عوالم الأحلام الغامضة – كيف تحول أحلامك إلى مصدر للإلهام والإبداع

Ahmad eshoush
فنان تشكيلي وكاتب محتوى إبداعي متنوع
آخر تحديث:
وقت القراءة: دقائق
لا توجد تعليقات

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق

تسجيل الدخول

عوالم الأحلام الغامضة – كيف تحول أحلامك إلى مصدر للإلهام والإبداععوالم الأحلام الغامضة – كيف تحول أحلامك إلى مصدر للإلهام والإبداع

قد تستغرب جدا إذا قلت لك أن الأحلام هي بالنسبة لي من المعلمين الكبار الذين تتلمذت على أيديهم، وأحد مصادر الإلهام الكبيرة لي، وهذه ليست مجرد مزحة أو دعابة خفيفة، وإنما حقيقة أقر بها وأعنيها تماماً، وستدرك ما أعنيه بالضبط خلال مواصلتك للقراءة، وكيف يمكنك أيضا أن تستفيد منها أكبر استفادة ممكنة، بتغيير بسيط في زاوية نظرك نحوها.

لقد شغلت الأحلام والرؤى من أقدم الأزمنة حيزا كبيرا من تفكير الانسان واهتمامه، وكانت مصدر إلهام له حينا، ومصادر حيرة وقلق أحيانا أخرى، وكان البحث عن تفسير لها وفهم رسائلها هاجسا كبيرا يؤرقه، وهذا ما أدى إلى كثرة الدراسات التي تناولتها بالبحث والتحليل، وكثرة الاتجاهات التي حاولت تفسيرها وتأطيرها بأطر علمية أو دينية أو منطقية، تجعل من الممكن فهمها والتعامل معها.

أشهر الرؤى في التاريخ

رؤيا الفرعون

كانت رؤيا الفرعون التي قصها علينا القرآن الكريم في سورة يوسف واحدة من أشهر الرؤى في التاريخ، والتي تدور حول رؤيته لسبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات:

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ

يوسف (43)

وكان لهذه الرؤيا التي شغلت الملك وأثارت اهتمامه تأثيرها الكبير والحاسم في إنقاذ مصر وما حولها من مجاعة محدقة، وفي إحداث تغييرات جذرية أعادت تشكيل ملامح الدولة لسنوات عديدة، وكانت سببا رئيسيا في إخراج يوسف عليه السلام من السجن، ورفع الظلم الذي نزل به، وإحقاق الحق، وتبوئه للمكانة التي هو أهلها.

كيف يمكن للأحلام أن تسهم في توجيهك نحو تحقيق أهدافك وحل مشكلاتك/ تجربتي الخاصة

وبعيدا عن رؤيا الفرعون التي مثلت حدثا تاريخيا كبيرا وبالغ الأهمية، وبعيدا أيضا عن كل المدارس التحليلية التي تناولت موضوع الرؤى والأحلام، أود هنا أن أتحدث عن تجربتي الخاصة معها، وطريقتي في الاستفادة منها بأفضل شكل ممكن، والذي يمكن له أن يكون مفيدا لك أيضا.

كانت تجربتي مع الشعر والفن التشكيلي واحداً من الأسباب المهمة جداً التي أدت بي إلى تبني هذا الفهم، والاعتقاد بأن الأحلام معلم كبير، يجب علينا أن نكون مستمعين جيدين له، ومتنبهين لكل إشارة قد تصدر عنه، فكيف حدث هذا؟

في فترة مبكرة من حياتي بدأت في كتابة الشعر وغرقت في بحوره، وكنت مستمتعا بهذا الغرق ومستسلما لسحر موسيقاه التي كانت تغوص بي أعمق فأعمق، وتزيد من توريطي في الوصول إلى عمق لا فرصة في النجاة منه.

وفي فترة لاحقة وبينما كنت أتعافى من الشعر، وقعت في ورطة جديدة شديدة الفتنة كسابقتها، حيث دخلت في علاقة معقدة ومستحكمة مع الفن التشكيلي استمرت طويلاً، وفي كلا الورطتين أعتقد أنني حققت شيئا من النجاح والانجازات التي يعتد بها، وفزت بجوائز عديدة ومهمة في كل منهما، ولست هنا طبعاً في صدد استعراض ما أنجزته فيهما، ولكن الشاهد في الأمر أنني كنت أكتب الشعر وأمارس الفن بلا وعي مني، ودون تخطيط مسبق أو وجهة محددة أتحرك نحوها، كنت مستسلما تماماً لايقاعهما الساحر، ومنجرفا مع تياره دون أدنى مقاومة، ودون سؤال عن النهايات المحتملة، أو حتى عن طبيعة المجرى وقوة اندفاعه.

