تنويه تحريري:
تمت كتابة هذا المقال بتاريخ 5 نوفمبر 2023، في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، إلا أن ظروف الحرب، وحالة النزوح، وانقطاع خدمات الإنترنت حالت دون نشره في حينه. وقد أُعيدت صياغته لاحقًا بما يواكب تطورات الأحداث والمستجدات، ويُعرض الآن بصيغته المعدّلة.

شكّلت عملية طُوفان الأقصى، التي نَفذتها كتائب الشهيد عز الدين القسام صباح السابع من أكتوبر 2023، نقطة تحول استراتيجية في تاريخ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي؛ لقد كشفت هذه العملية عن عبقرية التخطيط وجُرأَة التنفيذ، وشكّلت تحديًا مباشرًا للمنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، بل وضعت الكيان أمام مفاجأة لم يتوقعها.
لقد بدا القرار الذي اتخذته حركة حماس وكأنه مقامرة وجودية: إما البقاء أو الفناء؛ ومن الواضح أن القرار لم يكُن لحظة انفِعالية، بل ثمرة دراسة متأَنية وتحليل دقيق للوقائِع والمَخاطر، وهو ما يعكس حجم الاستعداد والتأهيل والاستشراف الذي سبق التنفيذ.
لقد نجح الطوفان في خلق تحولات هامة تاريخيًا واستراتيجيًا بعد قرن من النضال الفلسطيني، أبرز هذه التحولات في استراتيجيته الردع لدى العدو التي طالما كرسها من خلال تبني أقسى مستوى من العنف عاملاً بمقولة “جابوتنسكي” (المزيد من العنف حتى يصل العدو للاستسلام أو إلغاء وجوده
أولًا: دوافع العملية
اتخذت حماس قرار الهجوم بعد انسداد الأُفق السياسي والاقتصادي، وتفاقُم الأزمات الداخلية في قطاع غزة، حيث فشلت كل الوساطات وانهارت مقومات الحياة اليومية؛ وقد بدا أن العدو يسعى لخنْق الحركة ببطء تمهيدًا لإنهائها، ما دفعها لاستخدام ورقة المقاومة الشاملة باعتبارها الخيار الأخير؛ وقد أوضحت حماس في الوثيقة التي جاءت تحت عنوان "هذه روايتنا .. لماذا طوفان الأقصى" أن العملية كانت خطوة ضرورية واستجابة طبيعية، لمواجهة ما يُحاك من مخططات إسرائيلية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، والسيطرة على الأرض وتهويدها، وحسم السيادة على المسجد الأقصى والمقدسات، وإنهاء الحصار الجائر على قطاع غزة.
ثانيًا: الأهداف المعلنة وغير المعلنة
تهدف العملية إلى:
- كسر صورة "الجيش الذي لا يُقْهر " والتي حَرِص الاحتلال على ترسيخها لعقود.
- إفشال مشاريع التَطْبيع الإقليمي التي تسعى لتهميش القضية الفلسطينية.
- إعادة الاعتبار للمقاومة الفلسطينية كفاعل سياسي وعسكري لا يمكن تجاوزه.
- فرض معادلة تفاوض جديدة لتحرير الأسرى الفلسطينيين.
- تثبيت معادلات الردع وفرض تكلفة باهظة على العدوان المستمر.

