرية تسعى إلى تجسيد كل من النمو والتنمية في آنٍ واحد، فإنهما وجهان لعملةٍ واحدة بهذا الصدد، فإننا نلاحظ أن الكثير من الدول التي تعلن ارتفاع نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي؛ إلا أنه مع الأسف هناك ارتفاع ملموس على عدد الوفيات، إضافة إلى ضعف في توزيع التغذية والتعليم والحقوق الأساسية التي لا بد من توفرها لجميع أفراد المجتمع، من هذا المنطلق فإن التنمية البشرية تتحقق فعليًا في حال وجود النمو والتنمية معًا.

    مقومات التنمية البشرية

    عيش حياة سعيدة وناجحة: أسرار من عالم التنمية البشرية

    من الجدير بالذكرِ أن هناك العديد من مقومات التنمية البشرية التي لا بد من التعرف عليها، وتتمثل على النحو التالي:

    1. التعليم: من أوائل المقومات التي تنهض بها الأمم والشعوب نحو العلياء، لذلك لا بد من النجاح لضمان الوصول وتحقيق الأهداف المنشودة؛ من المتعارف عليه أن التعليم قادر فعليًا على تبديد الصعوباة وإزالتها من طريق الإنسان، بالتالي تعبيد طرق الابتكار والريادة بأبهى حلةٍ لها.

    2. التدريب، أيضًا من المقومات المهمة التي تصقل مهارات الأفراد وتجعلهم أكثر قدرة على الإنجاز، فإنك تكون أكثر نجاحًا كلما ازداد تطور خبراتك ومهاراتك وأفكارك، فإن الممارسات التقنية الحالية التي تحلى بها الإنسان وتمكن منها قد ساهمت بأخذ يده إلى الابتكار والعمل والاحتراف، ما جعله قادر على الاندماج بالمزيد من الأعمال والمهام الموكولة إليه.

    3. الحماية الاجتماعية، من المقومات المهمة التي تسهم فعليًا في تعزيز التنمية البشرية أن تتحقق الحماية الاجتماعية فإنها بمثابة سياج متكامل يوفر الحماية للإنسان من جميع النواحي النفسية والاجتماعية والصحية على حدِ سواء، والأخذ بيده نحو الطريق الصحيح للإنتاج والتفاعل مع المجتمع المحيط، وتأمين مستقبل زاهر وجديد.

    4. الثقافة، تتأثر مستويات تحقق التنمية البشرية بشكل مباشر في الثقافة والسلوك البشري الممارس في المحيط، لذلك من المتعارف عليه إن المخزون الثقافي يوضع تحت مجهر الدراسة عند التوجه للتعرف على مدى تقبل مجتمع أو وسط ما لتطبيق التنمية البشرية عليه، فإن الثقافة حجر أساس وركيزة للمجتمع ليكون الجميع أكثر إدراكًا وتنظيمًا للشؤون دون عشوائية.

    عناصر التنمية البشرية وأركانها

    هناك العديد من الركائز الأساسية التي تهتم بها التنمية البشرية، ولا يمكن القول بأنها حققت أهدافها فعلًا دون توفر هذه المقومات فعليًا، وتتمثل بما يلي:

    1. المساواة Equality

    تسعى التنمية البشرية إلى ضرورة تعزيز الفرص العادلة بين الناس دون تمييز أو محاباة، ويشار له عادةً باسم القدرات المتعلقة بالمساواة؛ فإن ذلك يحتاج إلى وجود بنية مؤسسية مجتمعية توفر التقدم والتلاؤم بين الوصول غلى الفرص أكثر.

    من الممكن أن يتحقق الوصول العادل للفرص مثلًا إذا مدت يد العون للمزارعين بإصلاح أراضيهم جميعًا، إضافةً إلى حل مشكلة التوزيع غير المتكافئ للدخل اعتمادًا على تطبيق سياسات الإنفاق الضريبي المتفاوتة من حيث التدابير الاقتصادية والتشريعية التي يمكنها الاندماج صراحةً مع السوق، بالتالي تمكين قدراتهم ورفايتهم من التحقق.

    ليس ذلك فحسب؛ بل إن التعليم أيضًا من المجالات التي لا بد من المساواة بشأنها؛ فإنها من أقوى الحوافز التي تحدث تغييرًا اجتماعيًا عميقًا، لذلك يجب توفيرها للجميع سواء حسب الجنس أو الأقليات العرقية والدينية والطائفية، بما معناه تبديد أي عقبات اجتماعية واقتصادية قد تقف عائقًا أمام التنمية، بالتالي إجراء تغيير عميق في المجتمع وجعله أكثر قوة.

    2. الاستدامة Sustainability

    هذا ويؤثر جانب الاستدامة أيضًا في التنمية؛ بما معناه ضرورة الاستمرارية والمضي قدمًا دون توقف؛ بل على العكس تمامًا لا بد من التطور والتقدم لأطول فترات ممكنة، علمًا بأن التنمية المستدامة تحتاج أحيانًا إلى تحقيق القدرة الوقائية والحفاظ عليها ضمن المحيط الحيوي للإنسان لأطول فترة ممكنة، ويكون بهذه المرحلة قد بلغ المجتمع حدود للنمو.