عوالم الأحلام الغامضة – كيف تحول أحلامك إلى مصدر للإلهام والإبداععوالم الأحلام الغامضة – كيف تحول أحلامك إلى مصدر للإلهام والإبداع

وحينما كنت أعود من مغامراتي اللاواعية معهما محملاً بقصيدة أو لوحة تصطبغ بغموض الرحلة، كان يسألني المحيطون بي بإلحاح عن بعض ما تعنيه القصيدة أو اللوحة، وأجدني عاجزاً حقا عن الإجابة، فأنا لم يخطر لي حتى مجرد خاطر أن أفكر في الأمر، أو أسأل نفسي عما يمكن أن أكون قصدته هنا أو هناك، وكانوا يدهشون كثيرا لهذا ويتساءلون:

ألست من كتبها أو رسمها فأقول: بلى.

لكن هذا لا ينبغي أن يكون مستغربا كثيرا، فخلال حياتنا نعيش كثيرا من المشاعر والحالات الغامضة التي لا نفهمها رغم أننا أصحابها، فقد تسأل شخصا ما بماذا تشعر؟ فيقول لك ببساطة لا أعرف، لا أستطيع فهم مشاعري أو تحديدها في هذه اللحظة، أو أنني غير قادر على فهم الأسباب التي تجعلني أشعر على هذا النحو، أو أنني غير قادر على ترجمة مشاعري إلى كلمات يمكن فهمها.

وكثيرا أيضا ما تسمع أشخاصا يتحدثون عن عدم قدرتهم على فهم أنفسهم، أو تفسير اختياراتهم وردود أفعالهم، وربما قراراتهم أيضا، والسبب في ذلك أن هذه الأشياء تصدر عن وعي خفي أعمق كثيرا مما نتخيله، وأشد اتساعا وأعظم تفوقا من وعينا الظاهر والمحسوس، وهو ما قد يسمى عادة بالعقل الباطن.

مثل هذه الحالات كنت أعيشها بالفعل مع كل قصيدة أو لوحة أنجزها، وأشعر بالعجز عن فهمها أو فهم لماذا اخترت هذه الكلمة تحديدا أو هذا اللون ذاته.

لكنني بعد وقت قد يطول أو يقصر كنت أكتشف الحكمة الخفية التي نسجت هذا العمل الأدبي أو الفني بهذا الشكل المتقن، وكان هذا مما يدهشني حقا، كيف استطعت دون وعي مني أن أخرج هذا العمل بمثل هذا الترتيب الإبداعي الدقيق والمتناسق، والمعبر بشكل مذهل عما كنت عاجزا عن التعبير عنه في لحظتها.

قادني هذا إلى تبني قناعة راسخة بأن ثمة وعيا عميقا في داخلنا يتفوق على وعينا الظاهر والسطحي ويسبقه بمراحل كثيرة، وجعلني متيقظا جدا لالتقاط كل الإشارات التي قد تأتي من هذا الوعي الداخلي العميق، وكانت البوابة الأوسع لاقتحام هذا الوعي والتقاط إشاراته هي بوابة الرؤى والأحلام، التي صرت أوليها اهتماما كبيرا، وأصغي لما تقوله بكل انتباه.

ليس على طريقة ابن سيرين، ولا على الطريقة الفرويدية في التعامل معها وفهمها، مع التأكيد هنا أنني لست في صدد الاعتراض على كلا هذين المنهجين الكبيرين في التعامل مع الأحلام، أو الخوض في تفاصيلهما، أو الأخذ منهما والرد عليهما، وإنما أتحدث عن تجربتي الخاصة وطريقتي الخاصة في التعامل مع الأحلام، واستثمارها بشكل أكثر فعالية في فهم ذاتي والاجابة على الأسئلة الصعبة والمربكة، ولإيجاد الحلول الإبداعية والمبتكرة للمشكلات التي قد تعترض طريقي، وبالفعل كنت أحقق نجاحا كبيرا في معظم الأحيان.