ثالثًا: الاستراتيجية العسكرية لحماس
اتَّبعت حماس تكتيكًا من ثلاث مراحل:
- الهجوم المفاجئ: باقتحام مستوطنات غلاف غزة، وقتل وأسر أعداد كبيرة، وتوثيق ذلك إعلاميًا.
- الدفاع الاستراتيجي: استعدادًا لرد الاحتلال العنيف، مع بناء تحصينات دفاعية متقدمة.
- الهجوم الدفاعي: عبر استنزاف القوات المتوغلة، وإيقاع خسائر بشرية ومادية بها.
رابعًا: السيناريوهات المحتملة للعملية
1. انتصار الاحتلال واستسلام المقاومة
يُعد هذا السيناريو ضعيف الاحتمال في ضوء ما أظهرته المقاومة الفلسطينية من قدرات عسكرية متطورة وخبرة ميدانية تراكمية في إدارة المعارك طويلة الأمد؛ فكلما امتد أمد المواجهة، ازدادت الخسائر البشرية والمادية في صفوف الاحتلال، وتراجعت معنويات جنوده، في مقابل تصاعد الضغط الشعبي والسياسي داخل إسرائيل، ما يعزز من احتمالات فشلها في تحقيق أي إنجاز يُذكر على الأرض.
2. استمرار المعارك دون حسم
يمثل هذا السيناريو حالة استنزاف للطرفين، غير أن المعطيات الميدانية والسياسية ترجّح فيه عجز الاحتلال عن تحقيق أهدافه الاستراتيجية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم الانقسام السياسي الداخلي في إسرائيل، وتآكل ثقة الجمهور بقيادته العسكرية والسياسية؛ كما يُتوقع أن تُسهم حالة الجمود الميداني وارتفاع الكلفة الإنسانية في تصاعد الضغوط الدولية، واهتزاز المواقف الإقليمية المطبعة، بما قد يفضي إلى اضطرابات أوسع في المشهد الإقليمي، ويُعيد صياغة بعض التحالفات والمواقف حيال الصراع.
3. الذهاب إلى مسار تفاوضي
يُرجح أنه في حال تأكد عجز الاحتلال الإسرائيلي عن تحقيق أهدافه عبر المسار العسكري، وتزايد الضغوط الدولية المطالبة بوقف العدوان، فإن ذلك سيدفعه إلى اللجوء إلى المسار التفاوضي بحثًا عن مخرج يحفظ ماء الوجه، من خلال القبول باتفاق لوقف إطلاق النار، وهو ما يمكن اعتباره انتصارًا سياسيًا وعسكريًا لصالح حركة حماس.
خامسًا: النتائج الميدانية والسياسية
- فضح هشاشة الكيان أمام العالم، فهو "أوهن من بيت العنكبوت".
- تصاعد الدعم الشعبي للمقاومة.
- كشف التواطؤ العربي والصمت الدولي.
- إعادة الزخم للقضية الفلسطينية عالميًا.
- تسليط الضوء على المعاناة الإنسانية في غزة، ما دفع الشعوب للتحرك والتنديد بالمجازر.
سادسًا: التوصيات المقترحة
- الثبات والصبر والثقة بنصر الله: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم".
- تعزيز الحاضنة الشعبية للمقاومة في غزة.
- تصعيد المقاومة في الضفة الغربية.
- توحيد الموقف الفلسطيني واستثمار اللحظة سياسيًا.
- فتح قنوات تواصل عربي وإسلامي للضغط على الاحتلال.
الخاتمة
أظهرت عملية "طوفان الأقصى" أن المقاومة الفلسطينية لا تزال تملك زمام المبادرة، وقادرة على كسر الجمود الاستراتيجي وفرض وقائع جديدة على الأرض، رغم الحصار المفروض وبيئة الإقليم المتواطئة أو الصامتة؛ لقد حملت العملية رسالة واضحة مفادها أن القضية الفلسطينية لم تُطوَ بعد، وأن الاحتلال، مهما بلغ في بطشه، ليس بمنأى عن المفاجآت الاستراتيجية؛ كما أكدت أن المقاومة ليست مجرد ردّ فعل، بل خيار استراتيجي فاعل لا يمكن تجاوزه في أي تسوية قادمة أو معادلة إقليمية جديدة.
المراجع

محللون: نشر تحقيق الجيش الإسرائيلي سابقة أكدت انهيار نظرية الردع
اتفق خبراء ومحللون على أن نشر نتائج التحقيق العسكري الإسرائيلي حول إخفاقات هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 يمثل سابقة تاريخية، ويكشف عمق الأزمة التي تواجهها المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية.
تصفح المرجع
المقاومة الفلسطينية في مواجهة إسرائيل: صراع الإستراتيجيات في حرب غزة | مركز الجزيرة للدراسات
تقول الأسطورة الإغريقية: إن آلهة الإغريق حكمت على سيزيف أن يدحرج حجرًا من سفح الجبل وحتى قمته، وكلما وصل الرجل إلى القمة، سقط منه الحجر متدحرجًا إلى السفح مجددًا، ليُعاود مرة أخرى الفعل نفسه دونما نهاية.
تصفح المرجع- YouTube
Auf YouTube findest du die angesagtesten Videos und Tracks. Außerdem kannst du eigene Inhalte hochladen und mit Freunden oder gleich der ganzen Welt teilen.
تصفح المرجع
طوفان الأقصى وانعكاساته على الفكر السياسي
إذا كان الفكر البشري هو نتاج لوعي الإنسان لواقعه وقدرته على فهم الظواهر السياسي التي يواجهها وبالتالي صياغة سلوكه تجاهها وكيفية التعامل معها دون الفصل بين الماضي والحاضر أو فصل بين مكان ومكان، ويتباين دور الإنسان من خلال طبيعة الهدف المتمثل بتغير الواقع السياسي جزئيًا أو شاملاً.Contentsفي الأسبابالطوفان ومحور المقاومةالطوفان والنهوضاستنهاض الضفةدور الشتات الفلسطيني ولأن […]
تصفح المرجع
حين سبق طوفان الأقصى الإعصار هذا ما كشفه تحقيق إسرائيلي
تفاعل مغردون مع ما كشفته الصحافة الإسرائيلية عن خطة أقرها رئيس الشاباك رونين بار يوم 1 أكتوبر/تشرين الأول، قبل طوفان الأقصى بأسبوع، واعتمدها رئيس الأركان هرتسي هاليفي تقضي بتوجيه ضربة استباقية لحماس.
تصفح المرجع
من التخطيط إلى التنفيذ .. كيف أدارت المقاومة أكبر عملية خداع لـ"إسرائيل" قبل الطوفان؟
لا يمكن حصر تفاصيل الإبداع والتخطيط المحكم ليوم السابع من أكتوبر، وما بقي مجهولًا محفوظًا في أرشيف المقاومة بشأن مراحل التجهيز ومحاضر التقدير والخطط
تصفح المرجع