    في هذا الصدد يشار إلى أن الاستدامة يعتبر من المصطلحات التي تسلط الضوء على التوازن بين البيئة والنمو الاقتصادي المستقبلي؛ وذلك لضمان تحقيق جميع الأهداف التنموية المستدامة، ما يتيح الفرصة أيضًا للسعي نحو تحقيق المساواة بين الأجيال.

    3. الإنتاجية Productivity

    الإنتاجية Productivity من العناصر الأساسية للتنمية البشرية التي تحتاج بقوة جامحة إلى الاستثمار في العنصر البشري أكثر من غيره حتى سمي بهذا الصدد باسم رأس المال البشري، أي أنه الأساس في العملية لتكون قادرًا على توظيفه وتوجيهه للمزيد من الإنتاجية.

    إن حرصت على تحسين جودة الموارد البشرية فعليًا؛ فهذا يعني أنك قادر على الأخذ بمستوى الإنتاجية والحصول على الموارد أكثر نحو العلياء، فإن الاقتصادي ثيودور دبليو شولتز قد أشار لذلك بأن العامل المنتج هو الحل الأمثل، لذلك لا بد من تحويل جميع الأيدي إلى منتجة ومحترفة للتمكن من إحداث تحسين على نوعية السكان بعمق.

    4. التمكين Empowerment

    من عناصر التنمية البشرية أيضًا التمكين الذي لا يمكن التهاون به نهائيًا، وتحديدًا فيما يتعلق بالعنصر النسائي الذي أصبح جزء من تطوّر المجتمع والتأثير بجميع جوانب الحياة، فإن التمكين دليل على تطبيق أعلى معايير الديمقراطية السياسية أيضًأ وتمكين الأفراد من اتخاذ قرارات سياسية بحتة، والتمتع بمختلف الحريات السياسية والمدنية التي تنظم شؤونهم الحياتية.

    إذا أصبح الإنسان متمكنًا فإن ذلك يعني تحفيزه على التقدم والتطوّر؛ بالتالي التأثير بالمجتمع المحيط به أكثر بشكل إيجابي، وهذا ما حدث فعلًا بعد توجه 90% من دول العالم إلى تمكين المرأة من المساهمة والإنجاز والعمل.

    معوقات التنمية البشرية

    رغم الكثير من الجوانب الإيجابية من عوامل وركائز ومقومات تسهم في التنمية البشرية، إلا أن هناك بعض المعوقات التي تحتاج التعامل معها بطرق معينة لضمان الوصول إلى الأهداف المنشودة، ومنها ما يلي:

    1. الاضطرابات السياسية، إن سوء وتدهور الأوضاع السياسية في بلد ما ومعاناته من مشاكل وانعدام الاستقرار، سواء في الحروب أو المجاعات أو غيرها يؤثر سلبًا على تحقق التنمية البشرية وتطبيقها فعليًا.

    إذ من المتعارف عليه أن الأوضاع السياسية المتردية تؤثر بازدياد الفقر والبطالة وانتشار الجوع وغيرها الكثير من العوامل التي تحتاج لحلول جذرية.

    2. تردّي الأوضاع الاقتصادية، إن الاضطرابات الاقتصادية أيضًا تقف عقبة واضحة أمام سير التنمية البشرية وتحد من سريانها في جسد العالم، ويعزى ذلك إلى الفقر المقيت، وتقهقر البنى التحتية، ما يترتب عليه تلقائيًا البطالة التي تعد معضلة بحد ذاتها.

    3. الأوضاع الصحية السيئة، يعتبر توفير البيئة الصحية والآمنة للأفراد حق أساسي لا يمكن الجدال فيه، لذلك غياب الصحة وتفشي الأمراض والأوبئة من أكثر المعوقات التي تحول دون تطبيق التنمية البشرية.

    4. العوامل الاجتماعية والثقافية، من المؤسف أن الأفكار الرجعية والتعصب الفكري والجهل مأساة بحد ذاتها، وجدار عالٍ يقف أمام تحقق التنمية البشرية، فإن هذا النوع من المجتمعات يعاني من نشوب المشاكل على الدوام بين أبنائه.

    ختامًا، فإن التنمية البشرية مصطلح شامل لتطوير جميع مناحي الحياة وصقلها للخروج بأفضل ما لدى الإنسان من قدرة على الإنتاجية والابتكار والتأثير إيجابيًا في محيطه، لكن ذلك يتطلب تقديم جميع الفرص التي تجعل منه مؤهلًا لتقديم ما لديه، من تعليم وصحة ودخل ورفاهية وغيرها.

    المراجع

    Human Development: Meaning, Objectives and Components

    What Is Human Development and Why Is It Important?

    إيمان الحياري

    إيمان الحياري

    كاتبة محتوى تقني ومنوع

    كاتبة محتوى إبداعي واحترافي أشغف في إثراء المحتوى العربي، هدفي إفادة الشباب العربي بالمعلومات المستوحاة من مصادرها الموثوقة وتقديمها بأبسط ما يمكن لتكون متوفرة فور البحث عنه.

    تصفح صفحة الكاتب

    اقرأ ايضاّ