عوالم الأحلام الغامضة – كيف تحول أحلامك إلى مصدر للإلهام والإبداععوالم الأحلام الغامضة – كيف تحول أحلامك إلى مصدر للإلهام والإبداع

طريقتي الخاصة في توظيف الأحلام بفعالية في حل المشكلات وإيجاد الأجوبة

تتلخص فكرتي عن الأحلام في الاعتقاد بأنها تمثل جسرا يصل بين وعينا الداخلي العميق والمتفوق ووعينا الظاهري المحدود والمتأخر، وهذا يشكل فرصة ثمينة لوعينا الظاهري للاستفادة من وعينا العميق في إيجاد الاجابات عن الأسئلة المستعصية التي قد تطرح عليه، وفي حل المشكلات المستعصية التي قد تعترض طريقه، وفي فهم ما استعصى عليه فهمه، وفي الحصول على الإلهام بطريقة سهلة وبسيطة.

فكل ما عليك فعله هو طرح السؤال، أو عرض المشكلة على وعيك العميق وإرهاف السمع لكل ما قد يقوله، والتنبه لكل الإشارات التي تصدر منه، وقراءتها جيدا دون استعجال، ودون ممارسة أي ضغوط لجعله يقول ما نريد لا ما يراه هو.

إن امتلاك مهارة طرح الأسئلة الصحيحة بالشكل الصحيح على وعينا العميق وتلقي إجاباتها بالطريقة الصحيحة هي مهارة عظيمة الفائدة، ويمكن أن يكون لها تأثيرها الكبير في تحسين نوعية حياتنا، وفي مساعدتنا على التقدم في الحياة بسرعة أكبر وكفاءة أعلى.

لماذا يخاف الناس عادة من الأحلام؟

تمثل الأحلام بالنسبة لكثير من الناس مصدر خوف وقلق، قد يؤثر على جودة نومهم، مما يؤدي إلى إحداث تأثيرات سلبية على صحتهم الجسدية والنفسية، وهذا قد يكون نتيجة لتعرضهم لبعض الأحلام المزعجة أو الكوابيس المرعبة التي يخشون تكرارها مجددا.

كذلك فإن ثقافة المجتمع ورؤيته الخاصة للأحلام والقصص التي يرويها حولها، قد يكون لها دورها الكبير في خلق هذا الانطباع السلبي عنها.

أضف إلى ذلك ضغوط الحياة الكبيرة أحيانا، ومشكلاتها الكثيرة، وتجاربها المؤلمة التي تجعل الكثير من الناس يميلون إلى شيء من التشاؤم، وتكوين الانطباع بأن الأحلام لن تكون أفضل حالا، حيث أن ضغوطهم ومشكلاتهم ستطاردهم حتى في نومهم.

هذه المخاوف هي نفسها ربما التي تجعل الكثيرين منهم يساهمون بشكل كبير في صناعة وانتاج أحلامهم المخيفة وكوابيسهم بأنفسهم، على طريقة المثل الشعبي القائل: "الذي يخاف من الغول بيطلع له".

الخاتمة

قد تكون الأحلام بالفعل فرصة ثمينة للحصول على الإلهام، وإيجاد الحلول الإبداعية والمبتكرة للمشكلات إذا تم التعامل معها بطريقة صحية وإيجابية، بعيدا عن المخاوف والشكوك والنظرة السلبية التي يمكن أن ترتبط بها، نتيجة لعشرات القصص المخيفة التي تروى عنها، ونتيجة لضغوطات الحياة وتحدياتها الكبيرة أحيانا، والتي قد تجد سبيلها إلى التسلل إلى أحلامنا فتشوشها أو تحدث تشوها ما فيها.

Ahmad eshoush

Ahmad eshoush

فنان تشكيلي وكاتب محتوى إبداعي متنوع

فنان تشكيلي وكاتب محتوى إبداعي متنوع، لدي شغف كبير بالتأليف والكتابة الإبداعية ولدي أربعة كتب مطبوعة ومنشورة وأكثر من خمسة معارض فنية شخصية ونصبين تذكاريين في مدينتين من المدن الأردنية العريقة وحاصل على العديد من الجوائز في الشعر والقصة القصيرة واللوحة التشكيلية

تصفح صفحة الكاتب

اقرأ ايضاّ